فايز أبو عيد || مجموعة العمل
لكل شابة وشاب حلمهم الخاص، ولعل مرحلة الدراسة الجامعية من أجمل أيام العمر، كما عشناها وكما وصفها لنا آبائنا وأمهاتنا من، وعند التخرج من الجامعة يصبح الشّاب وجها لوجه مع الواقع المرّ.
رحيق (اسم مستعار) خريجة هندسة ميكانيكية، دفعت رحيق الغالي والرخيص وفعلت المستحيل لتنهي دراستها الجامعية، مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف السفر للجامعة في دمشق بشكل أسبوعي، والتعب والعناء وسهر الليالي الطويل، وتحميل عائلتها فوق طاقتها لتغطية مصاريف الجامعة، من شراء كراسات المحاضرات الجامعية وتصويرها وتكلفة إقامتها في شقة مستأجرة في صحنايا مع أربع زميلات جامعيات لها من ذات المحافظة التي يقع فيها مخيمها.
كانت تتقاسم رحيق مع زميلاتها وهن رشا (هندسة ميكانيكية) ورنا (هندسة معمارية)، ورهام (هندسة اتصالات)، وهنّ (مهندسات مملكة الرّاء) كما كن يلقبّن مجموعتهن، كن يتقاسمن إيجار الشقة، ونفقات الطعام والشراب، وثمن البطارية وتوصيلات اللدات لانقطاع الكهرباء بشكل دائم، أربع ساعات ونصف قطع مقابل ساعة ونصف وصل.
عشن حياة مشتركة وألم وتعب وكفاح وأمل وطموح مشترك، تقاسمن كسرة الخبز حسب تعبيرها، فهي كانت تحضر المكدوس من مونة العائلة، وزميلتها تحضر الزيتون من مونة عائلتها، وأخرى تحضر اللبنة وأخرى الشنكليش وأخرى الزعتر.
وقد مرّت أسابيع عليهن وهن فقط يتناولن هذه (الحواضر) وهن يقاسين البعد عن الأهل وشظف العيش، كل ذلك في سبيل حصولهن على الشهادة الجامعية والتخرج بعلامات مميزة.
أخبرتني رحيق أنها وزميلاتها كنّ كمن يحفر الصخر بيديه العارية، ولكن بفضل الله وتوفيقه، تخرجت رحيق وصديقاتها الثلاث من الجامعة بعد لأيٍ شديد وجهدٍ جهيد.
بعد تخرجها، لم تجد لا رحيق ولا أي واحدة من زميلاتها المهندسات أي عمل يناسب اختصاصها الجامعي، فعملت مع زميلتها رشا في مطبعة ورقية، يبدأ عملهن من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، ثماني ساعات متواصلة كانت تمضيها رحيق ورشا في عملٍ مضني ليس له أي علاقة لا من قريب أو من بعيد لما درستاه في الجامعة، كانت رحيق ترتب الأوراق التي تتم طباعتها لتعطيها لزميلتها المهندسة رشا، ورشا تقوم بتنضيد الأوراق ووضع مغلف لها وتجليدها.
وخلال ساعات العمل المرهقة، كانت رحيق تتندر على حالهما ورشا تسخر من عملهما المناط بهما وكانت تصفه بأنه عمل منفصل عن الواقع، وعملنا بوادي وشهادتنا بوادي آخر، وهذه الآخرة يا فاخرة، والكثير من الجمل المضحكة المبكية في آنٍ معا.
أمّا بخصوص الأجر فكان 200 ألف ليرة أسبوعياً، أي أنّه أقل من 50 دولاراً شهرياً.
وفي جانب آخر، عملت كل من رنا ورهام في متجر (مول) لبيع الملابس، كانت المهندسة رنا مسؤولة عن مبيعات قسم ثياب الأطفال، وزميلتها رهام مسؤولة عن مبيعات قسم ثياب الصبايا، وبخصوص الأجر فكان 250 ألف ليرة أسبوعياً، أي ما يعادل 57 دولاراً شهرياً.
ولكن قبل تجربة العمل في المطبعة الورقية والمول، قامت (مهندسات مملكة الرّاء) بمحاولة بائسة للعمل في مجال التعليم في المدارس الحكومية، ولكن لم تستمر هذه التجربة لفترة طويلة، لسببين رئيسيين، الأوّل البخس الواضح في أجر التدريس، وحسب المرسوم الرئاسي فإن حملة شهادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس: يمنحون أجراً مقداره 3600 ليرة للساعة الواحدة. حملة شهادة أحد المعاهد المتوسطة والتقانة: يمنحون أجراً بقيمة 3425 ليرة للساعة الدرسية الواحدة. حملة الشهادة الثانوية: يمنحون مبلغ 3350 ليرة لقاء الساعة الدرسية الواحدة.
وبما أنّ رحيق وزميلاتها من حملة شهادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس، كانت تحصل على مبلغ 3600 ليرة سورية فقط، أي أنّ كل أربع حصص تدريسية كان المقابل هو دولار واحد.
والسبب الثاني هو وقاحة الطلاب غير المسبوقة وشغبهم الفائض، وفقدان المعلم لاحترامه داخل القاعة الصّفية، وعدم مبالاة غالبية أهالي الطلاب بدراسة أبنائهم أو بسلوكهم داخل المدرسة.
أمّا اليوم، فما يجمع (مهندسات مملكة الرّاء) ليس البؤس أو اليأس والقنوط والتعب فقط، بل حلم وحيد هو أن يهاجرن إلى أوروبا.
