map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

أنشودة اللاجئ.. قصيدة الهوية الممزقة

تاريخ النشر : 10-05-2025
أنشودة اللاجئ.. قصيدة الهوية الممزقة

نضال الخليل مجموعة العمل

في مخيّم اللاجئين، تعزف الأشباح سيمفونيةَ الألم خلف ستائرٍ من دخان البنادق، حيث تتراقص ظلالُ المقابر على جدران الخيام كما لو أنها رقصةُ وداعٍ أبديّ. هنا لا مجد للشعارات ولا سلطان للأناشيد الحماسية، فالصمتُ ثوبٌ مُرتدَى وخاتمٌ يجسد مأساتنا. وفي زاويةٍ موحشة، ترتمي طفلةٌ على رصيفٍ مُتصدّع، ترتجف من بردٍ لا علاقة له بالشتاءِ، بل هو بردُ بطء العالم في قصفه لحاضرنا وانطفائه في لحظةٍ واحدة.

يتعثر اللاجئ في مفترقِ طريقين:

أن يظلّ أسيرَ أطلال بيته المحترق، فتُلفّه أنقاضُ الذكرى وتبتلعه الأرقامُ المحفورة على القبور، أو أن يركبَ سفينةَ اللجوء المحطمة مسبقًا، يلومها على تهالكها، لكنها تبقى خيارًا وحيدًا لعبور بحار الجوازات المهترئة.

وفي كلا الخيارين، تتشابكُ الخيباتُ كهمساتٍ ملغومة:

فالأولى تختم التاريخ بحروفٍ سوداء، والثانية تثبت أن الحلم قد صار رقمًا ذابلًا على ورقةٍ لا تلتفت إلى وجع اليدين اللتين كتبتاه.

وعندما تُعدُّ وعودُ “العودة” صفحاتٍ من كتابٍ ممضوغ، تظهر الفراغاتُ بين السطور كجروحٍ مفتوحة، لا رفٌّ يحتضنُ الكتاب ولا عنوانٌ يعرّف بمضمونه، إنما بياضٌ قاتمٌ يهبط على الروحِ كرمادٍ لا يُمحى، فيصبح اللاجئُ تائهًا في نصٍّ بلا سياق يرددُه في طرقاته كأنها أغنيةٌ بلا لحنٍ، وقافيةٌ بلا كلمةٍ تُشفى بها الجراح.

اختزلت الفصائلُ السياسيةُ دورها إلى توزيع الطرود ورعاية الصفحات المدرسية، كما لو أنها نسيت أن الحياةَ تبدأ بالكلمة قبل أن تبدأ بالخبز.

صارت مظاهرُ المقاومة طيفًا باهتًا، وهندسةً باردةً من خرائط المساعدات، وتمثيلًا مسرحيًّا على خشبةِ الخوف. أُقفلَت الكلمةُ المؤثرةُ داخل أقفاصٍ من البروتوكولات، وتحوّلتِ الهتافاتُ إلى همهمةٍ لا تجدُ من يستمع إليها.

تلك “البطاقةُ المؤقتة” ليست سوى مرآةٍ مشروخة تعكس صورةً مشتّتةً لعابرٍ يختبئ خلف قضبان الأمل الزائف، تمنحك حقوقًا صغيرةً هنا وأخرى أصغر هناك، ثم تجرّدُك من حقٍّ أكبر يُفترض أن يكون أصيلًا، حق العودة، كأنك تأخذ قربة ماءٍ من يدِ عابثٍ لا همّ له سوى صنع مأساتك، ثم يسحبها منك ويتركك تائهًا تسأل:

من أنا في هذه الرواية التي يكتبها الآخرون؟

والوكالةُ الدولية التي كانت سفيرةَ الرحمة صارت أجنحةً مقطوعةً لا تسمح لها بالتحليق، فُقدَ صوتُها في دوائرِ الرقابة، وتحولت أدواتُها إلى همهمةٍ مكتومةٍ في أروقة الصمت، تعجز عن إنقاذ شظايا إنسانيتنا المبعثرة.

أمام هذا المشهد، تنفتح أربع بواباتٍ في متاهةٍ لا مخرج منها بسهولة:

 . بوابةُ الاندماج، حيث يذوب اللاجئ في ثوبٍ لا يعرف اسمه، فيصبح خيطًا شاحبًا في لحافٍ لا يدفئ.

 . بوابةُ اللجوء الإنساني، حيث تُرمى كرامته في صندوقٍ خشبيّ مزخرفٍ بالمساعدات العابرة، ويصبح حلمه مجرد رقمٍ يُعاد تعبئته كل موسم.

 .بوابةُ التجميد السياسي، حيث تُعطل الساعة ويُجمد البحث عن الحق، فيصير اللاجئ ورقةَ مساومةٍ تُلوّح بها العواصم الكبرى.

 . بوابةُ التمرد الصامت، حيث يهرب قلبه إلى الداخل، يحمل جذوةَ هويته التي لا تنطفئ رغم عواصف التهميش والغربلة.

