فايز أبو عيد | مجموعة العمل
في قرية صغيرة بمحافظة درعا، يحمل الفلسطينيون قصة صمود استثنائية تمتد عبر عقود من التهجير والمعاناة، المزيرعة - هي بقعة جغرافية لا تتجاوز 3 دونمات - تروي حكاية شعب عانى من الاقتلاع والتشرد مرات متعددة.
تأسست القرية عام 1967 بعد نكسة حزيران، حيث شكّلت تجمّعاً لما عُرف فيما بعد بنازحي الجولان، وهم من العرب (البدو)، شاركتهم هذا التجمّعَ بعضُ العائلاتِ الفلسطينيّة التي لجأت بعد النكبة إلى الجولان السوري لتعاودَ مرّةً أخرى رحلةَ النزوحِ بعد نكسةِ حزيران سنة 1967، ويستقرَّ بها الحال في بقعةٍ صغيرةٍ من محافظة درعا، مشكّلةً ما صار يُدعى اليوم بقرية المزيرعة، ونستطيعُ من اسْمها إدراكَ مدى صغرِ البقعةِ التي يقطنُها الفلسطينيّون، إذ لا تكادُ تتجاوزُ بضعةَ بيوت، كانت بالأمس مبنيةً من الطّين واللِّبِن.
تقعُ قريةُ المزيرعة في الرّيف الغربيّ من محافظة درعا، وهي تجاور بلدات جلّين وعدوان وطفس، تحيط بها الأراضي الزراعية من الجهات الأربعة في بقعة لا تتجاوز 3دونمات، وهذه الأرض تعتبر بلا سند تسجيل أرض (طابو)، وهي تتبعُ بلدية الجولان، فيما يُعتبر الفلسطينيون المسجّلون في سجّلات محافظة القنيطرة لاجئين ونازحين في آن واحد، فقد لجأوا بعد النّكبة إلى محافظة الجولان التي نزحوا عنها من جديد بعد العام 1967 إلى منطقة دمشق ومحافظة درعا جنوب سوريا.
يبلغ عدد سكان القرية قرابة (500) شخص، أما الفلسطينيين القاطنين فيها فيقدر تعدادهم بحوالي (80) شخصاً موزعين على 13 أُسرةً تنتمي لعائلة " الابراهيم"، تنتمي هذه العائلات الفلسطينية إلى قرى ومدن شمال فلسطين، كما تتواجدُ في القرية أسرٌ فلسطينيّةٌ قادمةٌ من دمشق استوطنت هذه القرية منذ سنة 2011، بالإضافة إلى الفلسطينيات اللواتي تزوجن من سوريين يقطنون هذه القرية
الوضع التّعليمي في قرية المزيرعة
يكافح الطلاب الفلسطينيون من أجل حقهم في التعليم في قرية المزيرعة، فالمدرسةٌ الحكوميّةٌ الوحيدة التي يتمُّ إدارتُها من قبل وزارةِ التّربيةِ السّوريّةِ تُدعى مدرسة المزيرعة للتّعليم الأساسيّ بنظام الشّعبة الواحدة، لا يكاد يتجاوز عدد طلّاب الشّعبة عشرة طلاب، وهذه تمثّل إيجابيّةً للطلّاب مقارنةً بمثيلاتها من المدارس الأخرى التي تشهد صفوفُها اكتظاظاً بالطّلّاب، ممّا يسبّب مشكلةً للطّالب والمعلِّم في آنٍ معاً، في حين يتّجهُ الطّلابُ الفلسطينيّون في قرية المزيرعة إلى المدارس في التّجمّعات المجاورةِ من أجل إكمالِ إحدى مراحلِ التّعليمِ غيرِ المتوفّرةِ في قريتهم، وخاصةً مرحلةِ التّعليمِ الثّانويِّ، من هذه المدارس: مدرسةُ جلّين الثّانويّة في بلدة جلّين ، والّتي تبعدُ حوالي 5 كم عن القرية، ومدرسة: عسقلان وهي إعدادية مختلط ذكور وإناث، ومدرسة: عرابة ابتدائية مختلط ذكور وإناث وكلاهما مدرسةٌ واحدةٌ بدوامين مختلفين، والتي تبعد حوالي 6 كم عن القرية.