فايز أبو عيد || مجموعة العمل
لكل شابة وشاب حلمهم الخاص، ولعل مرحلة الدراسة الجامعية من أجمل أيام العمر، كما عشناها وكما وصفها لنا آبائنا وأمهاتنا من، وعند التخرج من الجامعة يصبح الشّاب وجها لوجه مع الواقع المرّ.
رحيق (اسم مستعار) خريجة هندسة ميكانيكية، دفعت رحيق الغالي والرخيص وفعلت المستحيل لتنهي دراستها الجامعية، مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف السفر للجامعة في دمشق بشكل أسبوعي، والتعب والعناء وسهر الليالي الطويل، وتحميل عائلتها فوق طاقتها لتغطية مصاريف الجامعة، من شراء كراسات المحاضرات الجامعية وتصويرها وتكلفة إقامتها في شقة مستأجرة في صحنايا مع أربع زميلات جامعيات لها من ذات المحافظة التي يقع فيها مخيمها.
كانت تتقاسم رحيق مع زميلاتها وهن رشا (هندسة ميكانيكية) ورنا (هندسة معمارية)، ورهام (هندسة اتصالات)، وهنّ (مهندسات مملكة الرّاء) كما كن يلقبّن مجموعتهن، كن يتقاسمن إيجار الشقة، ونفقات الطعام والشراب، وثمن البطارية وتوصيلات اللدات لانقطاع الكهرباء بشكل دائم، أربع ساعات ونصف قطع مقابل ساعة ونصف وصل.
عشن حياة مشتركة وألم وتعب وكفاح وأمل وطموح مشترك، تقاسمن كسرة الخبز حسب تعبيرها، فهي كانت تحضر المكدوس من مونة العائلة، وزميلتها تحضر الزيتون من مونة عائلتها، وأخرى تحضر اللبنة وأخرى الشنكليش وأخرى الزعتر.
وقد مرّت أسابيع عليهن وهن فقط يتناولن هذه (الحواضر) وهن يقاسين البعد عن الأهل وشظف العيش، كل ذلك في سبيل حصولهن على الشهادة الجامعية والتخرج بعلامات مميزة.
أخبرتني رحيق أنها وزميلاتها كنّ كمن يحفر الصخر بيديه العارية، ولكن بفضل الله وتوفيقه، تخرجت رحيق وصديقاتها الثلاث من الجامعة بعد لأيٍ شديد وجهدٍ جهيد.
بعد تخرجها، لم تجد لا رحيق ولا أي واحدة من زميلاتها المهندسات أي عمل يناسب اختصاصها الجامعي، فعملت مع زميلتها رشا في مطبعة ورقية، يبدأ عملهن من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، ثماني ساعات متواصلة كانت تمضيها رحيق ورشا في عملٍ مضني ليس له أي علاقة لا من قريب أو من بعيد لما درستاه في الجامعة، كانت رحيق ترتب الأوراق التي تتم طباعتها لتعطيها لزميلتها المهندسة رشا، ورشا تقوم بتنضيد الأوراق ووضع مغلف لها وتجليدها.
وخلال ساعات العمل المرهقة، كانت رحيق تتندر على حالهما ورشا تسخر من عملهما المناط بهما وكانت تصفه بأنه عمل منفصل عن الواقع، وعملنا بوادي وشهادتنا بوادي آخر، وهذه الآخرة يا فاخرة، والكثير من الجمل المضحكة المبكية في آنٍ معا.
أمّا بخصوص الأجر فكان 200 ألف ليرة أسبوعياً، أي أنّه أقل من 50 دولاراً شهرياً.
وفي جانب آخر، عملت كل من رنا ورهام في متجر (مول) لبيع الملابس، كانت المهندسة رنا مسؤولة عن مبيعات قسم ثياب الأطفال، وزميلتها رهام مسؤولة عن مبيعات قسم ثياب الصبايا، وبخصوص الأجر فكان 250 ألف ليرة أسبوعياً، أي ما يعادل 57 دولاراً شهرياً.
ولكن قبل تجربة العمل في المطبعة الورقية والمول، قامت (مهندسات مملكة الرّاء) بمحاولة بائسة للعمل في مجال التعليم في المدارس الحكومية، ولكن لم تستمر هذه التجربة لفترة طويلة، لسببين رئيسيين، الأوّل البخس الواضح في أجر التدريس، وحسب المرسوم الرئاسي فإن حملة شهادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس: يمنحون أجراً مقداره 3600 ليرة للساعة الواحدة. حملة شهادة أحد المعاهد المتوسطة والتقانة: يمنحون أجراً بقيمة 3425 ليرة للساعة الدرسية الواحدة. حملة الشهادة الثانوية: يمنحون مبلغ 3350 ليرة لقاء الساعة الدرسية الواحدة.
وبما أنّ رحيق وزميلاتها من حملة شهادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس، كانت تحصل على مبلغ 3600 ليرة سورية فقط، أي أنّ كل أربع حصص تدريسية كان المقابل هو دولار واحد.
والسبب الثاني هو وقاحة الطلاب غير المسبوقة وشغبهم الفائض، وفقدان المعلم لاحترامه داخل القاعة الصّفية، وعدم مبالاة غالبية أهالي الطلاب بدراسة أبنائهم أو بسلوكهم داخل المدرسة.
أمّا اليوم، فما يجمع (مهندسات مملكة الرّاء) ليس البؤس أو اليأس والقنوط والتعب فقط، بل حلم وحيد هو أن يهاجرن إلى أوروبا.