وفي نهاية الطريق، يظل الفلسطينيُّ السوريُّ ظلًّا يبحث عن وطنٍ لا يُباع بأموالٍ زائلة ولا يُقهر ببطاقاتٍ مروّعة. وبين الشكِّ والإيمان، يكتب حياته قصيدةً مطوّلةً بلا عنوانٍ، تذكّرنا أن الهوية لا تتلاشى، بل تتجلّى

– زهرةً وحيدةً في صخرةٍ قاحلةٍ، صامدةً في وجه الخراب.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21489

نضال الخليل مجموعة العمل

في مخيّم اللاجئين، تعزف الأشباح سيمفونيةَ الألم خلف ستائرٍ من دخان البنادق، حيث تتراقص ظلالُ المقابر على جدران الخيام كما لو أنها رقصةُ وداعٍ أبديّ. هنا لا مجد للشعارات ولا سلطان للأناشيد الحماسية، فالصمتُ ثوبٌ مُرتدَى وخاتمٌ يجسد مأساتنا. وفي زاويةٍ موحشة، ترتمي طفلةٌ على رصيفٍ مُتصدّع، ترتجف من بردٍ لا علاقة له بالشتاءِ، بل هو بردُ بطء العالم في قصفه لحاضرنا وانطفائه في لحظةٍ واحدة.

يتعثر اللاجئ في مفترقِ طريقين:

أن يظلّ أسيرَ أطلال بيته المحترق، فتُلفّه أنقاضُ الذكرى وتبتلعه الأرقامُ المحفورة على القبور، أو أن يركبَ سفينةَ اللجوء المحطمة مسبقًا، يلومها على تهالكها، لكنها تبقى خيارًا وحيدًا لعبور بحار الجوازات المهترئة.

وفي كلا الخيارين، تتشابكُ الخيباتُ كهمساتٍ ملغومة:

فالأولى تختم التاريخ بحروفٍ سوداء، والثانية تثبت أن الحلم قد صار رقمًا ذابلًا على ورقةٍ لا تلتفت إلى وجع اليدين اللتين كتبتاه.

وعندما تُعدُّ وعودُ “العودة” صفحاتٍ من كتابٍ ممضوغ، تظهر الفراغاتُ بين السطور كجروحٍ مفتوحة، لا رفٌّ يحتضنُ الكتاب ولا عنوانٌ يعرّف بمضمونه، إنما بياضٌ قاتمٌ يهبط على الروحِ كرمادٍ لا يُمحى، فيصبح اللاجئُ تائهًا في نصٍّ بلا سياق يرددُه في طرقاته كأنها أغنيةٌ بلا لحنٍ، وقافيةٌ بلا كلمةٍ تُشفى بها الجراح.

اختزلت الفصائلُ السياسيةُ دورها إلى توزيع الطرود ورعاية الصفحات المدرسية، كما لو أنها نسيت أن الحياةَ تبدأ بالكلمة قبل أن تبدأ بالخبز.

صارت مظاهرُ المقاومة طيفًا باهتًا، وهندسةً باردةً من خرائط المساعدات، وتمثيلًا مسرحيًّا على خشبةِ الخوف. أُقفلَت الكلمةُ المؤثرةُ داخل أقفاصٍ من البروتوكولات، وتحوّلتِ الهتافاتُ إلى همهمةٍ لا تجدُ من يستمع إليها.

تلك “البطاقةُ المؤقتة” ليست سوى مرآةٍ مشروخة تعكس صورةً مشتّتةً لعابرٍ يختبئ خلف قضبان الأمل الزائف، تمنحك حقوقًا صغيرةً هنا وأخرى أصغر هناك، ثم تجرّدُك من حقٍّ أكبر يُفترض أن يكون أصيلًا، حق العودة، كأنك تأخذ قربة ماءٍ من يدِ عابثٍ لا همّ له سوى صنع مأساتك، ثم يسحبها منك ويتركك تائهًا تسأل:

من أنا في هذه الرواية التي يكتبها الآخرون؟

والوكالةُ الدولية التي كانت سفيرةَ الرحمة صارت أجنحةً مقطوعةً لا تسمح لها بالتحليق، فُقدَ صوتُها في دوائرِ الرقابة، وتحولت أدواتُها إلى همهمةٍ مكتومةٍ في أروقة الصمت، تعجز عن إنقاذ شظايا إنسانيتنا المبعثرة.

أمام هذا المشهد، تنفتح أربع بواباتٍ في متاهةٍ لا مخرج منها بسهولة:

 . بوابةُ الاندماج، حيث يذوب اللاجئ في ثوبٍ لا يعرف اسمه، فيصبح خيطًا شاحبًا في لحافٍ لا يدفئ.

 . بوابةُ اللجوء الإنساني، حيث تُرمى كرامته في صندوقٍ خشبيّ مزخرفٍ بالمساعدات العابرة، ويصبح حلمه مجرد رقمٍ يُعاد تعبئته كل موسم.

 .بوابةُ التجميد السياسي، حيث تُعطل الساعة ويُجمد البحث عن الحق، فيصير اللاجئ ورقةَ مساومةٍ تُلوّح بها العواصم الكبرى.

 . بوابةُ التمرد الصامت، حيث يهرب قلبه إلى الداخل، يحمل جذوةَ هويته التي لا تنطفئ رغم عواصف التهميش والغربلة.

وفي نهاية الطريق، يظل الفلسطينيُّ السوريُّ ظلًّا يبحث عن وطنٍ لا يُباع بأموالٍ زائلة ولا يُقهر ببطاقاتٍ مروّعة. وبين الشكِّ والإيمان، يكتب حياته قصيدةً مطوّلةً بلا عنوانٍ، تذكّرنا أن الهوية لا تتلاشى، بل تتجلّى

– زهرةً وحيدةً في صخرةٍ قاحلةٍ، صامدةً في وجه الخراب.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21489