map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

ربِ لا تذرني فرداً

تاريخ النشر : 24-08-2024
ربِ لا تذرني فرداً

فايز أبو عيد || مجموعة العمل

" رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" الآية (89) سورة الأنبياء.

يضع أبو محمد هذه الآية الكريمة حالة له على الواتس منذ أن سافر أولاده الخمسة إلى ألمانيا قبل عشر سنوات. أبو محمد مدرّس وقور معروف بأناقته وحسن هيئته وهندامه وهو من رواد المسجد في المخيم (طلب منا الأستاذ أبو محمد عدم ذكر اسم المخيم) يؤدي الخمس صلوات فيه، ويعتكف فيه بين المغرب والعشاء.

حدثنا الأستاذ أبو محمد عن معاناته بعد سفر أولاده الخمسة، فهو من حثهم على السفر وقال لهم بالحرف الواحد " إذا تعددت أماكن اللجوء فيجب أن تختار الأفضل"، كان يعتقد هو وزوجته المدرّسة الفاضلة أم محمد أنهما سيمضيان شيخوخة مريحة، فأولاده يحيطون به من كل جهة ويسعون ليلاً نهاراً لخدمة والدهم ووالدتهم، لكنه منذ لحظة هجرة أولاده انقلبت حياته 180 درجة، فهو يعاني من ديسك رقبي ولديه مشاكل في أسفل الظهر، لا يستطيع حمل الأشياء الثقيلة وبالأخص (جرة الغاز).

أمضى الأستاذ أبو محمد الكثير من الوقت حتى تدرّب على تشغيل الموّلدة الكهربائية، وهو يعتبر أن عملية تشغيلها، عملية شاقة وصعبة، بسبب أمراضه العصبية التي تتفاقم بعد بذله أي جهد مضاعف.

فتشغيل الموّلدة أمر ضروري لتعبئة مياه الشّرب، ولكن هذه المعاناة انتهت الشهر الفائت بعدما أرسل له أولاده حوالة مالية كبيرة 2400 دولارا وقام بتركيب ألواح الطاقة الشمسية واستغنى عن كهرباء الدّولة نهائيا وبلا رجعة، بعدما قام بتطليقها بالثلاث كما يقول ساخرا.

رغم كل متاعب الحياة ما يزال الأستاذ رابط الجأش وقوي الإيمان، لكنّه مرات يسخر من قدره، حيث إنّه تقصد إنجاب الكثير من الأبناء ليعاونوه في المستقبل ويعاونوا بعضهم حسب تعبيره، لكنهم اليوم لا يعاونوه بشيء ولا يعاونوا بعضهم البعض بأي شيء، فكل واحد منهم يسكن في ولاية ألمانية مختلفة.

يمارس الأستاذ هوايته القديمة في البستنة، فهو يزرع في حاكورة بيته الصغيرة الكثير من الخضراوات، ويهتم بشكل دائم بشجرتي الزيتون والليمون ويجدها متنفسا لتمضية وقته هو وزوجته والتغلب على الملل والروتين اليومي القاتل.

أمّا زوجته المدرّسة أم محمد، فهي تضحك عندما تتذكر كلام زميلاتها المدرّسات، فهي سيكون لديها في المستقبل خمس كنّات، يسعين كلّهن لخدمة حماتهن ونيل رضاها. كنّة تشطف أرض الديار الواسعة وأخرى تغسل الصحون وأخرى تكوي ملابس حماتها وأخرى تعد لها الغداء وأخرى تصنع الحلوى.

وأم محمد تقول " عين وصابتنا يا خالتي، لا ظل عنا شباب، ولا حتى بعرف نسوانهن غير بالصورة، مو مبينة معي البيضا من السمرة، خمسة طاروا متل العصافير".

