فايز أبو عيد – مجموعة العمل
حي الضاحية من أحياء مدينة درعا، إذ يعتبر مدخلها الغربي، فيما يفصله عن أحياء المدينة الباقية جسر، حي يبدو بعيداً عن باقي الأحياء الأخرى وعلى صلة مباشرة بالريف الغربي، يقسم إلى قسمين، قسم قديم يدعى ضاحية اليرموك، وقسم حديث يطلق عليه ضاحية باسل الأسد حيث الڤلل.
لقد بنيت هذه الضاحية في محاولة للحد من الاكتظاظ السكاني، إلا أنها لم تشكل مركز جذب لأهالي درعا الذين يعمل كثير من أبنائها في الخليج، بالإضافة إلى تفضيلهم السكن في الريف على المدينة ذات الشقق الصغيرة، فضاحية درعا هي عبارة عن مشاريع سكنية تقوم بها نقابات المعلمين، أو الأطباء، أو المهندسين، أو الإسكان العسكري.
وقد سكنها من قبل العراقيون واللبنانيون ومن قبلهم وجد الفلسطينيون الأردنيون وفلسطينيو غزة فيها ملاذا آمنا كونها ذات إيجار رخيص.
وهؤلاء أيضا قد عانوا ظروفا صعبة كالتهميش من النظام السوري السابق الذي رفض الاعتراف بهم فهم ليسوا من مواطنيه، كما أن الأردن ترفض عودتهم إذ تعتبرهم من المطلوبين، ليشكل هؤلاء جزءا أصيلا من سكان ضاحية درعا.
كما سكنها فيما بعد المتقاعدون العسكريون، والمعلمون المتقاعدون أيضا وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين والاطباء الذين سكنوا الڤلل لتشكل الضاحية خليطاً من فئات مختلفة لا تمت لبعضها بصلة ولا يجمع بينها قاسم مشترك سوى الحيز المكاني.
ورغم كل هذا، فضاحية درعا عند بداية الحرب كانت فارغة لا تحوي الكثير من السكان، بنايات ربما تسكنها عائلة أو عائلتين، فقد كانت في طور البناء ولم تُشغل بعد، كما لم تشكل جاذبا لأبناء المحافظة لسكناها رغم رخص ثمن شققها، إذ لم يتجاوز ثمن الشقة 300 ألف ليرة سورية عندما كان ثمن الدولار 45 ليرة.
ونتيجة كل الأسباب السابقة وجّه الفلسطينيون النازحون من المخيم أنظارهم إليها ليكونوا أول من يسكنها، فإذا بها تزدحم الأقدام عليها، وتغدو الضاحية مخيماً جديداً، ولكن بنكهة عصرية،
ولتتجاوز عدد العائلات في ضاحية درعا أكثر من 500عائلة منذ بداية الحرب ومنهم اليوم آل ((عقاب، السيطري، الحسين، المصري، النعيمي، حبيب، الزياتنة، السواركه، العليان، النقيب، العبد الله، أبو عطا، العميص، الرديف، مصطفى، الياسين، تميم، العيسى، أبو رقطي، زريق، رستم، مفلح، بلال، أبو عمشه، الخليلي، شريفة، أبو عاتوق، أسعد، عبد العال، شاهين، أبو عريضة، أبو ستيتي، عقل الشلالده، الحسن، الفايز، المدهون، عوّاد، قصّاص، نصر، عبد الحميد، حمدان، جنازرة، المبحوح، مطاوع .....)) والقائمة تطول.
لقد نقل فلسطينيو مخيم درعا إلى الضاحية كل أعمالهم ومهاراتهم، فانتشرت محال بيع الفول والفلافل، والحلويات والباعة المتجولون، ومحال تصليح الأحذية، وظهر السمكري، الحداد، النجار، سائق التكسي، المعلم، المحامي، الممرض، الموظف، كلهم فلسطينيون من أبناء المخيم.
