فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في قلب مدينة درعا السورية، حيث تلتقي الذكريات بالأحلام، يتربّع حي الكاشف كشاهد صامت على تحوّلات الزمن، هذا الحي، الذي كان يوماً مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة، تحول اليوم إلى ملاذ آلاف النازحين، خاصة من أبناء الجالية الفلسطينية الذين وجدوا فيه مأوى بعد أن اقتلعتهم رياح الحرب من جذورهم، بين أزقّة الحي الضيّقة وبيوته المتواضعة، تكشف الحياة اليومية عن قصص صمود وتحديات لا تنتهي، حيث تختلط هموم السكن بصراعات البقاء في ظل ظروف معيشية قاسية.
صراع يومي من أجل البقاء
مع تدفق النازحين إلى حي الكاشف، تحول الحي إلى بوتقة تذوب فيها أحلام العائلات تحت وطأة الازدحام وارتفاع الإيجارات، ومن العائلات الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، عائلة أبو عاتوق وقدسية والشيخ محمد والناجي وأبو الندى والنادي والحصان والخليلي وعقاب والحسين، العيسى، الأسعد، ملحم السيطري، طباشه الزيتاوي، مصطفى، أبو داوود، وأبو عاذرة، ابراهيم، حبيب، ومعظم هذه العائلات وجدت نفسها مضطرة للعيش في مساحات ضيقة، وتحت سقف واحد، هذا الازدحام لم يخلق فقط أزمات سكنية، بل فتح أبواباً لمشكلات اجتماعية وعائلية، حيث أصبحت الخصوصية حلماً بعيد المنال، إذ إنّ الإيجارات المرتفعة، التي تفوق قدرة الكثيرين والتي وصلت إلى ما يزيد عن 100 دولار، مما زاد من عبء الحياة، ودفع العائلات إلى الاختيار بين تلبية احتياجاتهم الأساسية أو دفع ثمن سقف يحميهم من قسوة الحياة .
مراكز إيواء ونقص الخدمات
في أطراف الحي، تقف عشرات المباني غير المكتملة كشواهد على واقع مرير، هذه المباني، التي تحولت إلى مراكز إيواء، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، المياه شحيحة، والخدمات الصحية معدومة، والنوافذ المكسورة التي تسمح لرياح الشتاء الباردة بالدخول دون استئذان، بالإضافة إلى ذلك هناك عوائل فلسطينية تقطن في أقبية، تفتقد أدنى مقومات العيش الكريم، ومع كل هذا ظلّت القناعة ملازمة لأبناء المخيمات النازحين والمهجرين الفلسطينين، إلا أنه بعد تحرير سورية من حكم الاسد أواخر 2024، وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مطالبات من أصحاب هذه المباني بإخلائها، في وقت لا يزالون فيه عاجزين عن إيجاد بديل سكني وسط ارتفاع إيجارات البيوت، وفي ظل الدمار الذي لحق ممتلكاتهم، هذا الواقع المرير يفرض عليهم اليوم العيش في قلق وفي ظروف لا إنسانية، بينما تبقى أحلام إعادة الإعمار حبيسة الانتظار.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية
جيل كامل من أبناء المخيمات الفلسطينية نشأ خارج أسوار المخيمات، حيث تزوجوا وأسسوا عائلات جديدة، لكن العودة إلى المخيمات بعد اتفاق التسوية عام 2018 لم تكن سوى حلقة أخرى في سلسلة المعاناة، إذ إن العودة كانت محدودة، حيث اقتصرت على الأب والأم والأخ الكبير وأولاده، بينما ظل باقي أفراد العائلة خارج المخيم، يعيشون في شتات جديد. ومع ذلك، فإن حي الكاشف، الذي تحول إلى مركز تجاري بعد الثورة السورية، وفّر فرص عمل للعديد من العائلات الفلسطينية، مما ساهم في تخفيف وطأة الفقر ولو بشكل محدود، وهو السبب الرئيسي في تفضيل الفلسطينين الإقامة فيه رغم غلاء الإيجارات
أو السكن في مراكز إيواء تفتقد لأدنى الشروط التي تحفظ كرامة الإنسان.
الواقع التعليمي والصحي
رغم الظروف القاسية، يبقى التعليم والرعاية الصحية شمعة مضيئة في ظلام الحي، مدرسة طبرية التابعة للأونروا تواصل جهودها لتعليم أطفال الحي، بينما يوفر المستوصف التابع للمنظمة الدولية خدمات صحية أساسية معقولة، كما أن كثيرا من الأطباء الفلسطينين في هذا الحي يقومون بمبادرات داعمة لإخوانهم الفلسطينين، مثل الأطباء عمار محمد الأسعد وحسام شاهين وعمر عبد الحق، ومحمد الشيخ محمد وآخرون كثر، يقدمون خدمات مجانية في كثير من الأحيان، محاولين التخفيف من معاناة السكان، هذه الجهود، وإن كانت محدودة، تبقى رمزاً للأمل في مستقبل أفضل.