هذا ليس حال أبو محمد فقط، فقد عدد لنا أكثر من بيت في المخيم عاد فيه عدد أفراد أسرته لسيرتهم الأولى، أي الزوج والزوجة فقط، فهو يقول بطريقة كوميدية أن أكثر من نصف أسر المخيم عادوا عرسان، الأب والأم فقط، فهناك السيد أبو رامي وزوجته وهو موظف متقاعد وزوجته أم رامي كانت موجهّة تربوية ذائعة الصيت، والسيد أبو سالم و زوجته وهو محامي معروف وزوجته أم سالم كانت رئيسة قسم في واحدة من أكبر المؤسسات الحكومية ، والسيد أبو رائد وزوجته وهو كان أمين سرّ منطقة لواحدة من أكبر الحركات الفلسطينية المتواجدة والمشرّعة على الأراضي السورية.

طبعا لم تكن الهجرة السبب الوحيد لبقاء الوالد والوالدة لوحدهما، لكن هناك أسباب أخرى، كفقدان أحد أفراد العائلة لحياته كما حصل مع سالم الابن البكر لأبو سالم الذي اغتاله قناص شارع المؤسسة في بداية الأحداث، و رامي الابن الثاني للسيد أبو رائد، كان يعمل كسائق تاكسي أجرة، و تمّ اختطافه هو وسيارته بعدما قام بعض الأفراد المنتسبين للأمن السوري بركوب سيارته وطلبوا منه أن يسافر بهم إلى إحدى المحافظات السورية و وأوهموه بأنه سيدفعون له مبلغا محترما، ولكن على الطريق قاموا بتصفيته وسرقة سيارته ظلما وعدوانا.

كما هناك أيضا، المعتقلين في السجون السورية، ولا أحد يعرف عنهم أي شيء، مثل رامي وهو الابن البكر للسيد أبو رامي، تم اعتقاله على حاجز قبل جامعة البعث في حمص، حيث كان متوجها إلى هناك لتقديم امتحانات الجامعية في بداية صيف العام 2013.

وبالعودة للأستاذ أبو محمد، فهو يطلب من سبحانه وتعالى دائما (حُسن الخاتمة) فهو كما يقول أنّه يرى نورا في نهاية السرداب، ولا بد أن يأتي يوم ما تجتمع فيه العائلة.

" رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" هي دعاء غالبية الآباء الفلسطينيين في سوريا.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/20592

فايز أبو عيد || مجموعة العمل

" رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" الآية (89) سورة الأنبياء.

يضع أبو محمد هذه الآية الكريمة حالة له على الواتس منذ أن سافر أولاده الخمسة إلى ألمانيا قبل عشر سنوات. أبو محمد مدرّس وقور معروف بأناقته وحسن هيئته وهندامه وهو من رواد المسجد في المخيم (طلب منا الأستاذ أبو محمد عدم ذكر اسم المخيم) يؤدي الخمس صلوات فيه، ويعتكف فيه بين المغرب والعشاء.

حدثنا الأستاذ أبو محمد عن معاناته بعد سفر أولاده الخمسة، فهو من حثهم على السفر وقال لهم بالحرف الواحد " إذا تعددت أماكن اللجوء فيجب أن تختار الأفضل"، كان يعتقد هو وزوجته المدرّسة الفاضلة أم محمد أنهما سيمضيان شيخوخة مريحة، فأولاده يحيطون به من كل جهة ويسعون ليلاً نهاراً لخدمة والدهم ووالدتهم، لكنه منذ لحظة هجرة أولاده انقلبت حياته 180 درجة، فهو يعاني من ديسك رقبي ولديه مشاكل في أسفل الظهر، لا يستطيع حمل الأشياء الثقيلة وبالأخص (جرة الغاز).

أمضى الأستاذ أبو محمد الكثير من الوقت حتى تدرّب على تشغيل الموّلدة الكهربائية، وهو يعتبر أن عملية تشغيلها، عملية شاقة وصعبة، بسبب أمراضه العصبية التي تتفاقم بعد بذله أي جهد مضاعف.

فتشغيل الموّلدة أمر ضروري لتعبئة مياه الشّرب، ولكن هذه المعاناة انتهت الشهر الفائت بعدما أرسل له أولاده حوالة مالية كبيرة 2400 دولارا وقام بتركيب ألواح الطاقة الشمسية واستغنى عن كهرباء الدّولة نهائيا وبلا رجعة، بعدما قام بتطليقها بالثلاث كما يقول ساخرا.

