map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

انتشار المخدرات في المخيمات الفلسطينية . تبعات كارثية وحلول غائبة

تاريخ النشر : 14-02-2025
انتشار المخدرات في المخيمات الفلسطينية . تبعات كارثية وحلول غائبة

إبراهيم محمد | مجموعة العمل

عانى اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات السورية لسنوات من انتشار المخدرات بشكل واسع ومتنوع، مما أثار مخاوف عميقة بشأن تفكك النسيج الاجتماعي وتدهور مستقبل الشباب، ساعدت عوامل متعددة على هذا الانتشار، منها ما يرتبط بطبيعة البنية العمرانية للمخيمات، ومنها ما يعود إلى الوضع الاجتماعي والتركيبة السكانية، بالإضافة إلى أسباب أخرى سنعمل على تحليلها ومناقشتها بهدف إيجاد حلول فعالة لهذه الظاهرة الخطيرة.

تمثل هذه المشكلة مصدر قلق كبير للاجئين الفلسطينيين، خاصة أنها تستهدف فئة الشباب واليافعين، مما يؤدي إلى تدمير مستقبلهم وزيادة احتمالية انجرارهم نحو الجريمة أو حتى التفكير في الانتحار، وعلى الرغم من أن الظاهرة شهدت انحساراً قبل الثورة السورية نتيجة الاستقرار العام وارتفاع معدلات التعليم، إلا أنها عادت للتفاقم بشكل ملحوظ بعد أن أصبحت سوريا مركزاً رئيسياً لتصنيع وترويج المخدرات، وفي المخيمات الفلسطينية، كان الوضع أكثر تعقيدًا وتأزماً للأسباب التالية:

الأسباب الاجتماعية

يُعد الفقر والبطالة من الأسباب الرئيسية لانتشار المخدرات في المخيمات الفلسطينية، حيث يعاني حوالي 95% من سكان هذه المخيمات من فقر مدقع، وغياب الدعم الحكومي أو الأممي الحقيقي، وضعف مساعدات الأونروا مقارنة بالوضع الاقتصادي الصعب، دفع العديد من الأفراد إلى تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع.

 كما أن غياب فرص التعليم والتدريب المهاري نتيجة النزوح، القصف، والحصار الذي فرضه النظام البائد على بعض المخيمات، أدى إلى حرمان مئات الأطفال والشباب من التعليم، مما زاد من احتمالية سقوطهم في براثن الإدمان.

ومن الأسباب الاجتماعية التي جعلت المخيمات بؤرة لانتشار المخدرات أكثر من البلدات المحيطة، غياب المرافق الترفيهية والتوعوية، ووجود "أصدقاء السوء"، وضعف دور الأسرة بسبب انشغال الآباء بتوفير لقمة العيش، كل هذه العوامل ساهمت في جعل المخيمات بيئة خصبة للمخدرات، وعلى عكس المجتمعات الريفية التي تعتمد على الأسرة الممتدة لممارسة الضبط الاجتماعي، أصبحت الأسر الفلسطينية في المخيمات أقل قدرة على السيطرة على أفرادها، مما زاد من احتمالية الانحراف.

الأسباب النفسية:

تلعب المشكلات النفسية مثل القلق والخوف، والاكتئاب دوراً رئيسياً في دفع الأفراد نحو تعاطي المخدرات، فيما أدت القصف العنيف الذي تعرضت له المخيمات، والمشاركة في الأعمال الحربية، إضافة إلى حالة اليأس التي أصابت الشباب بسبب طول أمد الخدمة في جيش التحرير الفلسطيني، إلى زيادة التعاطي بين الشباب، كما أن المواد المخدرة كانت تُوزَّع مجانًا خلال الحرب للحفاظ على استيقاظ المقاتلين لفترات طويلة، مما جعل الحصول عليها أمرًا سهلًا.

العوامل الثقافية:

ساهم الإعلام في الترويج غير المباشر للمخدرات من خلال البرامج والمسلسلات التي تظهر المتعاطين أو تجار المخدرات كشخصيات جذابة أو كوميدية، هذا التمثيل السلبي أثر على تصور الناس حول المخدرات، مما جعلها أكثر قبولًا في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليد المحيط الاجتماعي والتأثر به يزيد من انتشار هذه الظاهرة.

العوامل السياسية:

الحروب والنزاعات، وغياب الاستقرار السياسي والأمني، ساهمت بشكل كبير في زيادة تهريب وبيع المخدرات، ومن المعلوم للقاصي والداني أن الفرقة الرابعة في سوريا، على سبيل المثال، كانت متورطة في تصنيع وترويج المواد المخدرة، وجعلت من البلاد مركزاً لتوزيعها، خاصة الكبتاغون، وبسبب اعتبار الفلسطينيين تهديدًا محتملًا من قبل بعض القوى الخارجية، تم استخدام المخدرات كأداة لتدمير البنية الاجتماعية الفلسطينية، عبر نشر الجريمة والرذيلة والمواد المدمرة للفرد والأسرة والمجتمع. 

