فايز أبوعيد || مجموعة العمل
من عبق سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنّه أرسل جنده إلى طي، بقيادة على بن أبى طالب رضي الله عنه، ففزع زعيمهم عدي بن حاتم الطائي، وهرب إلى الشام، وكان حينها من أشد الناس عداوة لرسول الله، وأخذ الجند الغنائم والخيل والنساء، وأسروهم، وعادوا بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكان من بين الأسرى سفانة بنت حاتم الطائي، والتي وقفت بين يدي الرسول وقالت: يا محمد لقد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بسيد أحياء العرب.
فأنا أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويطعم الطعام، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ويعين الناس على نوائب الدهر، وما أتاه أحد، ورده خائبًا قط، أنا بنت حاتم الطائي.
فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: والله هذه أخلاق المسلمين، لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه، وقال اتركوها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وفك أسرها هي، ومن معها، إكرامًا لخصال أبيها، وقال صلّى الله عليه وسلم: (ارحموا عزيزًا ذل، وغنيا افتقر، وعالم ضاع بين جهال).
بسبب القصف المتبادل بين طرفي الصراع والحرب المستعرة في سوريا، حرب لا تبقي ولا تذر وتحيل الأحياء لأكوام من الدمار والخراب كما يجري اليوم في قطاع غزّة الحبيب، أجبرت الكثير من العائلات الفلسطينية على ترك منازلها.
فلو قمنا بنظرة خاطفة على المخيمات لوجدنا بكل سلاسة الكثير من المخيمات التي تم تفريغها بشكل فعلي على أرض الواقع، كمخيم حندرات في حلب ومخيم العائدين في درعا ومخيم اليرموك في دمشق.
نعم لقد عادت بعض العائلات لتلك المخيمات حينما وضعت الحرب أوزارها، لكن هناك قسم كبير منهم لم يتمكن من العودة بسبب الدمار الكلي أو الجزئي في منزله، أو حتى بسبب التعفيش والسرقة والنهب للمنازل من قبل طرفي الصراع.
ولهذا السبب اضطرت العديد من العائلات الفلسطينية ممن لا يملكون القدرة المادية لاستئجار منزل ما للعيش والسكن في بنايات ومنازل على العظم لم يكتمل بناؤها بعد.
أي وبتبسيط أكثر، الجدران بدون طينة أو دهان فقط من البلوك، لا يوجد شبابيك ولا أبواب والأرضية بلا بلاط، والبعض منها بدون منافع، أي بدون تواليت وبدون أن يكون ممدد لها الكهرباء أو الماء، وكما يقول البعض " جدران لتستر علينا بس ".
طبعا وهذه الأبنية هي تعج بالقوارض والحشرات الزاحفة، كالجرذان والعقارب والأفاعي والبعوض و و و ومن الحيوانات والحشرات المؤذية. وتعجّ أيضا بالقاذورات والأوساخ والقمامة، فهي بنايات مهجورة يقطن فيها الكلاب والضباع والقطط الشاردة.
إن الانتقال من منزل مخدّم ويحتوي على كل وسائل الراحة والرفاهية إلى بيت على العظم أو بناية مهجورة أو إلى خيمة، أصاب الكثير من الفلسطينيين بالصدمة وأدى للعديد من الاضطرابات والأمراض والمشاكل النفسية لهم والتي أدت لوفاتهم أو إصابتهم بمرض دائم.
فهذا الذل والهوان الذي عايشه الفلسطيني خلال الحرب السورية، هو أمر لا يحتمله كبار النفوس وكرام الناس، فالانتقال من بيت مشيّد أفضل تشييد إلى خرابة بكل ما تعنيه كلمة خرابة من معنى، وهذا النزوح القسري شمل كل فئات المجتمع الفلسطيني في المخيمات.
فالجميع أجبر على النزوح، وكل طبقات المجتمع الفلسطيني، الأطباء والمهندسين والمدرّسين وهم لهم أكبر نسبة في المجتمع والموظفين الحكوميين والعمال والمثقفين، والأميين، والفقراء، والأغنياء.
