فايز أبو عيد | مجموعة العمل
" أتمنى أن نقفز من شهر آب إلى شهر تشرين الأوّل، دون المرور بشهر أيلول" هكذا يعبر أبو صلاح – أحد اللاجئين الفلسطينيين في سورية – عن سخطه من شهر أيلول، كما يقول ساخراً " أيلول شهر المدارس والمكدوس ومن وين بدك تجيب فلوس يا منحوس ". أو يدندن " عندك مدارس وعندك مكدوس، حرك حالك بشوية فلوس يا متعوس".
أبو صلاح وهو اسم مستعار، هو موظف حكومي متقاعد، دمّر جزء من منزله بسبب الحرب، وبات غير قابل للسكن وغير مؤهل للحياة والعيش فيه، فانتقل للسكن في منزل أخيه في ذات المخيم، أخوه الذي هاجر مع زوجته وأولاده ولم يظل منهم أحد في سوريا.
تعمل زوجته أم صلاح في الخياطة النسائية، فهي تلقّط رزقها كما يقول، ويعمل ابنه الثاني في عصرونية بأجرة اسبوعية وهي خمسين ألف ليرة سورية، بالكاد تكفيه مصروف جيبه، وابنه البكر يعيش في مخيمات لبنان بعدما ذاق الأمرّين في سوريا.
التقت مجموعة العمل أبو صلاح وزوجته، بعدما شدد العزيمة على كاسة شاي مع ميرمية، وعادا بنا بالذاكرة إلى حالهم قبل الأزمة الطاحنة في سوريا، والتي جعلت غالبية الناس يستذكرون أيامهم وكأنها حلم جميل انتهى ولن يعود.
كان أبو صلاح وأم صلاح وصلاح وصالح أسرة واحدة مكونة من أربعة أفراد، وكانت والدتهم تموّن خمسين كيلو غراما مكدوس لهم، وفي المقابل كان شقيقه يموّن أكثر من ذلك بكثير، شقيقه الذي هاجر إلى أوروبا ومنحه شقته ليعيش فيها، كي لا تُسرق أو تنهب أو تعفّش، بعدما قام الأمن بحرقها أثناء إحدى جولاته التفتيشية الاقتحامية والانتقامية كما يصفها صالح، العم أبو محمّد وهو رب أسرة مكونة من سبع أفراد، هو وزوجته وشابين وخمس صبايا، سافرت كل العائلة بعد اندلاع الحرب في سوريا بعامين فقط.
واليوم، سعر كيلو الغرام من الباذنجان يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، وسعر كيلو الغرام الفليفلة الحمراء يتراوح بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف، وسعر ليتر الزيت الواحد يتراوح بين 26 ألف و30 ألفا. وقد استغنى غالبية الناس عن حشو الجوز واستبدلوه بالفستق لأنه أرخص ثمنا، أو يقوم البعض بعدم وضع أي نوع من الحشوة سوى الفليفلة والثوم الذي ارتفع ثمنه مؤخرا في موسم المكدوس وأصبح سعر الكيلو بين 15 ألف ليرة سورية و20 ألف ليرة سورية.
لكن الطامة الكبرى والمعضلة المستعصية تقع في توفير الغاز، فسعر أسطوانة الغاز التي تباع بالسوق السوداء أكثر من ثلاثمئة ألف ليرة سورية وهي تعادل الراتب التقاعدي لأبو صلاح، بعدما أمضى اثنان وثلاثين عاما في خدمة الدولة، وراتبه التقاعدي لا يكاد يبلغ 25 دولارا فقط لا غير.
ومن جانب آخر، التقت مجموعة العمل، بالسيّد أبو جمال( وهو اسم مستعار) وهو من مخيم آخر، أبو جمال أمضى عمره في الفصائل الفلسطينية، وهو ينتسب لفصيل يساري وأمضى عمره في خدمته، يحصل على راتب وقدرة مائة دولار، ولا تعمل زوجته أي عمل فهي ربة منزل، الرفيق أبو جمال كما يحب أن نخاطبه، ربّ أسرة مكونة من خمسة أشخاص، كانت زوجته قبل الأزمة تموّن مائة كيلو مكدوس، يقول أبو جمال بصوتٍ مرتفع ( كانت تمون مية كيلو يا رفيق، ومش متذكر أديش كانت تكلف كل الشغلة يمكن أربعة آلاف وستمئة ليرة، أكثر شوي يمكن ..أقل شوي يمكن ..مش متذكر لأنه عمري ما حسبت أديش بتكلف، كان كلشي رخيص، سقا الله.
المبلغ الذي ذكره الرفيق أبو جمال، كان يعادل مائة دولار حينها، فهل يكفي ذات المبلغ لتموّين ذات الكمية في وقتنا الحالي؟؟!!
منذ أكثر من أربع سنوات لا يموّن الرفيق أبو جمال سوى عشرة كيلو مكدوس، بسبب سوء أحواله الاقتصادية، وانهيار سعر صرف الليرة السورية، في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة الاقتصادية صعوبة، تعلن الأونروا عن مساعدات مالية بالكاد يبلغ للفرد 300 ألف ليرة سورية. عجبي!
