map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

في انتظار الدولة الممكنة: الشاب الفلسطيني السوري بين الذاكرة والتشكيك

تاريخ النشر : 24-04-2025
في انتظار الدولة الممكنة: الشاب الفلسطيني السوري بين الذاكرة والتشكيك

نضال خليلخاصمجموعة العمل

تقف الدولة الناشئة المتكوّنة على أطلال ما كان يُفترض أنه وطن أمام مفترق طرق لا يخلو من رمزية فادحة:

 أن تُعيد تعريف ذاتها من خلال شعارات التشاركية والعدال أو أن تنزلق مرّة أخرى إلى وهاد المقولات الجاهزة المستهلَكة التي تستبدل التنوع بالنسق الواحد والحرية بالمقدّس السياسي والهوية الجامعة بمرايا ضيّقة تنتمي إلى ماضٍ لم يعد يقبل إعادة التدوير.

في قلب هذا المشهد يقف الشاب العربي — وتحديداً الفلسطيني السوري الذي كُتب عليه أن يكون شاهداً ومشاركاً ومعلَّقاً بين الترحال القسري وتلك العودة المؤجَّلة إلى وطن يتشكّل كما لو كان شبحاً — يقف حاملاً مرآة الذات الجمعية متسائلاً عمّا إذا كانت شعارات الدولة الجديدة تملك القدرة على تجسيد حلمه أم أنها محض قناع شفاف.

لكن ما يثير القلق، بل وينذر بتكرار سردية الفشل المديدة هو أن الحلم بالتعددية لا يلبث أن يتبخّر عند أول استحقاق سياسي أو ثقافي ليفسح المجال أمام صعود الخطاب الأوحد المسنود غالباً بمرجعية دينية ترفض النقاش وتصنّف كل اختلاف في مرتبة "التهديد" هنا لا يعود الخلاف الفكري مدار سجال مشروع بل يتحوّل إلى خطر يجب استئصاله وإلى صوت يجب إسكاته.

يعبّر الشباب الذين خَبِروا قمع الأنظمة وتوحّش الأمن السياسي عن خشيتهم من أن الدولة الجديدة لا تسعى إلا إلى فرض نمط ثقافي وفكري مغلق قد يتوسل التديّن أو الوطنية أو "قيم المجتمع" لكنه في جوهره يرفض الآخر ويُقصي المختلف ويقمع التعدد الذي لا يمكن لبنية سياسية سليمة أن تقوم دونه إنها خشية من تَكرار تمثُّل الدولة ككيان إيديولوجي لا كإطار جامع للحقوق والمواطنة والحريات.

ولأن التجربة السياسية التي يعد بها الخطاب الرسمي تُقدَّم غالباً في قالب احتفالي مفعم بالوعود الكبيرة والعبارات الكثيفة عن التغيير والتمكين فإن الشكّ يتسلّل إلى وجدان الشاب الفلسطيني السوري لا سيما حين يكتشف أن تلك الشعارات تُفرَّغ من مضامينها حين تمسّ المصالح البنيوية للسلطة وهكذا يصبح الأمل مشوباً بالخذلان والحماسة مهددة بالتحوّل إلى لا مبالاة خاصة عندما لا يرى الشاب نفسه فاعلاً في إعادة إعمار البلاد بل مُرغَماً على الإصغاء إلى سردية لا تعترف بتجربته ولا تثمّن تضحياته ولا تُقَدّر رؤيته لمستقبل مختلف.

من هنا لا تعود الهوية الفردية محض مكون نفسي أو ثقافي، بل ساحة صراع حيّ بين ما يريده الشاب لنفسه ولمجتمعه وما يُراد له أن يكونه:

صوتاً مروّضاً ضمن جوقة الانسجام الوطني أو غائباً في الهامش السياسي والثقافي إن هذه الفجوة بين الواقع والخطاب بين الوعد والإنجاز بين الحلم والممارسة تخلّف في النفس انقساماً حاداً يتجسّد في القلق والتشكيك والإحباط ويكاد يصل في بعض حالاته إلى نوع من الاغتراب الداخلي حيث يغدو الشاب غريباً في وطن يُفترض أنه يولد من جديد.