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ موقع القرية يمثّل مشكلةً بحدّ ذاتِها، إذ إنّ القريةَ تبعدُ عن الطّريق الرّئيسيّ 3 كيلو مترات، لذا يضطرُّ الطّلبةُ الفلسطينيون للسّير على الأقدام والخروج منذ الصّباح الباكر، كما يضطرّون أحياناً لإكمال المسافةِ ذاتِها إلى جلّين، وهذا ما ينفّرُ الطلّابَ الفلسطينيّن في مرحلة التّعليمِ الأساسيّ من الدّراسة في مدارسِ الوكالةِ، ويمنعُ ذويهم من إرسالهم هناك، رغم ما تمثّله مدارسُ الوكالةِ من أفضليةٍ لهم، في ظلّ ضعفِ أداءِ المدارسِ الحكوميّةِ، ولعلّه نفسُ السّبب الذي جعل معظمَ المعلّمين ينفرون من التّدريس في مدرسة القريةِ التّعليميّة النّائيةِ، كما أدّى لنقصٍ في الكوادر التّعليميّةِ لينعكسَ بصورةٍ سلبيّةٍ على الطّلّاب، إذ اشتكى عددٌ من ذوي الطلبة الفلسطينيّن من ضعف أبنائهم، ولاسيّما اللغاتِ مُرجعين السّببَ لعدم وجودِ معلّمين أو بسببِ الغياباتِ المتكررة أو التنقّلات الكثيرة للمعلمين بحكم بُعد المدرسة التي تضطرُّ معظم المعلمين لتكلّف مشقّة السّيرِ والخروج باكراً، ولهذا رأينا درجاتِ الكثيرين في الشّهادة الإعداديّة متدنّيةً على عكس زملائِهم ممَن يدرسون في مدارس الأونروا، والتي جاءت مرتفعةً، وقد حدّثنا (س.ب 35 عاما) عن رفضه تدريسَ أبنائِه الصّغارِ في مدارس الوكالة لأسبابٍ عدّة منها بُعدها، كما أكّد على أنّ طريقَ المزيرعة شهدَ مرّاتٍ عدّةً العثورَ على جُثثٍ لأشخاص تمّ اغتيالُهم وإلقاؤُهم على جانبيّ الطّريق المؤدّي إلى المزيرعة، ما شكّل دافعاً لديه لرفضه فكرةَ إرسالِ أبنائِه للدّراسةِ في مدارس الوكالة .
يقدّرُ عددُ الطّلّاب الفلسطينيين في مرحلتيّ التّعليمِ الابتدائيّةِ والإعداديّةِ بحوالي (25) طالباً وطالبةً، وهي نسبةٌ قليلةٌ، والسّببُ وراء ذلك هجرةُ الشّبابِ الفلسطينيّ، وتفضيلُ الكثيرين الخروجَ من القرية والسّكن في مناطقَ أخرى، باعتبار أنّ القريةَ تفتقرُ لأبسطِ مقوّمات الحياةِ، ولاسيّما بَعدَ أنْ تحوّلتِ القريةُ لميدانٍ للحرب والصّراعِ ممّا ساهم بتهجير أهاليها واستقرارِ كثيرٍ من الفلسطينيين، إمّا في مخيم جلّين أو المزيريب أو مدينة درعا، فقد عرفت المزيرعة تخريجَ طبيبين من أسرةٍ فلسطينيةٍ واحدةٍ إلا أنهما اضطرّا لتركِ المزيرعة طلباً لواقعٍ أفضل .
