map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

إلى أين؟ سؤال يلاحق الفلسطيني السوري في متاهة الهوية والسلطة

تاريخ النشر : 22-04-2025
إلى أين؟ سؤال يلاحق الفلسطيني السوري في متاهة الهوية والسلطة

نضال خليل خاص مجموعة العمل

ليس ما نشهده اليوم مجرّد تفصيل في سجلّ تاريخي معقّد، بل هو ما يشبه رواية لم تُكتب بعد رواية تستعير أدواتها من الفلسفة أكثر مما تستعيرها من السياسة وتنهل من الألم الجمعي أكثر مما تستند إلى الوقائع الفلسطيني السوري ذاك الكائن المُعلق بين أمكنة لم يحتل أياً منها يقف اليوم في لحظة تشبه مفترق طرق وجودي تتردد فيه صرخات الهوية والانتماء ويعلو فيه صوت السؤال الذي يبدو بسيطاً في شكله مرعباً في جوهره:

 "إلى أين؟"

منذ اللحظة التي أدرك فيها النظام السوري – كما أدرك من قبله العديد من الأنظمة العربية أن "القضية الفلسطينية" ليست سوى فرصة ذهبية يمكن تطويعها لغايات محلية وإقليمية بدأت مأساة الفلسطيني السوري تتخذ شكلاً فريداً أكثر تعقيداً من اللجوء وأكثر غموضاً من الغربة.

في عهد حافظ الأسد لم يكن الفلسطيني السوري أكثر من بند في خطاب سياسي طويل، خطاب كان يحمل شعارات التحرير والممانعة لكنه في جوهره كان يمارس سياسة احتواء ممنهجة الفلسطيني لم يكن لاجئاً فقط، بل كان مشروعاً خاضعاً للضبط تم تجميد حركته واحتُكر قراره السياسي وسُحبت منه أدوات التعبير الحر مقابل خطاب دعائي ينسب إليه مكانة "المناضل الدائم".

لكن هذا "النضال" لم يكن يُدار من منطلقات شعبية بل من غرفة عمليات السلطة فكل تعبير فلسطيني مستقل كان يُنظر إليه بعين الريبة وكل محاولة لبناء هوية سياسية حرة كانت تُقابل بالقمع   وكأن النظام أراد للفلسطيني أن يبقى مجرد ظلٍّ لصوت السلطة لا أكثر.

مع انتقال الحكم إلى بشار الأسد تطورت سياسة الاحتواء إلى هيمنة أكثر قسوة صار الفلسطيني يُعامل كرقم أمني كعنصر يجب أن يُراقَب لا أن يُستَمع إليه لم تعد السياسة تجاهه سياسة ضبط بل سياسة إسكات فالمخيمات التي كانت يوماً ما منابر سياسية واجتماعية تحوّلت إلى فضاءات مغلقة مؤسساتها أُفرغت من مضمونها ومجتمعها شُلّت حركته ولم يبقَ منها سوى ذكريات لأيامٍ كانت أكثر حياة.

وفي هذه البيئة القامعة لم تعد الهوية الفلسطينية تُنقل من جيل إلى آخر كقيمة أو كحلم بل باتت تُورَّث كعبء، كذكرى موجعة بلا أفق وهكذا بدأ الفلسطيني يشعر بأنه لا ينتمي حقاً إلى سوريا لكنه في الوقت ذاته لم يعد يمتلك فلسطين التي تكوّنت في مخيلته عبر الروايات والقصائد والشعارات القديمة.

عندما اندلعت الثورة السورية لم تكن فقط لحظة سياسية بل لحظة وعي لحظة ارتطام الفلسطيني السوري بجدار السؤال:

هل هو جزء من هذا الحراك؟

هل يملك حق الصراخ في الشارع؟

أم أنه ما زال محكوماً بموقع الحياد القسري الذي فُرض عليه لسنوات طويلة؟

وهكذا عاد السؤال "إلى أين؟" ليطلّ برأسه ليس فقط على مستوى الجغرافيا بل على مستوى الكينونة:

 إلى أي وطن أنتمي؟

إلى أي قضية أعود؟

 وهل يُمكن لصوتي أن يتجاوز السقف الذي رسمته السلطة لي منذ الولادة؟

الفلسطيني الذي كان يُنظر إليه كرمز للقضية تحوّل فجأة إلى تهديد داخلي المخيمات التي كانت مأوى للمنفى تحوّلت إلى أهداف عسكرية الثورة – التي كان من الممكن أن تفتح الباب أمام تحوّل الهوية إلى أداة مشاركة ونضال مشترك – تحوّلت إلى اختبار دموي لعلاقات الفلسطيني بالدولة المضيفة أصبح الفلسطيني في سوريا غريباً في زمن كان يُفترض أن يُعيد له بعض من كرامته المفقودة.

في ظل هذه الفوضى بدأ أن النظام السوري يشعر بثقل الورقة التي طالما استخدمها بدهاء القضية الفلسطينية التي كانت لسنوات وسيلة لكسب الشرعية بدأت تتحوّل إلى عبء، الفلسطيني الذي لم يُمنَح يوماً حق المواطنة صار يُعامل كجسم دخيل لا يليق له أن يطالب أو يحتج أو حتى يتنفس.