وهناك من الطبقة المثقفة الشاعر الكبير راسم المدهون من مواليد غزة وهو رفيق محمود درويش ومعين بسيسو وإبراهيم طوقان وتوفيق زياد وعبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي، وأخوه ربعي المدهون غني عن الذكر فهو أول فلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة بجائزة البوكر العربية، كما أن للشاعر راسم المدهون ابناً لا يقل عن أبيه مكانة وهو غياث المقيم في السويد، الحائز على جوائز عالمية.
وحتى لا تتوقف مسيرة التعليم والتعلم لأبناء المخيم استأجرت الأونروا ثانوية بنات الضاحية بدوام مسائي لتضم أبناء الفلسطينيين وتدعى مدرسة طيطبا التي كانت في المخيم وبنفس الكادر القديم، ولتستمر هذه المدرسة إلى يومنا هذا.
معاناة تثقل الكاهل
إن الناظر لأبنية الضاحية وفللها الجميلة لن يصدق أنه يقبع بينها نازحون فلسطينيون عانوا بالأمس ومازالوا يعانون، وقد ابتدأت هذه المعاناة منذ لحظة الخروج من المخيم وخسارة كل شيء، واستمرت هذه المعاناة في حي الضاحية من خلال السكن في أبنية تفتقد أدنى المتطلبات الأساسية، فالدار ليس بها نوافذ ولا كهرباء ولا ماء ولا أي شيء من الخدمات، مجرد جدران من البلوك، وهذا ما شكل عقبة في وجه هؤلاء النازحين ، ومع ذلك استطاعوا التغلب عليها رغم ضعف إمكانياتهم، كما ساهمت مجموعة من المنظمات الدولية بالتخفيف من معاناتهم من خلال توصيل الكهرباء لمساكنهم.
وتبدأ الحلقة الأصعب عام 2018 والتي بدأت فيها محنة جديدة للنازحين من الفلسطينين وهي فرض إيجارات مرتفعة جدا عليهم، وهنا لابد من بيان أن عدداً كبيراً من العوائل الفلسطينية بعد اتفاق التسوية ٢٠١٨ بين أهالي درعا والنظام السوري البائد برعاية روسية والذي أتاح الفرصة للأهالي للعودة إلى أحيائهم، قد عادوا إليها مسرعين، لكن فرحتهم بالعودة إلى الديار أطفأتها صدمتهم بمشاهد الخراب الذي حل فيها.
دمار كبير حل بالأبنية السكنية والبنية التحتية، وكثير من الأهالي بيوتهم وقد سويت بالأرض، ومن حالفه الحظ وجد منزله مدمرا بشكل جزئي.
وهنا يبدأ الفصل الاول من الحكاية، أين يسكن هؤلاء الفلسطينيون؟ إذ بدأ كثير من السوريين يعودون لممتلكاتهم ومنازلهم لاستكمال بنائها أو لبيعها، وهنا وقع الفلسطينيون بين مطرقة المؤجرين وسندان أصحاب البيوت الذين يريدون بيع بيوتهم المؤجرة أو المسكونة ماذا يفعلون، أين يمضون؟!
هناك كثيرون تعرضوا للطرد من البيوت والڤلل بقوة القانون، إذ وجدوا أنفسهم في الشوارع، فبعد أن كانوا يحرسون هذه البيوت صاروا مطالبين بتركها، لذلك قرروا العودة إلى المخيم
والاحتماء ببعض جدرانه الصامدة، فيما فضل آخرون العودة وترميم غرفة أو غرفتين بدلاً من الوقوع تحت رحمة المؤجرين.
على حين وجدنا آخرين يضطرون للبقاء بالضاحية نتيجة افتقاد متطلبات الأمن والأمان هناك في المخيم وانتفاء الخدمات، وهنا اندرج هؤلاء الباقون تحت فئات ثلاثة:
فئة اضطرت البقاء بالڤلل التي تدعى ب((العضم))، تدفع أجرتها التي تبدو أقل وطأة من الشقق فهذه الڤلل أجرتها حوالي 30دولار وتسكنها عائلتان أو ثلاثة، فيما نجد أصحاب الشقق يطالبون ب١٠٠دولار أو أقل قليلاً، وهو رقم لا يتسق مع متوسط الرواتب في سوريا 25ل30دولاراً.