الوضع الصحي
تعاني قريةُ المزيرعة من قلّة المرافقِ الصّحيّة، حيث لا يوجد في القرية أيّةُ مراكزَ صحيّةٍ حكوميّةٍ، كما لا يوجد بها عيادةُ طبيب، ولعلّ بُعد المسافة بين القرية والمراكز الصّحيّة الموجودةِ في التّجمّعات المجاورة من أبرزِ المشاكل الّتي تواجه القريةَ، وفي حالة الطوارئ يتوجّه المرضى للعلاج في المرافق الصّحيّة الموجودة في بلدة جلّين القريبة منها أو مدينة طفس حيث يتواجدُ فيها مستشفى طفس الحكوميّ الّذي يعاني من نقص الخدمات والكوادر الطّبيّة ممّا يضطّرُّ الفلسطينيين للمضيّ إلى المستشفى الوطنيّ بدرعا، والّذي يبعد قرابة 23 كيلو متر، أو التوجّه إلى بلدة المزيريب حيث تتواجدُ عيادةٌ صحيّةٌ تابعةٌ لوكالة غوثِ وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، وتعاني القرية من عدم وجودِ صرفٍ صحّيٍّ داخلَ القريةِ والاعتمادِ فقط على الحفرِ الصّحيّة التي تتسرّب منها مياهُ الصّرفِ الصّحيّ منها لأسفل المنازلِ في أحيان كثيرة، مما أدّى لظهور التّصدّعات والتّشققات فى كثير منها فضلا عن تسربها إلى مياه الشرب.
وقد ذكر (م. ر 50سنة) أنّ عدمَ وجودِ صرفٍ صحّيٍّ في القرية يؤدّي الى مشاكلَ تسرّبِ المياهِ من الحفر الصّحّيّة، ويجعل البيئةَ أكثرَ تلوّثاً، وغالباً ما تحدث خلافاتٌ بين المواطنين على خلفية تسرّب المياه الجوفيّةِ من حفر البعض الى أراضي البعضِ الآخرِ
مؤكّداً على أنّ عدمَ وجودِ صرفٍ صحيّ في المنطقة يؤدّي أيضاً الى تلوّث المياهِ الجوفيّةِ ممّا يُعرّض الأهالي إلى أمراضٍ خطيرةٍ ناتجةٍ عن استعمال هذه المياه للشّرب والاستعمال المنزليّ .
الوضع الاقتصادي والمعيشي:
قرية المزيرعة قريةٌ صغيرةٌ لا يمتلك سكّانها أراضي زراعيّةً، إذ إنّ حصّةَ الأسرةِ الواحدةِ لا تتجاوزُ بضعة أمتارٍ قليلةٍ، لذلك يضطرون للعمل إما بضمان الأراضي أو بالعمل بورشات زراعيّة، وهناك قسمٌ يعمل في مركز البحوث الزراعية الموجودة في القرية أو في الشركة الليبية للأبقار المجاورة للقرية، فيما يعمل الباقون بمؤسسات الدولة، وربما عدد العاملين في مؤسسات الدولة من فلسطينيّ القرية ليس بالكثير، فهناك مَن يعمل في مؤسّسة الكهرباء وآخرُ يعملُ مُعلّماً، في ظل البطالة المتفشية التي ساهمت في تردي وضع الفلسطينين في القرية، وقلة الدعم الذي يتلقاه اللاجئون، ليقتصر على الدعم المالي الذي تقدمه الأونروا للاجئين الفلسطينين، بالإضافة لسلّة غذائية في كلّ عام مرّة واحدة، لا تغني ولا تُسمن من جوع .
ويعاني الفلسطينيون في القرية من عزلة عمَّن حولهم بحكم بُعد القرية عن الطرق الرئيسية وعدم تخصيص وسائل نقل للقرية ممّا يضطرّهم للسير في أغلب الأحيان، وهذا ما يشكّل مشقّةً عليهم.