في حالات كهذه يصبح الحديث عن إعادة الإعمار — على المستوى العمراني أو الاجتماعي أو الرمزي — أمراً مشروطاً بقدرة النظام السياسي على استيعاب التعدد لا التنكّر له وبإرادة حقيقية في إشراك جميع القوى الحية لا استدعاءً انتقائياً لها لتزيين الواجهة.

أما إذا بقي المشروع محصوراً في فئة تُعيد إنتاج السلطة بذات الأدوات وتحت مسميات جديدة فإن الدولة الوليدة لن تكون سوى نسخة محسّنة من نظام لفظته الجماهير مرّات ومرّات دون أن تنجح في تغييره جذرياً.

يبقى السؤال مفتوحاً لا بصفته سؤالاً أكاديمياً أو استنطاقاً مجرّداً للتاريخ، بل كسؤال يومي يتردد في الوعي الفردي والجماعي:

هل يمكن حقاً أن تتحوّل هذه الدولة إلى كيان عادل ديمقراطي يحتفي بالاختلاف بدل أن يخافه ويُطلق طاقات الشباب بدل أن يُعيد قولبتهم؟

 أم أننا نعيش مجدداً لحظة الانجراف وراء خطاب تحويلي لا يملك من التحوّل إلا اسمه؟

في كل الأحوال ما زال الشاب الفلسطيني السوري الذي خبر الشتات والنزوح والانكسار يحمل في داخله رغم كل شيء شحنة مقاومة هادئة ترفض الاصطفاف الأعمى وتبحث عن مساحة تُنصت له لا تُملِي عليه هي مقاومة ضد التبسيط وضد التكرار وضد الفرض القَسري للهوية مقاومة تشبه اللغة حين تخرج من أسر المعجم وتتحول إلى سؤال حيّ ينتظر إجابة صادقة من وطن يتشكل أو يتفكك على أعين أبنائه.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21416

نضال خليلخاصمجموعة العمل

تقف الدولة الناشئة المتكوّنة على أطلال ما كان يُفترض أنه وطن أمام مفترق طرق لا يخلو من رمزية فادحة:

 أن تُعيد تعريف ذاتها من خلال شعارات التشاركية والعدال أو أن تنزلق مرّة أخرى إلى وهاد المقولات الجاهزة المستهلَكة التي تستبدل التنوع بالنسق الواحد والحرية بالمقدّس السياسي والهوية الجامعة بمرايا ضيّقة تنتمي إلى ماضٍ لم يعد يقبل إعادة التدوير.

في قلب هذا المشهد يقف الشاب العربي — وتحديداً الفلسطيني السوري الذي كُتب عليه أن يكون شاهداً ومشاركاً ومعلَّقاً بين الترحال القسري وتلك العودة المؤجَّلة إلى وطن يتشكّل كما لو كان شبحاً — يقف حاملاً مرآة الذات الجمعية متسائلاً عمّا إذا كانت شعارات الدولة الجديدة تملك القدرة على تجسيد حلمه أم أنها محض قناع شفاف.

لكن ما يثير القلق، بل وينذر بتكرار سردية الفشل المديدة هو أن الحلم بالتعددية لا يلبث أن يتبخّر عند أول استحقاق سياسي أو ثقافي ليفسح المجال أمام صعود الخطاب الأوحد المسنود غالباً بمرجعية دينية ترفض النقاش وتصنّف كل اختلاف في مرتبة "التهديد" هنا لا يعود الخلاف الفكري مدار سجال مشروع بل يتحوّل إلى خطر يجب استئصاله وإلى صوت يجب إسكاته.