وقد قمنا بمقابلات مع بعض أصحاب هذه الڤلل لنطلع على معاناتهم في السكن:
ص. ع ٦٠ سنة، رجل بسيط يعاني من حالة مرضية صعبة، يعمل ناطوراً، لديه ابن يعمل عامل تنظيفات أما بقية أبنائه من الذكور والإناث فهم مرضى، وقد اضطر لترك الڤيلا بعد إخراجه منها، واليوم يقيم في إحدى الشقق بعد تبرع أحد المحسنين دفع إيجارها، وهو في رعب من توقف هذا المحسن عن دفع الإيجار المرتفع جداً.
م. ر 60 سنة، عزباء تسكن مع أختها العزباء أيضا ومع ذلك تم إخراجهما من الڤيلا التي سكنتاها منذ 2011، لتضطران البحث عن شقة ودفع ثمن باهض يقارب ١٠٠ دولار.
م. خ45 سنة عاماً، عامل بسيط يسكن في إحدى الڤلل، وهو يعاني من مرض عقلي، وتخشى زوجته طردمن الڤيلا.
فيما فضل آخرون اللجوء إلى الابراج الشبابية، كونها ما تزال في طور البناء، وبرغم خلوها من الخدمات اضطر الكثيرون للسكن فيها ريثما يجدون مأوى يكتنفهم.
س. ع مطلقة 60سنة، اضطرت للسكن فيه حتى 2024لتصاب بالسرطان وتموت على إثره، إذ لم تجد مكانا تلجأ إليه.
الفئة الثانية: سكنت شققاً ودفعت إيجارات منذ أول أيام الحرب والنزوح، إلا أن أصحاب الشقق نتيجة توقف الحرب 2018, وندرة البيوت وتزايد الطلب على السكن، ازدادت الإيجارات عشرة أضعاف، بل وصلت حتى 100 دولار أو يزيد، وهذا الرقم لا يملكه إلا ذو حظ عظيم، يملك ولداً أو أخاً مسافراً يساعده في تكاليف السكن.
ومع كل هذا فهؤلاء يتعرضون للطرد بمجرد ظهور من يدفع أكثر وهذا ما جعل الفلسطينين في رعب من هذا المصير.
م. ع ٥٧ سنة، استأجر بيتا وقام بدهانه، ولم يمض شهرين إلا وصاحب البيت يأتي بأناس كي يروا البيت، فقد عرضه للبيع.
ف. ح ٦٠ سنة، عامل بسيط يعمل في بيع الفواكه صاحب عائلة كبيرة، يدفع ما يقارب ٧٠ دولارا وهو مهدد بأي لحظة بترك بيته إما لبيعه أو رفع إيجاره، وهو في حالة خوف على أولاده الصغار وأغلبهم من البنات، ولولا دعم الأونروا المالي لما استطاع الصمود حتى اللحظة، وكله على حساب إطعام أولاده.
الفئة الثالثة: تسكن بيوتاً سافر أصحابها إلى أوروبا، فهم أشبه بالحراسة عليها وتبقى هذه الفئة أكثر راحة من الفئتين السابقتين وإن أبدى بعضهم مخاوفهم من عودة أصحاب البيوت والڤلل أو إعطائها لأقاربهم.
خ. ع 70سنة، يسكن في شقة مع زوجته، كون أصحاب الشقة كانوا يبحثون عن زوج وزوجة بلا أولاد، وقد أكد المسن خوفه من تغير هذا الواقع، فليس له سوى ولد يقيم في بيت المخيم وهو عبارة عن غرفتين.
واخيرا، يبقى الفلسطينيون الخاسر الأكبر من الحرب التي حصدت كثيرا من أبنائهم، ودمرت ممتلكاتهم، وهجرتهم من دورهم ليصبحوا أسرى للمؤجرين الذين يبيعون ويشترون بهم كيفما شاؤوا، واقع اضطرنا لتسليط الضوء على معاناتهم لإيجاد الحلول الناجعة، فقد أصبح الفلسطينيون بين خيارين لا ثالث لهما إما العودة للمخيم والسكن في بيوتهم المهدمة أو البقاء في حي الضاحية وتحملهم ابتزاز المؤجرين والطرد.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
حي الضاحية من أحياء مدينة درعا، إذ يعتبر مدخلها الغربي، فيما يفصله عن أحياء المدينة الباقية جسر، حي يبدو بعيداً عن باقي الأحياء الأخرى وعلى صلة مباشرة بالريف الغربي، يقسم إلى قسمين، قسم قديم يدعى ضاحية اليرموك، وقسم حديث يطلق عليه ضاحية باسل الأسد حيث الڤلل.