رحلة التهجير القسري المؤلمة للمرّة الثّالثة:
عانى الفلسطينيون في قرية المزيرعة من التهجير باكرا عامي 1948 و1967 إلا أنهم منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 كانوا على موعد مع القدر، فقد وقعت قريتهم تحت سيطرة جبهة النصرة التي اتخذت منها مركزا لعملياتها ضد شهداء اليرموك ليتصاعد الصراع منذ بداية عام 2015 بين "الجبهة الجنوبية" و"جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام" من جهة، و"حركة المثنى" و"لواء شهداء اليرموك" المتهمتين بمبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة ثانية، وقد انتهى هذا الصراعُ ببسطِ التّنظيم سيطرتَه على قرية المزيرية وباقي مناطقِ حوضِ اليرموك، ممّا اضطر أهالي القرية بمن فيهم من الفلسطينيين للنزوح من القرية خشيةَ انتقامِ التّنظيمِ الّذي اتّهمهم بالوقوف ضدّهم، ومساندةِ التّنظيماتِ المناوئةِ لهم، حيث لجأ الفلسطينيون في القرية مع باقي اللاجئين من فلسطينيّ جلّين إلى القرى المجاورة سالكين طريق وادي اليرموك متوجّهين لقرى زيزون والمزيريب وعمورية، وقد عانى الفلسطينيون في هذه الفترة لحظاتٍ صعبةً وحالةَ التّهميش التي عانتها من قبل الهيئات والمؤسسات المعنيّة، فاقمتها تحديات حياتهم اليومية في الخيمة المأوى الجديد في معسكرات كمعسكر زيزون، في حين عانى آخرون غلاء إيجارات السكن، واستمرت بهم هذه الحال إلى عام 2018 حيث فرضت التّسوية بين المعارضة والقواتِ الحكوميّة مخرجاً جديداً أعاد الفلسطينيين إلى قريتهم التي تعرّضت ممتلكاتُهم للنّهب، كما تعرّضت كثيرٌ من دورهم للدّمار جرّاء القصف المتبادل بين التّنظيم والقوّات الحكوميّة، ومع كلّ هذا عاد فلسطينيو المزيرعةِ إلى قريتهم بعد سنواتٍ مريرةٍ من التّهجير القسريّ ليعيشوا واقعا اقتصادياً صعباً .
وأخيراً:
كثيرٌ من فلسطينيّ المزيرعةِ يسألون أنفسهم أمام هذا الواقع المعيشيّ الصّعب: هل هناك موجةُ نزوحٍ رابعةٌ، رغم أنّ ملامحها قد أخذت تلوح بالأفق باكراً بعد أن غزت قواربُ الهجرة الفلسطينية العالم، وعلى الرغم من حالة الهدوء التي تعيشها سورية ولاسيّما محافظة درعا حالياً إلا أنّ شبحَ الظّرف الاقتصاديّ الصّعب ما يزال يُطلُّ برأسه ويشي بنزوح رابع تراه أعين فلسطيني المزيرعة، فإلى أين المفرُّ، وأين تكون هذه الوجهة هذه المرة؟!!!
فايز أبو عيد | مجموعة العمل
في قرية صغيرة بمحافظة درعا، يحمل الفلسطينيون قصة صمود استثنائية تمتد عبر عقود من التهجير والمعاناة، المزيرعة - هي بقعة جغرافية لا تتجاوز 3 دونمات - تروي حكاية شعب عانى من الاقتلاع والتشرد مرات متعددة.
تأسست القرية عام 1967 بعد نكسة حزيران، حيث شكّلت تجمّعاً لما عُرف فيما بعد بنازحي الجولان، وهم من العرب (البدو)، شاركتهم هذا التجمّعَ بعضُ العائلاتِ الفلسطينيّة التي لجأت بعد النكبة إلى الجولان السوري لتعاودَ مرّةً أخرى رحلةَ النزوحِ بعد نكسةِ حزيران سنة 1967، ويستقرَّ بها الحال في بقعةٍ صغيرةٍ من محافظة درعا، مشكّلةً ما صار يُدعى اليوم بقرية المزيرعة، ونستطيعُ من اسْمها إدراكَ مدى صغرِ البقعةِ التي يقطنُها الفلسطينيّون، إذ لا تكادُ تتجاوزُ بضعةَ بيوت، كانت بالأمس مبنيةً من الطّين واللِّبِن.
تقعُ قريةُ المزيرعة في الرّيف الغربيّ من محافظة درعا، وهي تجاور بلدات جلّين وعدوان وطفس، تحيط بها الأراضي الزراعية من الجهات الأربعة في بقعة لا تتجاوز 3دونمات، وهذه الأرض تعتبر بلا سند تسجيل أرض (طابو)، وهي تتبعُ بلدية الجولان، فيما يُعتبر الفلسطينيون المسجّلون في سجّلات محافظة القنيطرة لاجئين ونازحين في آن واحد، فقد لجأوا بعد النّكبة إلى محافظة الجولان التي نزحوا عنها من جديد بعد العام 1967 إلى منطقة دمشق ومحافظة درعا جنوب سوريا.