يعبّر الشباب الذين خَبِروا قمع الأنظمة وتوحّش الأمن السياسي عن خشيتهم من أن الدولة الجديدة لا تسعى إلا إلى فرض نمط ثقافي وفكري مغلق قد يتوسل التديّن أو الوطنية أو "قيم المجتمع" لكنه في جوهره يرفض الآخر ويُقصي المختلف ويقمع التعدد الذي لا يمكن لبنية سياسية سليمة أن تقوم دونه إنها خشية من تَكرار تمثُّل الدولة ككيان إيديولوجي لا كإطار جامع للحقوق والمواطنة والحريات.

ولأن التجربة السياسية التي يعد بها الخطاب الرسمي تُقدَّم غالباً في قالب احتفالي مفعم بالوعود الكبيرة والعبارات الكثيفة عن التغيير والتمكين فإن الشكّ يتسلّل إلى وجدان الشاب الفلسطيني السوري لا سيما حين يكتشف أن تلك الشعارات تُفرَّغ من مضامينها حين تمسّ المصالح البنيوية للسلطة وهكذا يصبح الأمل مشوباً بالخذلان والحماسة مهددة بالتحوّل إلى لا مبالاة خاصة عندما لا يرى الشاب نفسه فاعلاً في إعادة إعمار البلاد بل مُرغَماً على الإصغاء إلى سردية لا تعترف بتجربته ولا تثمّن تضحياته ولا تُقَدّر رؤيته لمستقبل مختلف.

من هنا لا تعود الهوية الفردية محض مكون نفسي أو ثقافي، بل ساحة صراع حيّ بين ما يريده الشاب لنفسه ولمجتمعه وما يُراد له أن يكونه:

صوتاً مروّضاً ضمن جوقة الانسجام الوطني أو غائباً في الهامش السياسي والثقافي إن هذه الفجوة بين الواقع والخطاب بين الوعد والإنجاز بين الحلم والممارسة تخلّف في النفس انقساماً حاداً يتجسّد في القلق والتشكيك والإحباط ويكاد يصل في بعض حالاته إلى نوع من الاغتراب الداخلي حيث يغدو الشاب غريباً في وطن يُفترض أنه يولد من جديد.

في حالات كهذه يصبح الحديث عن إعادة الإعمار — على المستوى العمراني أو الاجتماعي أو الرمزي — أمراً مشروطاً بقدرة النظام السياسي على استيعاب التعدد لا التنكّر له وبإرادة حقيقية في إشراك جميع القوى الحية لا استدعاءً انتقائياً لها لتزيين الواجهة.

أما إذا بقي المشروع محصوراً في فئة تُعيد إنتاج السلطة بذات الأدوات وتحت مسميات جديدة فإن الدولة الوليدة لن تكون سوى نسخة محسّنة من نظام لفظته الجماهير مرّات ومرّات دون أن تنجح في تغييره جذرياً.

يبقى السؤال مفتوحاً لا بصفته سؤالاً أكاديمياً أو استنطاقاً مجرّداً للتاريخ، بل كسؤال يومي يتردد في الوعي الفردي والجماعي:

هل يمكن حقاً أن تتحوّل هذه الدولة إلى كيان عادل ديمقراطي يحتفي بالاختلاف بدل أن يخافه ويُطلق طاقات الشباب بدل أن يُعيد قولبتهم؟

 أم أننا نعيش مجدداً لحظة الانجراف وراء خطاب تحويلي لا يملك من التحوّل إلا اسمه؟

في كل الأحوال ما زال الشاب الفلسطيني السوري الذي خبر الشتات والنزوح والانكسار يحمل في داخله رغم كل شيء شحنة مقاومة هادئة ترفض الاصطفاف الأعمى وتبحث عن مساحة تُنصت له لا تُملِي عليه هي مقاومة ضد التبسيط وضد التكرار وضد الفرض القَسري للهوية مقاومة تشبه اللغة حين تخرج من أسر المعجم وتتحول إلى سؤال حيّ ينتظر إجابة صادقة من وطن يتشكل أو يتفكك على أعين أبنائه.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21416