التقت مجموعة العمل بوسام الذي تعرض والده لمرض مفاجئ ألزمه الفراش بعد النزوح من مخيمهم وسكونهم لخيمة، قال لنا وسام " والدي كان رجلا معتدّا بنفسه، مهتما بأناقته ومظهره كثيرا أمام الناس، فقد كان يعمل مدير مدرسة ابتدائية، ونحن أبناء عشيرة فلسطينية معروفة، وفي المناسبات والأعياد كان يزورنا الكثير من الضيوف، بسبب علاقات والدي المتشعبة في المجتمع الفلسطيني والسوري لم يحتمل والدي ما حصل لنا، وكيف اضطررنا للعيش في خيمة، لقد كنا نعلم أنها فترة مؤقتة، لكنها أصابت والدي بفالج " شلل نصفي" بسبب الحزن والقهر والانكسار".
وفي جانب آخر، التقت مجموعة العمل بالسيدة أم صالح، قالت لنا أم صالح أنها لم تكن تتوقع أن تخسر والدتها بهذه السرعة، كونها لم تكن قد وصلت لعمر الستين بعد وصحتها كانت جيدة جدا ولا تشتكي من أي أمراض، بعد النزوح من المخيم، سكنت عائلتها في شقة على العظم في بناء مهجور، كانت والدتها كثيرة الصمت والبكاء، لأن أحد أشقائها تم اعتقاله بشكل تعسفي وبلا مبرر، كانت والدتها تقول لها " ضربتين عالراس بوجعن يما، ويلي أخوكي يلي ما منعرف عنه شي وويلي هالعيشة العايشينها بخرابة، الكلاب ما بتعيشها".
وبعد أقل من شهرين على هذه الحادثة، فقدت والدتها حياتها، قهرا، وأسفا وحزنا وظلما.
هناك الكثير من الحوادث التي تكسر القلب وتذهب بعقل اللبيب لكن اكتفينا ببعضها، لتسليط الضوء على معاناة شعبنا الصامد، وما حلّ وحصل معه من أحزان ومتاعب ومصائب وكوارث.
فايز أبوعيد || مجموعة العمل
من عبق سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنّه أرسل جنده إلى طي، بقيادة على بن أبى طالب رضي الله عنه، ففزع زعيمهم عدي بن حاتم الطائي، وهرب إلى الشام، وكان حينها من أشد الناس عداوة لرسول الله، وأخذ الجند الغنائم والخيل والنساء، وأسروهم، وعادوا بهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكان من بين الأسرى سفانة بنت حاتم الطائي، والتي وقفت بين يدي الرسول وقالت: يا محمد لقد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بسيد أحياء العرب.
فأنا أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويطعم الطعام، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ويعين الناس على نوائب الدهر، وما أتاه أحد، ورده خائبًا قط، أنا بنت حاتم الطائي.
فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: والله هذه أخلاق المسلمين، لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه، وقال اتركوها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وفك أسرها هي، ومن معها، إكرامًا لخصال أبيها، وقال صلّى الله عليه وسلم: (ارحموا عزيزًا ذل، وغنيا افتقر، وعالم ضاع بين جهال).
بسبب القصف المتبادل بين طرفي الصراع والحرب المستعرة في سوريا، حرب لا تبقي ولا تذر وتحيل الأحياء لأكوام من الدمار والخراب كما يجري اليوم في قطاع غزّة الحبيب، أجبرت الكثير من العائلات الفلسطينية على ترك منازلها.
فلو قمنا بنظرة خاطفة على المخيمات لوجدنا بكل سلاسة الكثير من المخيمات التي تم تفريغها بشكل فعلي على أرض الواقع، كمخيم حندرات في حلب ومخيم العائدين في درعا ومخيم اليرموك في دمشق.
نعم لقد عادت بعض العائلات لتلك المخيمات حينما وضعت الحرب أوزارها، لكن هناك قسم كبير منهم لم يتمكن من العودة بسبب الدمار الكلي أو الجزئي في منزله، أو حتى بسبب التعفيش والسرقة والنهب للمنازل من قبل طرفي الصراع.