يبلغ عدد سكان القرية قرابة (500) شخص، أما الفلسطينيين القاطنين فيها فيقدر تعدادهم بحوالي (80) شخصاً موزعين على 13 أُسرةً تنتمي لعائلة " الابراهيم"، تنتمي هذه العائلات الفلسطينية إلى قرى ومدن شمال فلسطين، كما تتواجدُ في القرية أسرٌ فلسطينيّةٌ قادمةٌ من دمشق استوطنت هذه القرية منذ سنة 2011، بالإضافة إلى الفلسطينيات اللواتي تزوجن من سوريين يقطنون هذه القرية
الوضع التّعليمي في قرية المزيرعة
يكافح الطلاب الفلسطينيون من أجل حقهم في التعليم في قرية المزيرعة، فالمدرسةٌ الحكوميّةٌ الوحيدة التي يتمُّ إدارتُها من قبل وزارةِ التّربيةِ السّوريّةِ تُدعى مدرسة المزيرعة للتّعليم الأساسيّ بنظام الشّعبة الواحدة، لا يكاد يتجاوز عدد طلّاب الشّعبة عشرة طلاب، وهذه تمثّل إيجابيّةً للطلّاب مقارنةً بمثيلاتها من المدارس الأخرى التي تشهد صفوفُها اكتظاظاً بالطّلّاب، ممّا يسبّب مشكلةً للطّالب والمعلِّم في آنٍ معاً، في حين يتّجهُ الطّلابُ الفلسطينيّون في قرية المزيرعة إلى المدارس في التّجمّعات المجاورةِ من أجل إكمالِ إحدى مراحلِ التّعليمِ غيرِ المتوفّرةِ في قريتهم، وخاصةً مرحلةِ التّعليمِ الثّانويِّ، من هذه المدارس: مدرسةُ جلّين الثّانويّة في بلدة جلّين ، والّتي تبعدُ حوالي 5 كم عن القرية، ومدرسة: عسقلان وهي إعدادية مختلط ذكور وإناث، ومدرسة: عرابة ابتدائية مختلط ذكور وإناث وكلاهما مدرسةٌ واحدةٌ بدوامين مختلفين، والتي تبعد حوالي 6 كم عن القرية.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ موقع القرية يمثّل مشكلةً بحدّ ذاتِها، إذ إنّ القريةَ تبعدُ عن الطّريق الرّئيسيّ 3 كيلو مترات، لذا يضطرُّ الطّلبةُ الفلسطينيون للسّير على الأقدام والخروج منذ الصّباح الباكر، كما يضطرّون أحياناً لإكمال المسافةِ ذاتِها إلى جلّين، وهذا ما ينفّرُ الطلّابَ الفلسطينيّن في مرحلة التّعليمِ الأساسيّ من الدّراسة في مدارسِ الوكالةِ، ويمنعُ ذويهم من إرسالهم هناك، رغم ما تمثّله مدارسُ الوكالةِ من أفضليةٍ لهم، في ظلّ ضعفِ أداءِ المدارسِ الحكوميّةِ، ولعلّه نفسُ السّبب الذي جعل معظمَ المعلّمين ينفرون من التّدريس في مدرسة القريةِ التّعليميّة النّائيةِ، كما أدّى لنقصٍ في الكوادر التّعليميّةِ لينعكسَ بصورةٍ سلبيّةٍ على الطّلّاب، إذ اشتكى عددٌ من ذوي الطلبة الفلسطينيّن من ضعف أبنائهم، ولاسيّما اللغاتِ مُرجعين السّببَ لعدم وجودِ معلّمين أو بسببِ الغياباتِ المتكررة أو التنقّلات الكثيرة للمعلمين بحكم بُعد المدرسة التي تضطرُّ معظم المعلمين لتكلّف مشقّة السّيرِ والخروج باكراً، ولهذا رأينا درجاتِ الكثيرين في الشّهادة الإعداديّة متدنّيةً على عكس زملائِهم ممَن يدرسون في مدارس الأونروا، والتي جاءت مرتفعةً، وقد حدّثنا (س.ب 35 عاما) عن رفضه تدريسَ أبنائِه الصّغارِ في مدارس الوكالة لأسبابٍ عدّة منها بُعدها، كما أكّد على أنّ طريقَ المزيرعة شهدَ مرّاتٍ عدّةً العثورَ على جُثثٍ لأشخاص تمّ اغتيالُهم وإلقاؤُهم على جانبيّ الطّريق المؤدّي إلى المزيرعة، ما شكّل دافعاً لديه لرفضه فكرةَ إرسالِ أبنائِه للدّراسةِ في مدارس الوكالة .