لقد بنيت هذه الضاحية في محاولة للحد من الاكتظاظ السكاني، إلا أنها لم تشكل مركز جذب لأهالي درعا الذين يعمل كثير من أبنائها في الخليج، بالإضافة إلى تفضيلهم السكن في الريف على المدينة ذات الشقق الصغيرة، فضاحية درعا هي عبارة عن مشاريع سكنية تقوم بها نقابات المعلمين، أو الأطباء، أو المهندسين، أو الإسكان العسكري.
وقد سكنها من قبل العراقيون واللبنانيون ومن قبلهم وجد الفلسطينيون الأردنيون وفلسطينيو غزة فيها ملاذا آمنا كونها ذات إيجار رخيص.
وهؤلاء أيضا قد عانوا ظروفا صعبة كالتهميش من النظام السوري السابق الذي رفض الاعتراف بهم فهم ليسوا من مواطنيه، كما أن الأردن ترفض عودتهم إذ تعتبرهم من المطلوبين، ليشكل هؤلاء جزءا أصيلا من سكان ضاحية درعا.
كما سكنها فيما بعد المتقاعدون العسكريون، والمعلمون المتقاعدون أيضا وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين والاطباء الذين سكنوا الڤلل لتشكل الضاحية خليطاً من فئات مختلفة لا تمت لبعضها بصلة ولا يجمع بينها قاسم مشترك سوى الحيز المكاني.
ورغم كل هذا، فضاحية درعا عند بداية الحرب كانت فارغة لا تحوي الكثير من السكان، بنايات ربما تسكنها عائلة أو عائلتين، فقد كانت في طور البناء ولم تُشغل بعد، كما لم تشكل جاذبا لأبناء المحافظة لسكناها رغم رخص ثمن شققها، إذ لم يتجاوز ثمن الشقة 300 ألف ليرة سورية عندما كان ثمن الدولار 45 ليرة.
ونتيجة كل الأسباب السابقة وجّه الفلسطينيون النازحون من المخيم أنظارهم إليها ليكونوا أول من يسكنها، فإذا بها تزدحم الأقدام عليها، وتغدو الضاحية مخيماً جديداً، ولكن بنكهة عصرية،
ولتتجاوز عدد العائلات في ضاحية درعا أكثر من 500عائلة منذ بداية الحرب ومنهم اليوم آل ((عقاب، السيطري، الحسين، المصري، النعيمي، حبيب، الزياتنة، السواركه، العليان، النقيب، العبد الله، أبو عطا، العميص، الرديف، مصطفى، الياسين، تميم، العيسى، أبو رقطي، زريق، رستم، مفلح، بلال، أبو عمشه، الخليلي، شريفة، أبو عاتوق، أسعد، عبد العال، شاهين، أبو عريضة، أبو ستيتي، عقل الشلالده، الحسن، الفايز، المدهون، عوّاد، قصّاص، نصر، عبد الحميد، حمدان، جنازرة، المبحوح، مطاوع .....)) والقائمة تطول.
لقد نقل فلسطينيو مخيم درعا إلى الضاحية كل أعمالهم ومهاراتهم، فانتشرت محال بيع الفول والفلافل، والحلويات والباعة المتجولون، ومحال تصليح الأحذية، وظهر السمكري، الحداد، النجار، سائق التكسي، المعلم، المحامي، الممرض، الموظف، كلهم فلسطينيون من أبناء المخيم.
وهناك من الطبقة المثقفة الشاعر الكبير راسم المدهون من مواليد غزة وهو رفيق محمود درويش ومعين بسيسو وإبراهيم طوقان وتوفيق زياد وعبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي، وأخوه ربعي المدهون غني عن الذكر فهو أول فلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة بجائزة البوكر العربية، كما أن للشاعر راسم المدهون ابناً لا يقل عن أبيه مكانة وهو غياث المقيم في السويد، الحائز على جوائز عالمية.