هذا التحوّل لم يكن عارضاً، بل كان نتيجة طبيعية لعقود من سياسات التهميش المنهجي والتلاعب بالهوية الفلسطينيون لم يُستخدموا فقط كأداة سياسية، بل كُسِروا من الداخل سُلبوا حقهم في الذاكرة وفي سرد حكايتهم بأنفسهم فالقضية التي كان يُفترض أن توحّد تحوّلت إلى وسيلة تقسيم.

الواقع الآن لا يتيح ترف التوقعات لكنه يُلزمنا بالتفكير الفلسطيني السوري اليوم ليس فقط ضحية ظرف سياسي، بل ضحية غياب مشروع لا هو قادر على العودة إلى وطنه المغتصب ولا هو قادر على بناء حياة كاملة في سوريا التي باتت تنظر إليه كعبء.

من هنا تنبع الحاجة إلى إعادة النظر في العلاقة بين الفلسطينيين وسوريا لا من منطلق التبعية   أو المجاملة بل من منطلق الشراكة شراكة في النضال في بناء المستقبل في صناعة سردية جديدة تعيد إلى الفلسطيني هويته المفقودة وتمنح للسوري معنىً جديداً للتحالف مع من كانوا يوماً غرباء في بلاده.

إن إعادة تمكين الفلسطيني السوري ليست مسألة تقنية أو تنظيمية بل هي مشروع سياسي وأخلاقي في جوهره مشروع يبدأ بإعادة بناء الذاكرة الجمعية ويستمر بتأسيس خطاب جديد يتجاوز الثنائية المرهقة بين "اللاجئ الخالد" و"العنصر المُراقب" فالفلسطيني السوري ليس مجرّد ورقة في خطاب مقاوم بل إنسان يمتلك تاريخاً حلماً وحقاً في أن يكون.

يبقى سؤال "إلى أين؟" معلقًا في الهواء لا كاستفهام بلاغي بل كحقيقة دامغة سؤال يتجاوز السياسة إلى الميتافيزيقيا إلى جوهر الإنسان إلى صراعه من أجل ألا يُمحى وحين يتمكن الفلسطيني السوري من الإمساك بهذا السؤال لا بوصفه لعنة بل كبوصلة ربما عندها فقط تبدأ رحلة العودة لا إلى وطن ضائع بالضرورة بل إلى الذات التي أُنكرت طويلاً إلى ذاكرة ما زالت تقاوم النسيان وإلى هوية تستحق أن تُكتب أخيرًا بيد صاحبها لا بيد جلاده.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21404

نضال خليل خاص مجموعة العمل

ليس ما نشهده اليوم مجرّد تفصيل في سجلّ تاريخي معقّد، بل هو ما يشبه رواية لم تُكتب بعد رواية تستعير أدواتها من الفلسفة أكثر مما تستعيرها من السياسة وتنهل من الألم الجمعي أكثر مما تستند إلى الوقائع الفلسطيني السوري ذاك الكائن المُعلق بين أمكنة لم يحتل أياً منها يقف اليوم في لحظة تشبه مفترق طرق وجودي تتردد فيه صرخات الهوية والانتماء ويعلو فيه صوت السؤال الذي يبدو بسيطاً في شكله مرعباً في جوهره:

 "إلى أين؟"

منذ اللحظة التي أدرك فيها النظام السوري – كما أدرك من قبله العديد من الأنظمة العربية أن "القضية الفلسطينية" ليست سوى فرصة ذهبية يمكن تطويعها لغايات محلية وإقليمية بدأت مأساة الفلسطيني السوري تتخذ شكلاً فريداً أكثر تعقيداً من اللجوء وأكثر غموضاً من الغربة.

في عهد حافظ الأسد لم يكن الفلسطيني السوري أكثر من بند في خطاب سياسي طويل، خطاب كان يحمل شعارات التحرير والممانعة لكنه في جوهره كان يمارس سياسة احتواء ممنهجة الفلسطيني لم يكن لاجئاً فقط، بل كان مشروعاً خاضعاً للضبط تم تجميد حركته واحتُكر قراره السياسي وسُحبت منه أدوات التعبير الحر مقابل خطاب دعائي ينسب إليه مكانة "المناضل الدائم".

لكن هذا "النضال" لم يكن يُدار من منطلقات شعبية بل من غرفة عمليات السلطة فكل تعبير فلسطيني مستقل كان يُنظر إليه بعين الريبة وكل محاولة لبناء هوية سياسية حرة كانت تُقابل بالقمع   وكأن النظام أراد للفلسطيني أن يبقى مجرد ظلٍّ لصوت السلطة لا أكثر.

مع انتقال الحكم إلى بشار الأسد تطورت سياسة الاحتواء إلى هيمنة أكثر قسوة صار الفلسطيني يُعامل كرقم أمني كعنصر يجب أن يُراقَب لا أن يُستَمع إليه لم تعد السياسة تجاهه سياسة ضبط بل سياسة إسكات فالمخيمات التي كانت يوماً ما منابر سياسية واجتماعية تحوّلت إلى فضاءات مغلقة مؤسساتها أُفرغت من مضمونها ومجتمعها شُلّت حركته ولم يبقَ منها سوى ذكريات لأيامٍ كانت أكثر حياة.