يقدّرُ عددُ الطّلّاب الفلسطينيين في مرحلتيّ التّعليمِ الابتدائيّةِ والإعداديّةِ بحوالي (25) طالباً وطالبةً، وهي نسبةٌ قليلةٌ، والسّببُ وراء ذلك هجرةُ الشّبابِ الفلسطينيّ، وتفضيلُ الكثيرين الخروجَ من القرية والسّكن في مناطقَ أخرى، باعتبار أنّ القريةَ تفتقرُ لأبسطِ مقوّمات الحياةِ، ولاسيّما بَعدَ أنْ تحوّلتِ القريةُ لميدانٍ للحرب والصّراعِ ممّا ساهم بتهجير أهاليها واستقرارِ كثيرٍ من الفلسطينيين، إمّا في مخيم جلّين أو المزيريب أو مدينة درعا، فقد عرفت المزيرعة تخريجَ طبيبين من أسرةٍ فلسطينيةٍ واحدةٍ إلا أنهما اضطرّا لتركِ المزيرعة طلباً لواقعٍ أفضل .
الوضع الصحي
تعاني قريةُ المزيرعة من قلّة المرافقِ الصّحيّة، حيث لا يوجد في القرية أيّةُ مراكزَ صحيّةٍ حكوميّةٍ، كما لا يوجد بها عيادةُ طبيب، ولعلّ بُعد المسافة بين القرية والمراكز الصّحيّة الموجودةِ في التّجمّعات المجاورة من أبرزِ المشاكل الّتي تواجه القريةَ، وفي حالة الطوارئ يتوجّه المرضى للعلاج في المرافق الصّحيّة الموجودة في بلدة جلّين القريبة منها أو مدينة طفس حيث يتواجدُ فيها مستشفى طفس الحكوميّ الّذي يعاني من نقص الخدمات والكوادر الطّبيّة ممّا يضطّرُّ الفلسطينيين للمضيّ إلى المستشفى الوطنيّ بدرعا، والّذي يبعد قرابة 23 كيلو متر، أو التوجّه إلى بلدة المزيريب حيث تتواجدُ عيادةٌ صحيّةٌ تابعةٌ لوكالة غوثِ وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، وتعاني القرية من عدم وجودِ صرفٍ صحّيٍّ داخلَ القريةِ والاعتمادِ فقط على الحفرِ الصّحيّة التي تتسرّب منها مياهُ الصّرفِ الصّحيّ منها لأسفل المنازلِ في أحيان كثيرة، مما أدّى لظهور التّصدّعات والتّشققات فى كثير منها فضلا عن تسربها إلى مياه الشرب.
وقد ذكر (م. ر 50سنة) أنّ عدمَ وجودِ صرفٍ صحّيٍّ في القرية يؤدّي الى مشاكلَ تسرّبِ المياهِ من الحفر الصّحّيّة، ويجعل البيئةَ أكثرَ تلوّثاً، وغالباً ما تحدث خلافاتٌ بين المواطنين على خلفية تسرّب المياه الجوفيّةِ من حفر البعض الى أراضي البعضِ الآخرِ
مؤكّداً على أنّ عدمَ وجودِ صرفٍ صحيّ في المنطقة يؤدّي أيضاً الى تلوّث المياهِ الجوفيّةِ ممّا يُعرّض الأهالي إلى أمراضٍ خطيرةٍ ناتجةٍ عن استعمال هذه المياه للشّرب والاستعمال المنزليّ .