وبعد انتصار الثورة السورية، بدأت الإدارة الجديدة بتكثيف جهود مكافحة المخدرات، مما أدى إلى تراجع ظاهر في شوارع المخيمات، ومع ذلك، لا تزال المهمة صعبة نظراً لحجم المشكلة التي كان لها أثرها المدمر على كافة فئات المجتمع، فعلى مستوى الفرد، تسبب الإدمان في ضرر جسدي ونفسي، وسلوك عدواني، وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات، على صعيد العائلة، فقد ارتفعت حالات الطلاق نتيجة تعاطي أحد الزوجين، مما أدى إلى تفكك الأسر وتشرد الأطفال، أما على مستوى المجتمع، فقد ارتفعت معدلات البطالة بسبب فقدان المدمنين لوظائفهم، وكذلك ارتفعت معدلات الجريمة بغية تأمين المال لشراء المخدرات أو نتيجة السلوك العدواني.

 تجدر الإشارة إلى أن العديد من حالات الانتحار التي سجلتها مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا كانت نتيجة مباشرة لتعاطي الحبوب المخدرة، لذلك فإن مواجهة انتشار هذه الآفة تعد مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة وصولاً إلى الجهات الحكومية الرسمية والمنظمات الأممية، ولتحقيق ذلك لا بد من اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية:

  1. افتتاح مراكز علاجية مجانية لتوفير العلاج اللازم للمدمنين وزيادة التوعية بمخاطر الإدمان.
  2. تأهيل الأفراد في المجتمع من خلال تزويدهم بالمهارات والخبرات التي تساعدهم على الانخراط في سوق العمل والمساهمة بشكل إيجابي.
  3. تأمين فرص عمل للشباب، والعمل على تقليل نسب البطالة التي تُعد واحدة من الأسباب الرئيسية لتعاطي المخدرات.
  4. مكافحة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال عبر برامج فعّالة تضمن استمرار الأطفال في التعليم وحمايتهم من الاستغلال.
  5. توجيه وسائل الإعلام واستخدامها لنشر حملات توعوية تسلط الضوء على مخاطر المخدرات وتوعية المجتمع.
  6. سن قوانين صارمة ضد مروجي المخدرات وملاحقتهم باستمرار وتطبيق عقوبات رادعة لردعهم عن أنشطتهم.
  7. دور الأونروا تقديم برامج مخصصة لمكافحة المخدرات ودعم اللاجئين الفلسطينيين للتخلص من هذه المشكلة.

إن انتشار المخدرات له تأثير مدمر على الاقتصاد الوطني بسبب ضعف الإنتاجية والعبء الكبير على القطاع الصحي، كما يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتآكل قيم التكافل، مما يزيد من معدلات الفقر والجريمة، لذا يتطلب الأمر تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية للقضاء على هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21149

إبراهيم محمد | مجموعة العمل

عانى اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات السورية لسنوات من انتشار المخدرات بشكل واسع ومتنوع، مما أثار مخاوف عميقة بشأن تفكك النسيج الاجتماعي وتدهور مستقبل الشباب، ساعدت عوامل متعددة على هذا الانتشار، منها ما يرتبط بطبيعة البنية العمرانية للمخيمات، ومنها ما يعود إلى الوضع الاجتماعي والتركيبة السكانية، بالإضافة إلى أسباب أخرى سنعمل على تحليلها ومناقشتها بهدف إيجاد حلول فعالة لهذه الظاهرة الخطيرة.

تمثل هذه المشكلة مصدر قلق كبير للاجئين الفلسطينيين، خاصة أنها تستهدف فئة الشباب واليافعين، مما يؤدي إلى تدمير مستقبلهم وزيادة احتمالية انجرارهم نحو الجريمة أو حتى التفكير في الانتحار، وعلى الرغم من أن الظاهرة شهدت انحساراً قبل الثورة السورية نتيجة الاستقرار العام وارتفاع معدلات التعليم، إلا أنها عادت للتفاقم بشكل ملحوظ بعد أن أصبحت سوريا مركزاً رئيسياً لتصنيع وترويج المخدرات، وفي المخيمات الفلسطينية، كان الوضع أكثر تعقيدًا وتأزماً للأسباب التالية:

الأسباب الاجتماعية

يُعد الفقر والبطالة من الأسباب الرئيسية لانتشار المخدرات في المخيمات الفلسطينية، حيث يعاني حوالي 95% من سكان هذه المخيمات من فقر مدقع، وغياب الدعم الحكومي أو الأممي الحقيقي، وضعف مساعدات الأونروا مقارنة بالوضع الاقتصادي الصعب، دفع العديد من الأفراد إلى تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع.

 كما أن غياب فرص التعليم والتدريب المهاري نتيجة النزوح، القصف، والحصار الذي فرضه النظام البائد على بعض المخيمات، أدى إلى حرمان مئات الأطفال والشباب من التعليم، مما زاد من احتمالية سقوطهم في براثن الإدمان.