المهن والحرف التقليدية إرث يتحدى الزمن :
زوايا الحي، تحتفظ العائلات الفلسطينية بإرثها الثقافي من خلال المهن والحرف التقليدية، عائلة الشاويش عودة، التي اشتهرت ببيع التمر هندي والسوس، تبقى شاهداً على إصرار الفلسطينيين في الحفاظ على هويتهم، المطاعم الفلسطينية، التي تقدم أكلات مثل المقلوبة والمسخن والرقاق، أصبحت وجهة للكثيرين، حيث تحافظ نسوة الحي على سر وصفات توارثنها عن أمهاتهن وجداتهن، هذه الأكلات ليست مجرد وجبات، بل هي ذكريات تنتقل من جيل إلى آخر، إذ تقوم كثير من النساء الفلسطينيات بإعداد وجبات جاهزة في بيوتهن في محاولة للتخفيف من وطأة الحياة الصعبة، وسط إشادات الكثيرين بما يقدمنه من أطعمة مميزة .
أصوات من قلب المعاناة
في حوار مع أبو محمد، أب لخمسة أطفال، يقول: "الحياة هنا صعبة، الإيجارات مرتفعة والخدمات شبه معدومة، لكننا نحاول التكيف مع الوضع، خاصة أن العمل متوفر هنا في المحلات التجارية." أما أم علي، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول بلهجة مليئة بالحزن: "نعيش في غرفة واحدة مع عائلتي الكبيرة. نحلم بيوم نستطيع فيه العودة إلى بيتنا في المخيم، لكن الوضع لا يسمح بذلك حالياً." هذه الأصوات تعكس واقعاً مريراً، لكنها تظل تحمل في طياتها بذور الأمل.
صمود في وجه العاصفة
حي الكاشف في درعا يبقى رمزاً لصمود الفلسطينيين في وجه العاصفة، رغم التحديات الجمة، من الازدحام وارتفاع الإيجارات إلى نقص الخدمات الأساسية، يظل الأمل في تحسين الأوضاع وإعادة الإعمار قائماً، هذه القصص ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي دعوة للعالم ليرى معاناة شعب يحلم بالعيش بكرامة واستقرار، في نهاية المطاف، يبقى حي الكاشف شاهداً على أن الإرادة الإنسانية قادرة على تحدي الظروف، مهما بلغت قسوتها.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في قلب مدينة درعا السورية، حيث تلتقي الذكريات بالأحلام، يتربّع حي الكاشف كشاهد صامت على تحوّلات الزمن، هذا الحي، الذي كان يوماً مركزاً تجارياً نابضاً بالحياة، تحول اليوم إلى ملاذ آلاف النازحين، خاصة من أبناء الجالية الفلسطينية الذين وجدوا فيه مأوى بعد أن اقتلعتهم رياح الحرب من جذورهم، بين أزقّة الحي الضيّقة وبيوته المتواضعة، تكشف الحياة اليومية عن قصص صمود وتحديات لا تنتهي، حيث تختلط هموم السكن بصراعات البقاء في ظل ظروف معيشية قاسية.
صراع يومي من أجل البقاء
مع تدفق النازحين إلى حي الكاشف، تحول الحي إلى بوتقة تذوب فيها أحلام العائلات تحت وطأة الازدحام وارتفاع الإيجارات، ومن العائلات الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، عائلة أبو عاتوق وقدسية والشيخ محمد والناجي وأبو الندى والنادي والحصان والخليلي وعقاب والحسين، العيسى، الأسعد، ملحم السيطري، طباشه الزيتاوي، مصطفى، أبو داوود، وأبو عاذرة، ابراهيم، حبيب، ومعظم هذه العائلات وجدت نفسها مضطرة للعيش في مساحات ضيقة، وتحت سقف واحد، هذا الازدحام لم يخلق فقط أزمات سكنية، بل فتح أبواباً لمشكلات اجتماعية وعائلية، حيث أصبحت الخصوصية حلماً بعيد المنال، إذ إنّ الإيجارات المرتفعة، التي تفوق قدرة الكثيرين والتي وصلت إلى ما يزيد عن 100 دولار، مما زاد من عبء الحياة، ودفع العائلات إلى الاختيار بين تلبية احتياجاتهم الأساسية أو دفع ثمن سقف يحميهم من قسوة الحياة .