وحتى لا تتوقف مسيرة التعليم والتعلم لأبناء المخيم استأجرت الأونروا ثانوية بنات الضاحية بدوام مسائي لتضم أبناء الفلسطينيين وتدعى مدرسة طيطبا التي كانت في المخيم وبنفس الكادر القديم، ولتستمر هذه المدرسة إلى يومنا هذا.
معاناة تثقل الكاهل
إن الناظر لأبنية الضاحية وفللها الجميلة لن يصدق أنه يقبع بينها نازحون فلسطينيون عانوا بالأمس ومازالوا يعانون، وقد ابتدأت هذه المعاناة منذ لحظة الخروج من المخيم وخسارة كل شيء، واستمرت هذه المعاناة في حي الضاحية من خلال السكن في أبنية تفتقد أدنى المتطلبات الأساسية، فالدار ليس بها نوافذ ولا كهرباء ولا ماء ولا أي شيء من الخدمات، مجرد جدران من البلوك، وهذا ما شكل عقبة في وجه هؤلاء النازحين ، ومع ذلك استطاعوا التغلب عليها رغم ضعف إمكانياتهم، كما ساهمت مجموعة من المنظمات الدولية بالتخفيف من معاناتهم من خلال توصيل الكهرباء لمساكنهم.
وتبدأ الحلقة الأصعب عام 2018 والتي بدأت فيها محنة جديدة للنازحين من الفلسطينين وهي فرض إيجارات مرتفعة جدا عليهم، وهنا لابد من بيان أن عدداً كبيراً من العوائل الفلسطينية بعد اتفاق التسوية ٢٠١٨ بين أهالي درعا والنظام السوري البائد برعاية روسية والذي أتاح الفرصة للأهالي للعودة إلى أحيائهم، قد عادوا إليها مسرعين، لكن فرحتهم بالعودة إلى الديار أطفأتها صدمتهم بمشاهد الخراب الذي حل فيها.
دمار كبير حل بالأبنية السكنية والبنية التحتية، وكثير من الأهالي بيوتهم وقد سويت بالأرض، ومن حالفه الحظ وجد منزله مدمرا بشكل جزئي.
وهنا يبدأ الفصل الاول من الحكاية، أين يسكن هؤلاء الفلسطينيون؟ إذ بدأ كثير من السوريين يعودون لممتلكاتهم ومنازلهم لاستكمال بنائها أو لبيعها، وهنا وقع الفلسطينيون بين مطرقة المؤجرين وسندان أصحاب البيوت الذين يريدون بيع بيوتهم المؤجرة أو المسكونة ماذا يفعلون، أين يمضون؟!
هناك كثيرون تعرضوا للطرد من البيوت والڤلل بقوة القانون، إذ وجدوا أنفسهم في الشوارع، فبعد أن كانوا يحرسون هذه البيوت صاروا مطالبين بتركها، لذلك قرروا العودة إلى المخيم
والاحتماء ببعض جدرانه الصامدة، فيما فضل آخرون العودة وترميم غرفة أو غرفتين بدلاً من الوقوع تحت رحمة المؤجرين.
على حين وجدنا آخرين يضطرون للبقاء بالضاحية نتيجة افتقاد متطلبات الأمن والأمان هناك في المخيم وانتفاء الخدمات، وهنا اندرج هؤلاء الباقون تحت فئات ثلاثة:
فئة اضطرت البقاء بالڤلل التي تدعى ب((العضم))، تدفع أجرتها التي تبدو أقل وطأة من الشقق فهذه الڤلل أجرتها حوالي 30دولار وتسكنها عائلتان أو ثلاثة، فيما نجد أصحاب الشقق يطالبون ب١٠٠دولار أو أقل قليلاً، وهو رقم لا يتسق مع متوسط الرواتب في سوريا 25ل30دولاراً.