الوضع الاقتصادي والمعيشي:
قرية المزيرعة قريةٌ صغيرةٌ لا يمتلك سكّانها أراضي زراعيّةً، إذ إنّ حصّةَ الأسرةِ الواحدةِ لا تتجاوزُ بضعة أمتارٍ قليلةٍ، لذلك يضطرون للعمل إما بضمان الأراضي أو بالعمل بورشات زراعيّة، وهناك قسمٌ يعمل في مركز البحوث الزراعية الموجودة في القرية أو في الشركة الليبية للأبقار المجاورة للقرية، فيما يعمل الباقون بمؤسسات الدولة، وربما عدد العاملين في مؤسسات الدولة من فلسطينيّ القرية ليس بالكثير، فهناك مَن يعمل في مؤسّسة الكهرباء وآخرُ يعملُ مُعلّماً، في ظل البطالة المتفشية التي ساهمت في تردي وضع الفلسطينين في القرية، وقلة الدعم الذي يتلقاه اللاجئون، ليقتصر على الدعم المالي الذي تقدمه الأونروا للاجئين الفلسطينين، بالإضافة لسلّة غذائية في كلّ عام مرّة واحدة، لا تغني ولا تُسمن من جوع .
ويعاني الفلسطينيون في القرية من عزلة عمَّن حولهم بحكم بُعد القرية عن الطرق الرئيسية وعدم تخصيص وسائل نقل للقرية ممّا يضطرّهم للسير في أغلب الأحيان، وهذا ما يشكّل مشقّةً عليهم.
رحلة التهجير القسري المؤلمة للمرّة الثّالثة:
عانى الفلسطينيون في قرية المزيرعة من التهجير باكرا عامي 1948 و1967 إلا أنهم منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 كانوا على موعد مع القدر، فقد وقعت قريتهم تحت سيطرة جبهة النصرة التي اتخذت منها مركزا لعملياتها ضد شهداء اليرموك ليتصاعد الصراع منذ بداية عام 2015 بين "الجبهة الجنوبية" و"جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام" من جهة، و"حركة المثنى" و"لواء شهداء اليرموك" المتهمتين بمبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة ثانية، وقد انتهى هذا الصراعُ ببسطِ التّنظيم سيطرتَه على قرية المزيرية وباقي مناطقِ حوضِ اليرموك، ممّا اضطر أهالي القرية بمن فيهم من الفلسطينيين للنزوح من القرية خشيةَ انتقامِ التّنظيمِ الّذي اتّهمهم بالوقوف ضدّهم، ومساندةِ التّنظيماتِ المناوئةِ لهم، حيث لجأ الفلسطينيون في القرية مع باقي اللاجئين من فلسطينيّ جلّين إلى القرى المجاورة سالكين طريق وادي اليرموك متوجّهين لقرى زيزون والمزيريب وعمورية، وقد عانى الفلسطينيون في هذه الفترة لحظاتٍ صعبةً وحالةَ التّهميش التي عانتها من قبل الهيئات والمؤسسات المعنيّة، فاقمتها تحديات حياتهم اليومية في الخيمة المأوى الجديد في معسكرات كمعسكر زيزون، في حين عانى آخرون غلاء إيجارات السكن، واستمرت بهم هذه الحال إلى عام 2018 حيث فرضت التّسوية بين المعارضة والقواتِ الحكوميّة مخرجاً جديداً أعاد الفلسطينيين إلى قريتهم التي تعرّضت ممتلكاتُهم للنّهب، كما تعرّضت كثيرٌ من دورهم للدّمار جرّاء القصف المتبادل بين التّنظيم والقوّات الحكوميّة، ومع كلّ هذا عاد فلسطينيو المزيرعةِ إلى قريتهم بعد سنواتٍ مريرةٍ من التّهجير القسريّ ليعيشوا واقعا اقتصادياً صعباً .
وأخيراً:
كثيرٌ من فلسطينيّ المزيرعةِ يسألون أنفسهم أمام هذا الواقع المعيشيّ الصّعب: هل هناك موجةُ نزوحٍ رابعةٌ، رغم أنّ ملامحها قد أخذت تلوح بالأفق باكراً بعد أن غزت قواربُ الهجرة الفلسطينية العالم، وعلى الرغم من حالة الهدوء التي تعيشها سورية ولاسيّما محافظة درعا حالياً إلا أنّ شبحَ الظّرف الاقتصاديّ الصّعب ما يزال يُطلُّ برأسه ويشي بنزوح رابع تراه أعين فلسطيني المزيرعة، فإلى أين المفرُّ، وأين تكون هذه الوجهة هذه المرة؟!!!