ومن الأسباب الاجتماعية التي جعلت المخيمات بؤرة لانتشار المخدرات أكثر من البلدات المحيطة، غياب المرافق الترفيهية والتوعوية، ووجود "أصدقاء السوء"، وضعف دور الأسرة بسبب انشغال الآباء بتوفير لقمة العيش، كل هذه العوامل ساهمت في جعل المخيمات بيئة خصبة للمخدرات، وعلى عكس المجتمعات الريفية التي تعتمد على الأسرة الممتدة لممارسة الضبط الاجتماعي، أصبحت الأسر الفلسطينية في المخيمات أقل قدرة على السيطرة على أفرادها، مما زاد من احتمالية الانحراف.

الأسباب النفسية:

تلعب المشكلات النفسية مثل القلق والخوف، والاكتئاب دوراً رئيسياً في دفع الأفراد نحو تعاطي المخدرات، فيما أدت القصف العنيف الذي تعرضت له المخيمات، والمشاركة في الأعمال الحربية، إضافة إلى حالة اليأس التي أصابت الشباب بسبب طول أمد الخدمة في جيش التحرير الفلسطيني، إلى زيادة التعاطي بين الشباب، كما أن المواد المخدرة كانت تُوزَّع مجانًا خلال الحرب للحفاظ على استيقاظ المقاتلين لفترات طويلة، مما جعل الحصول عليها أمرًا سهلًا.

العوامل الثقافية:

ساهم الإعلام في الترويج غير المباشر للمخدرات من خلال البرامج والمسلسلات التي تظهر المتعاطين أو تجار المخدرات كشخصيات جذابة أو كوميدية، هذا التمثيل السلبي أثر على تصور الناس حول المخدرات، مما جعلها أكثر قبولًا في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تقليد المحيط الاجتماعي والتأثر به يزيد من انتشار هذه الظاهرة.

العوامل السياسية:

الحروب والنزاعات، وغياب الاستقرار السياسي والأمني، ساهمت بشكل كبير في زيادة تهريب وبيع المخدرات، ومن المعلوم للقاصي والداني أن الفرقة الرابعة في سوريا، على سبيل المثال، كانت متورطة في تصنيع وترويج المواد المخدرة، وجعلت من البلاد مركزاً لتوزيعها، خاصة الكبتاغون، وبسبب اعتبار الفلسطينيين تهديدًا محتملًا من قبل بعض القوى الخارجية، تم استخدام المخدرات كأداة لتدمير البنية الاجتماعية الفلسطينية، عبر نشر الجريمة والرذيلة والمواد المدمرة للفرد والأسرة والمجتمع. 

وبعد انتصار الثورة السورية، بدأت الإدارة الجديدة بتكثيف جهود مكافحة المخدرات، مما أدى إلى تراجع ظاهر في شوارع المخيمات، ومع ذلك، لا تزال المهمة صعبة نظراً لحجم المشكلة التي كان لها أثرها المدمر على كافة فئات المجتمع، فعلى مستوى الفرد، تسبب الإدمان في ضرر جسدي ونفسي، وسلوك عدواني، وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات، على صعيد العائلة، فقد ارتفعت حالات الطلاق نتيجة تعاطي أحد الزوجين، مما أدى إلى تفكك الأسر وتشرد الأطفال، أما على مستوى المجتمع، فقد ارتفعت معدلات البطالة بسبب فقدان المدمنين لوظائفهم، وكذلك ارتفعت معدلات الجريمة بغية تأمين المال لشراء المخدرات أو نتيجة السلوك العدواني.

 تجدر الإشارة إلى أن العديد من حالات الانتحار التي سجلتها مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا كانت نتيجة مباشرة لتعاطي الحبوب المخدرة، لذلك فإن مواجهة انتشار هذه الآفة تعد مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة وصولاً إلى الجهات الحكومية الرسمية والمنظمات الأممية، ولتحقيق ذلك لا بد من اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية:

  1. افتتاح مراكز علاجية مجانية لتوفير العلاج اللازم للمدمنين وزيادة التوعية بمخاطر الإدمان.
  2. تأهيل الأفراد في المجتمع من خلال تزويدهم بالمهارات والخبرات التي تساعدهم على الانخراط في سوق العمل والمساهمة بشكل إيجابي.
  3. تأمين فرص عمل للشباب، والعمل على تقليل نسب البطالة التي تُعد واحدة من الأسباب الرئيسية لتعاطي المخدرات.
  4. مكافحة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال عبر برامج فعّالة تضمن استمرار الأطفال في التعليم وحمايتهم من الاستغلال.
  5. توجيه وسائل الإعلام واستخدامها لنشر حملات توعوية تسلط الضوء على مخاطر المخدرات وتوعية المجتمع.
  6. سن قوانين صارمة ضد مروجي المخدرات وملاحقتهم باستمرار وتطبيق عقوبات رادعة لردعهم عن أنشطتهم.
  7. دور الأونروا تقديم برامج مخصصة لمكافحة المخدرات ودعم اللاجئين الفلسطينيين للتخلص من هذه المشكلة.

إن انتشار المخدرات له تأثير مدمر على الاقتصاد الوطني بسبب ضعف الإنتاجية والعبء الكبير على القطاع الصحي، كما يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتآكل قيم التكافل، مما يزيد من معدلات الفقر والجريمة، لذا يتطلب الأمر تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية للقضاء على هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21149