وقد قمنا بمقابلات مع بعض أصحاب هذه الڤلل لنطلع على معاناتهم في السكن:
ص. ع ٦٠ سنة، رجل بسيط يعاني من حالة مرضية صعبة، يعمل ناطوراً، لديه ابن يعمل عامل تنظيفات أما بقية أبنائه من الذكور والإناث فهم مرضى، وقد اضطر لترك الڤيلا بعد إخراجه منها، واليوم يقيم في إحدى الشقق بعد تبرع أحد المحسنين دفع إيجارها، وهو في رعب من توقف هذا المحسن عن دفع الإيجار المرتفع جداً.
م. ر 60 سنة، عزباء تسكن مع أختها العزباء أيضا ومع ذلك تم إخراجهما من الڤيلا التي سكنتاها منذ 2011، لتضطران البحث عن شقة ودفع ثمن باهض يقارب ١٠٠ دولار.
م. خ45 سنة عاماً، عامل بسيط يسكن في إحدى الڤلل، وهو يعاني من مرض عقلي، وتخشى زوجته طردمن الڤيلا.
فيما فضل آخرون اللجوء إلى الابراج الشبابية، كونها ما تزال في طور البناء، وبرغم خلوها من الخدمات اضطر الكثيرون للسكن فيها ريثما يجدون مأوى يكتنفهم.
س. ع مطلقة 60سنة، اضطرت للسكن فيه حتى 2024لتصاب بالسرطان وتموت على إثره، إذ لم تجد مكانا تلجأ إليه.
الفئة الثانية: سكنت شققاً ودفعت إيجارات منذ أول أيام الحرب والنزوح، إلا أن أصحاب الشقق نتيجة توقف الحرب 2018, وندرة البيوت وتزايد الطلب على السكن، ازدادت الإيجارات عشرة أضعاف، بل وصلت حتى 100 دولار أو يزيد، وهذا الرقم لا يملكه إلا ذو حظ عظيم، يملك ولداً أو أخاً مسافراً يساعده في تكاليف السكن.
ومع كل هذا فهؤلاء يتعرضون للطرد بمجرد ظهور من يدفع أكثر وهذا ما جعل الفلسطينين في رعب من هذا المصير.
م. ع ٥٧ سنة، استأجر بيتا وقام بدهانه، ولم يمض شهرين إلا وصاحب البيت يأتي بأناس كي يروا البيت، فقد عرضه للبيع.
ف. ح ٦٠ سنة، عامل بسيط يعمل في بيع الفواكه صاحب عائلة كبيرة، يدفع ما يقارب ٧٠ دولارا وهو مهدد بأي لحظة بترك بيته إما لبيعه أو رفع إيجاره، وهو في حالة خوف على أولاده الصغار وأغلبهم من البنات، ولولا دعم الأونروا المالي لما استطاع الصمود حتى اللحظة، وكله على حساب إطعام أولاده.
الفئة الثالثة: تسكن بيوتاً سافر أصحابها إلى أوروبا، فهم أشبه بالحراسة عليها وتبقى هذه الفئة أكثر راحة من الفئتين السابقتين وإن أبدى بعضهم مخاوفهم من عودة أصحاب البيوت والڤلل أو إعطائها لأقاربهم.
خ. ع 70سنة، يسكن في شقة مع زوجته، كون أصحاب الشقة كانوا يبحثون عن زوج وزوجة بلا أولاد، وقد أكد المسن خوفه من تغير هذا الواقع، فليس له سوى ولد يقيم في بيت المخيم وهو عبارة عن غرفتين.
واخيرا، يبقى الفلسطينيون الخاسر الأكبر من الحرب التي حصدت كثيرا من أبنائهم، ودمرت ممتلكاتهم، وهجرتهم من دورهم ليصبحوا أسرى للمؤجرين الذين يبيعون ويشترون بهم كيفما شاؤوا، واقع اضطرنا لتسليط الضوء على معاناتهم لإيجاد الحلول الناجعة، فقد أصبح الفلسطينيون بين خيارين لا ثالث لهما إما العودة للمخيم والسكن في بيوتهم المهدمة أو البقاء في حي الضاحية وتحملهم ابتزاز المؤجرين والطرد.