رغم كل متاعب الحياة ما يزال الأستاذ رابط الجأش وقوي الإيمان، لكنّه مرات يسخر من قدره، حيث إنّه تقصد إنجاب الكثير من الأبناء ليعاونوه في المستقبل ويعاونوا بعضهم حسب تعبيره، لكنهم اليوم لا يعاونوه بشيء ولا يعاونوا بعضهم البعض بأي شيء، فكل واحد منهم يسكن في ولاية ألمانية مختلفة.

يمارس الأستاذ هوايته القديمة في البستنة، فهو يزرع في حاكورة بيته الصغيرة الكثير من الخضراوات، ويهتم بشكل دائم بشجرتي الزيتون والليمون ويجدها متنفسا لتمضية وقته هو وزوجته والتغلب على الملل والروتين اليومي القاتل.

أمّا زوجته المدرّسة أم محمد، فهي تضحك عندما تتذكر كلام زميلاتها المدرّسات، فهي سيكون لديها في المستقبل خمس كنّات، يسعين كلّهن لخدمة حماتهن ونيل رضاها. كنّة تشطف أرض الديار الواسعة وأخرى تغسل الصحون وأخرى تكوي ملابس حماتها وأخرى تعد لها الغداء وأخرى تصنع الحلوى.

وأم محمد تقول " عين وصابتنا يا خالتي، لا ظل عنا شباب، ولا حتى بعرف نسوانهن غير بالصورة، مو مبينة معي البيضا من السمرة، خمسة طاروا متل العصافير".

هذا ليس حال أبو محمد فقط، فقد عدد لنا أكثر من بيت في المخيم عاد فيه عدد أفراد أسرته لسيرتهم الأولى، أي الزوج والزوجة فقط، فهو يقول بطريقة كوميدية أن أكثر من نصف أسر المخيم عادوا عرسان، الأب والأم فقط، فهناك السيد أبو رامي وزوجته وهو موظف متقاعد وزوجته أم رامي كانت موجهّة تربوية ذائعة الصيت، والسيد أبو سالم و زوجته وهو محامي معروف وزوجته أم سالم كانت رئيسة قسم في واحدة من أكبر المؤسسات الحكومية ، والسيد أبو رائد وزوجته وهو كان أمين سرّ منطقة لواحدة من أكبر الحركات الفلسطينية المتواجدة والمشرّعة على الأراضي السورية.

طبعا لم تكن الهجرة السبب الوحيد لبقاء الوالد والوالدة لوحدهما، لكن هناك أسباب أخرى، كفقدان أحد أفراد العائلة لحياته كما حصل مع سالم الابن البكر لأبو سالم الذي اغتاله قناص شارع المؤسسة في بداية الأحداث، و رامي الابن الثاني للسيد أبو رائد، كان يعمل كسائق تاكسي أجرة، و تمّ اختطافه هو وسيارته بعدما قام بعض الأفراد المنتسبين للأمن السوري بركوب سيارته وطلبوا منه أن يسافر بهم إلى إحدى المحافظات السورية و وأوهموه بأنه سيدفعون له مبلغا محترما، ولكن على الطريق قاموا بتصفيته وسرقة سيارته ظلما وعدوانا.

كما هناك أيضا، المعتقلين في السجون السورية، ولا أحد يعرف عنهم أي شيء، مثل رامي وهو الابن البكر للسيد أبو رامي، تم اعتقاله على حاجز قبل جامعة البعث في حمص، حيث كان متوجها إلى هناك لتقديم امتحانات الجامعية في بداية صيف العام 2013.

وبالعودة للأستاذ أبو محمد، فهو يطلب من سبحانه وتعالى دائما (حُسن الخاتمة) فهو كما يقول أنّه يرى نورا في نهاية السرداب، ولا بد أن يأتي يوم ما تجتمع فيه العائلة.

" رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" هي دعاء غالبية الآباء الفلسطينيين في سوريا.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/20592