فايز أبو عيد | مجموعة العمل
" أتمنى أن نقفز من شهر آب إلى شهر تشرين الأوّل، دون المرور بشهر أيلول" هكذا يعبر أبو صلاح – أحد اللاجئين الفلسطينيين في سورية – عن سخطه من شهر أيلول، كما يقول ساخراً " أيلول شهر المدارس والمكدوس ومن وين بدك تجيب فلوس يا منحوس ". أو يدندن " عندك مدارس وعندك مكدوس، حرك حالك بشوية فلوس يا متعوس".
أبو صلاح وهو اسم مستعار، هو موظف حكومي متقاعد، دمّر جزء من منزله بسبب الحرب، وبات غير قابل للسكن وغير مؤهل للحياة والعيش فيه، فانتقل للسكن في منزل أخيه في ذات المخيم، أخوه الذي هاجر مع زوجته وأولاده ولم يظل منهم أحد في سوريا.
تعمل زوجته أم صلاح في الخياطة النسائية، فهي تلقّط رزقها كما يقول، ويعمل ابنه الثاني في عصرونية بأجرة اسبوعية وهي خمسين ألف ليرة سورية، بالكاد تكفيه مصروف جيبه، وابنه البكر يعيش في مخيمات لبنان بعدما ذاق الأمرّين في سوريا.
التقت مجموعة العمل أبو صلاح وزوجته، بعدما شدد العزيمة على كاسة شاي مع ميرمية، وعادا بنا بالذاكرة إلى حالهم قبل الأزمة الطاحنة في سوريا، والتي جعلت غالبية الناس يستذكرون أيامهم وكأنها حلم جميل انتهى ولن يعود.
كان أبو صلاح وأم صلاح وصلاح وصالح أسرة واحدة مكونة من أربعة أفراد، وكانت والدتهم تموّن خمسين كيلو غراما مكدوس لهم، وفي المقابل كان شقيقه يموّن أكثر من ذلك بكثير، شقيقه الذي هاجر إلى أوروبا ومنحه شقته ليعيش فيها، كي لا تُسرق أو تنهب أو تعفّش، بعدما قام الأمن بحرقها أثناء إحدى جولاته التفتيشية الاقتحامية والانتقامية كما يصفها صالح، العم أبو محمّد وهو رب أسرة مكونة من سبع أفراد، هو وزوجته وشابين وخمس صبايا، سافرت كل العائلة بعد اندلاع الحرب في سوريا بعامين فقط.
واليوم، سعر كيلو الغرام من الباذنجان يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، وسعر كيلو الغرام الفليفلة الحمراء يتراوح بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف، وسعر ليتر الزيت الواحد يتراوح بين 26 ألف و30 ألفا. وقد استغنى غالبية الناس عن حشو الجوز واستبدلوه بالفستق لأنه أرخص ثمنا، أو يقوم البعض بعدم وضع أي نوع من الحشوة سوى الفليفلة والثوم الذي ارتفع ثمنه مؤخرا في موسم المكدوس وأصبح سعر الكيلو بين 15 ألف ليرة سورية و20 ألف ليرة سورية.
لكن الطامة الكبرى والمعضلة المستعصية تقع في توفير الغاز، فسعر أسطوانة الغاز التي تباع بالسوق السوداء أكثر من ثلاثمئة ألف ليرة سورية وهي تعادل الراتب التقاعدي لأبو صلاح، بعدما أمضى اثنان وثلاثين عاما في خدمة الدولة، وراتبه التقاعدي لا يكاد يبلغ 25 دولارا فقط لا غير.
ومن جانب آخر، التقت مجموعة العمل، بالسيّد أبو جمال( وهو اسم مستعار) وهو من مخيم آخر، أبو جمال أمضى عمره في الفصائل الفلسطينية، وهو ينتسب لفصيل يساري وأمضى عمره في خدمته، يحصل على راتب وقدرة مائة دولار، ولا تعمل زوجته أي عمل فهي ربة منزل، الرفيق أبو جمال كما يحب أن نخاطبه، ربّ أسرة مكونة من خمسة أشخاص، كانت زوجته قبل الأزمة تموّن مائة كيلو مكدوس، يقول أبو جمال بصوتٍ مرتفع ( كانت تمون مية كيلو يا رفيق، ومش متذكر أديش كانت تكلف كل الشغلة يمكن أربعة آلاف وستمئة ليرة، أكثر شوي يمكن ..أقل شوي يمكن ..مش متذكر لأنه عمري ما حسبت أديش بتكلف، كان كلشي رخيص، سقا الله.
المبلغ الذي ذكره الرفيق أبو جمال، كان يعادل مائة دولار حينها، فهل يكفي ذات المبلغ لتموّين ذات الكمية في وقتنا الحالي؟؟!!
منذ أكثر من أربع سنوات لا يموّن الرفيق أبو جمال سوى عشرة كيلو مكدوس، بسبب سوء أحواله الاقتصادية، وانهيار سعر صرف الليرة السورية، في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة الاقتصادية صعوبة، تعلن الأونروا عن مساعدات مالية بالكاد يبلغ للفرد 300 ألف ليرة سورية. عجبي!