ولهذا السبب اضطرت العديد من العائلات الفلسطينية ممن لا يملكون القدرة المادية لاستئجار منزل ما للعيش والسكن في بنايات ومنازل على العظم لم يكتمل بناؤها بعد.
أي وبتبسيط أكثر، الجدران بدون طينة أو دهان فقط من البلوك، لا يوجد شبابيك ولا أبواب والأرضية بلا بلاط، والبعض منها بدون منافع، أي بدون تواليت وبدون أن يكون ممدد لها الكهرباء أو الماء، وكما يقول البعض " جدران لتستر علينا بس ".
طبعا وهذه الأبنية هي تعج بالقوارض والحشرات الزاحفة، كالجرذان والعقارب والأفاعي والبعوض و و و ومن الحيوانات والحشرات المؤذية. وتعجّ أيضا بالقاذورات والأوساخ والقمامة، فهي بنايات مهجورة يقطن فيها الكلاب والضباع والقطط الشاردة.
إن الانتقال من منزل مخدّم ويحتوي على كل وسائل الراحة والرفاهية إلى بيت على العظم أو بناية مهجورة أو إلى خيمة، أصاب الكثير من الفلسطينيين بالصدمة وأدى للعديد من الاضطرابات والأمراض والمشاكل النفسية لهم والتي أدت لوفاتهم أو إصابتهم بمرض دائم.
فهذا الذل والهوان الذي عايشه الفلسطيني خلال الحرب السورية، هو أمر لا يحتمله كبار النفوس وكرام الناس، فالانتقال من بيت مشيّد أفضل تشييد إلى خرابة بكل ما تعنيه كلمة خرابة من معنى، وهذا النزوح القسري شمل كل فئات المجتمع الفلسطيني في المخيمات.
فالجميع أجبر على النزوح، وكل طبقات المجتمع الفلسطيني، الأطباء والمهندسين والمدرّسين وهم لهم أكبر نسبة في المجتمع والموظفين الحكوميين والعمال والمثقفين، والأميين، والفقراء، والأغنياء.
التقت مجموعة العمل بوسام الذي تعرض والده لمرض مفاجئ ألزمه الفراش بعد النزوح من مخيمهم وسكونهم لخيمة، قال لنا وسام " والدي كان رجلا معتدّا بنفسه، مهتما بأناقته ومظهره كثيرا أمام الناس، فقد كان يعمل مدير مدرسة ابتدائية، ونحن أبناء عشيرة فلسطينية معروفة، وفي المناسبات والأعياد كان يزورنا الكثير من الضيوف، بسبب علاقات والدي المتشعبة في المجتمع الفلسطيني والسوري لم يحتمل والدي ما حصل لنا، وكيف اضطررنا للعيش في خيمة، لقد كنا نعلم أنها فترة مؤقتة، لكنها أصابت والدي بفالج " شلل نصفي" بسبب الحزن والقهر والانكسار".
وفي جانب آخر، التقت مجموعة العمل بالسيدة أم صالح، قالت لنا أم صالح أنها لم تكن تتوقع أن تخسر والدتها بهذه السرعة، كونها لم تكن قد وصلت لعمر الستين بعد وصحتها كانت جيدة جدا ولا تشتكي من أي أمراض، بعد النزوح من المخيم، سكنت عائلتها في شقة على العظم في بناء مهجور، كانت والدتها كثيرة الصمت والبكاء، لأن أحد أشقائها تم اعتقاله بشكل تعسفي وبلا مبرر، كانت والدتها تقول لها " ضربتين عالراس بوجعن يما، ويلي أخوكي يلي ما منعرف عنه شي وويلي هالعيشة العايشينها بخرابة، الكلاب ما بتعيشها".
وبعد أقل من شهرين على هذه الحادثة، فقدت والدتها حياتها، قهرا، وأسفا وحزنا وظلما.
هناك الكثير من الحوادث التي تكسر القلب وتذهب بعقل اللبيب لكن اكتفينا ببعضها، لتسليط الضوء على معاناة شعبنا الصامد، وما حلّ وحصل معه من أحزان ومتاعب ومصائب وكوارث.