مراكز إيواء ونقص الخدمات
في أطراف الحي، تقف عشرات المباني غير المكتملة كشواهد على واقع مرير، هذه المباني، التي تحولت إلى مراكز إيواء، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، المياه شحيحة، والخدمات الصحية معدومة، والنوافذ المكسورة التي تسمح لرياح الشتاء الباردة بالدخول دون استئذان، بالإضافة إلى ذلك هناك عوائل فلسطينية تقطن في أقبية، تفتقد أدنى مقومات العيش الكريم، ومع كل هذا ظلّت القناعة ملازمة لأبناء المخيمات النازحين والمهجرين الفلسطينين، إلا أنه بعد تحرير سورية من حكم الاسد أواخر 2024، وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مطالبات من أصحاب هذه المباني بإخلائها، في وقت لا يزالون فيه عاجزين عن إيجاد بديل سكني وسط ارتفاع إيجارات البيوت، وفي ظل الدمار الذي لحق ممتلكاتهم، هذا الواقع المرير يفرض عليهم اليوم العيش في قلق وفي ظروف لا إنسانية، بينما تبقى أحلام إعادة الإعمار حبيسة الانتظار.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية
جيل كامل من أبناء المخيمات الفلسطينية نشأ خارج أسوار المخيمات، حيث تزوجوا وأسسوا عائلات جديدة، لكن العودة إلى المخيمات بعد اتفاق التسوية عام 2018 لم تكن سوى حلقة أخرى في سلسلة المعاناة، إذ إن العودة كانت محدودة، حيث اقتصرت على الأب والأم والأخ الكبير وأولاده، بينما ظل باقي أفراد العائلة خارج المخيم، يعيشون في شتات جديد. ومع ذلك، فإن حي الكاشف، الذي تحول إلى مركز تجاري بعد الثورة السورية، وفّر فرص عمل للعديد من العائلات الفلسطينية، مما ساهم في تخفيف وطأة الفقر ولو بشكل محدود، وهو السبب الرئيسي في تفضيل الفلسطينين الإقامة فيه رغم غلاء الإيجارات
أو السكن في مراكز إيواء تفتقد لأدنى الشروط التي تحفظ كرامة الإنسان.
الواقع التعليمي والصحي
رغم الظروف القاسية، يبقى التعليم والرعاية الصحية شمعة مضيئة في ظلام الحي، مدرسة طبرية التابعة للأونروا تواصل جهودها لتعليم أطفال الحي، بينما يوفر المستوصف التابع للمنظمة الدولية خدمات صحية أساسية معقولة، كما أن كثيرا من الأطباء الفلسطينين في هذا الحي يقومون بمبادرات داعمة لإخوانهم الفلسطينين، مثل الأطباء عمار محمد الأسعد وحسام شاهين وعمر عبد الحق، ومحمد الشيخ محمد وآخرون كثر، يقدمون خدمات مجانية في كثير من الأحيان، محاولين التخفيف من معاناة السكان، هذه الجهود، وإن كانت محدودة، تبقى رمزاً للأمل في مستقبل أفضل.
المهن والحرف التقليدية إرث يتحدى الزمن :
زوايا الحي، تحتفظ العائلات الفلسطينية بإرثها الثقافي من خلال المهن والحرف التقليدية، عائلة الشاويش عودة، التي اشتهرت ببيع التمر هندي والسوس، تبقى شاهداً على إصرار الفلسطينيين في الحفاظ على هويتهم، المطاعم الفلسطينية، التي تقدم أكلات مثل المقلوبة والمسخن والرقاق، أصبحت وجهة للكثيرين، حيث تحافظ نسوة الحي على سر وصفات توارثنها عن أمهاتهن وجداتهن، هذه الأكلات ليست مجرد وجبات، بل هي ذكريات تنتقل من جيل إلى آخر، إذ تقوم كثير من النساء الفلسطينيات بإعداد وجبات جاهزة في بيوتهن في محاولة للتخفيف من وطأة الحياة الصعبة، وسط إشادات الكثيرين بما يقدمنه من أطعمة مميزة .
أصوات من قلب المعاناة
في حوار مع أبو محمد، أب لخمسة أطفال، يقول: "الحياة هنا صعبة، الإيجارات مرتفعة والخدمات شبه معدومة، لكننا نحاول التكيف مع الوضع، خاصة أن العمل متوفر هنا في المحلات التجارية." أما أم علي، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول بلهجة مليئة بالحزن: "نعيش في غرفة واحدة مع عائلتي الكبيرة. نحلم بيوم نستطيع فيه العودة إلى بيتنا في المخيم، لكن الوضع لا يسمح بذلك حالياً." هذه الأصوات تعكس واقعاً مريراً، لكنها تظل تحمل في طياتها بذور الأمل.
صمود في وجه العاصفة
حي الكاشف في درعا يبقى رمزاً لصمود الفلسطينيين في وجه العاصفة، رغم التحديات الجمة، من الازدحام وارتفاع الإيجارات إلى نقص الخدمات الأساسية، يظل الأمل في تحسين الأوضاع وإعادة الإعمار قائماً، هذه القصص ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي دعوة للعالم ليرى معاناة شعب يحلم بالعيش بكرامة واستقرار، في نهاية المطاف، يبقى حي الكاشف شاهداً على أن الإرادة الإنسانية قادرة على تحدي الظروف، مهما بلغت قسوتها.