وفي هذه البيئة القامعة لم تعد الهوية الفلسطينية تُنقل من جيل إلى آخر كقيمة أو كحلم بل باتت تُورَّث كعبء، كذكرى موجعة بلا أفق وهكذا بدأ الفلسطيني يشعر بأنه لا ينتمي حقاً إلى سوريا لكنه في الوقت ذاته لم يعد يمتلك فلسطين التي تكوّنت في مخيلته عبر الروايات والقصائد والشعارات القديمة.

عندما اندلعت الثورة السورية لم تكن فقط لحظة سياسية بل لحظة وعي لحظة ارتطام الفلسطيني السوري بجدار السؤال:

هل هو جزء من هذا الحراك؟

هل يملك حق الصراخ في الشارع؟

أم أنه ما زال محكوماً بموقع الحياد القسري الذي فُرض عليه لسنوات طويلة؟

وهكذا عاد السؤال "إلى أين؟" ليطلّ برأسه ليس فقط على مستوى الجغرافيا بل على مستوى الكينونة:

 إلى أي وطن أنتمي؟

إلى أي قضية أعود؟

 وهل يُمكن لصوتي أن يتجاوز السقف الذي رسمته السلطة لي منذ الولادة؟

الفلسطيني الذي كان يُنظر إليه كرمز للقضية تحوّل فجأة إلى تهديد داخلي المخيمات التي كانت مأوى للمنفى تحوّلت إلى أهداف عسكرية الثورة – التي كان من الممكن أن تفتح الباب أمام تحوّل الهوية إلى أداة مشاركة ونضال مشترك – تحوّلت إلى اختبار دموي لعلاقات الفلسطيني بالدولة المضيفة أصبح الفلسطيني في سوريا غريباً في زمن كان يُفترض أن يُعيد له بعض من كرامته المفقودة.

في ظل هذه الفوضى بدأ أن النظام السوري يشعر بثقل الورقة التي طالما استخدمها بدهاء القضية الفلسطينية التي كانت لسنوات وسيلة لكسب الشرعية بدأت تتحوّل إلى عبء، الفلسطيني الذي لم يُمنَح يوماً حق المواطنة صار يُعامل كجسم دخيل لا يليق له أن يطالب أو يحتج أو حتى يتنفس.

هذا التحوّل لم يكن عارضاً، بل كان نتيجة طبيعية لعقود من سياسات التهميش المنهجي والتلاعب بالهوية الفلسطينيون لم يُستخدموا فقط كأداة سياسية، بل كُسِروا من الداخل سُلبوا حقهم في الذاكرة وفي سرد حكايتهم بأنفسهم فالقضية التي كان يُفترض أن توحّد تحوّلت إلى وسيلة تقسيم.

الواقع الآن لا يتيح ترف التوقعات لكنه يُلزمنا بالتفكير الفلسطيني السوري اليوم ليس فقط ضحية ظرف سياسي، بل ضحية غياب مشروع لا هو قادر على العودة إلى وطنه المغتصب ولا هو قادر على بناء حياة كاملة في سوريا التي باتت تنظر إليه كعبء.

من هنا تنبع الحاجة إلى إعادة النظر في العلاقة بين الفلسطينيين وسوريا لا من منطلق التبعية   أو المجاملة بل من منطلق الشراكة شراكة في النضال في بناء المستقبل في صناعة سردية جديدة تعيد إلى الفلسطيني هويته المفقودة وتمنح للسوري معنىً جديداً للتحالف مع من كانوا يوماً غرباء في بلاده.

إن إعادة تمكين الفلسطيني السوري ليست مسألة تقنية أو تنظيمية بل هي مشروع سياسي وأخلاقي في جوهره مشروع يبدأ بإعادة بناء الذاكرة الجمعية ويستمر بتأسيس خطاب جديد يتجاوز الثنائية المرهقة بين "اللاجئ الخالد" و"العنصر المُراقب" فالفلسطيني السوري ليس مجرّد ورقة في خطاب مقاوم بل إنسان يمتلك تاريخاً حلماً وحقاً في أن يكون.

يبقى سؤال "إلى أين؟" معلقًا في الهواء لا كاستفهام بلاغي بل كحقيقة دامغة سؤال يتجاوز السياسة إلى الميتافيزيقيا إلى جوهر الإنسان إلى صراعه من أجل ألا يُمحى وحين يتمكن الفلسطيني السوري من الإمساك بهذا السؤال لا بوصفه لعنة بل كبوصلة ربما عندها فقط تبدأ رحلة العودة لا إلى وطن ضائع بالضرورة بل إلى الذات التي أُنكرت طويلاً إلى ذاكرة ما زالت تقاوم النسيان وإلى هوية تستحق أن تُكتب أخيرًا بيد صاحبها لا بيد جلاده.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21404