سعيد سليمان ـ مجموعة العمل
مع انقشاع غبار الحرب تدريجياً وظهور ملامح استقرار سياسي في سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، تتجه الأنظار نحو إعادة رسم خريطة البلاد بكل مكوناتها. وفي قلب هذا التحول التاريخي، يبرز سؤال مصيري: ما هو الدور المنتظر ومكانة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الجديدة؟
هؤلاء الفلسطينيون، الذين استوطنوا البلاد منذ نكبة عام 1948 وتوالت عليهم النكبات والنزوح، يشكّلون مجتمعًا متجذرًا داخل النسيج السوري. ومع دخول البلاد مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، الذي سقط في ديسمبر 2024، تزداد الحاجة لإعادة التفكير في أوضاعهم القانونية والسياسية والاجتماعية ضمن إطار إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية.
جذور عميقة وعقود من الاندماج
لطالما كانت سوريا من بين الدول المضيفة الأبرز للفلسطينيين، إذ تشير إحصاءات وكالة الأونروا إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في البلاد قبيل الثورة السورية عام 2011 بلغ نحو 560,000 لاجئ. وقد تمتع هؤلاء، بشكل عام، بمجموعة من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، مثل العمل والتعليم والرعاية الصحية، مع استثناء واضح لحقوق المشاركة السياسية مثل التصويت والترشح.
هذا الوضع القانوني الخاص ساهم في اندماج نسبي للفلسطينيين داخل المجتمع السوري، مع حفاظهم على هويتهم الوطنية الفلسطينية، ما خلق توازناً هشاً بين الانتماءين: لسوريا كمكان معيشة، ولفلسطين كوطن لا يزالون يحلمون بالعودة إليه.
النكبة الثانية: آثار الحرب على اللاجئين الفلسطينيين
اندلاع الصراع السوري عام 2011 شكّل ضربة مدمرة للفلسطينيين في سوريا، حيث لم يكن وضعهم أفضل من السوريين في ظل الحرب، بل زادت معاناتهم بتدمير البنية التحتية في المخيمات التي شكلت رموزاً للوجود الفلسطيني.
بحسب تقارير الأونروا، فقد تراجع عدد اللاجئين الفلسطينيين المتبقين في سوريا إلى نحو 438,000 شخص بحلول عام 2020، نزح منهم أكثر من 60% داخليًا، فيما لجأ أكثر من 120,000 آخرين إلى بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا وأوروبا.
أبرز الأمثلة على الدمار الذي لحق بهذه التجمعات هو مخيم اليرموك في جنوب دمشق، الذي كان يُعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني ويأوي قرابة 160,000 لاجئ قبل الثورة، اليوم، أكثر من 80% من منازله مدمرة، مع دمار شبه كلي في بنيته التحتية، نتيجة سنوات من القتال والحصار.
ومع اشتداد المعارك في مناطق عدة، تحولت خمسة من أصل 12 مخيماً فلسطينياً إلى مناطق مدمرة أو غير قابلة للوصول، مثل عين التل، درعا، اليرموك، سبينة، وخان الشيح.
ما بعد الأسد: مرحلة جديدة أم أزمة مستمرة؟
في 8 ديسمبر 2024، أعلنت قوى المعارضة السورية عن سقوط نظام بشار الأسد، مما فتح الباب أمام ترتيبات سياسية جديدة، شملت مشاورات حول دستور جديد، إعادة الإعمار، والمصالحة الوطنية، لكن بالنسبة للفلسطينيين في سوريا، فإن هذه المرحلة تحمل طيفاً من التحديات والفرص.
فرص العودة... المشروطة بالواقع
بدأت عشرات العائلات بالعودة إلى مخيماتها السابقة، وعلى رأسها اليرموك، لكن هذه العودة تصطدم بحقيقة الدمار الهائل والبنية التحتية المنهارة، كما أن استعادة هذه المخيمات تتطلب دعماً دولياً واسع النطاق، ليس فقط لإعادة الإعمار، بل لضمان بيئة آمنة ومستقرة.
نحو تسوية قانونية عادلة
إحدى أبرز النقاط المطروحة حالياً هي الوضع القانوني للفلسطينيين في ظل النظام الجديد، فهناك دعوات متزايدة لمنحهم الجنسية السورية أو على الأقل توفير مسارات قانونية واضحة تضمن حقوقهم الأساسية، وتُعزز من اندماجهم المجتمعي دون المساس بحق العودة إلى فلسطين.
مشاركة سياسية: بين الواقع والطموح
على الرغم من تاريخ الحياد السياسي النسبي الذي اتبعته الأنظمة السابقة تجاه الفلسطينيين، تطرح المرحلة الجديدة إمكانية انخراطهم في الحياة السياسية، سواء من خلال التمثيل في المجالس المحلية أو عبر منظمات المجتمع المدني، وهو ما سيساهم في تعزيز شعورهم بالمواطنة والانتماء الفعلي.
القلق من استمرار الاضطراب
ورغم التغيرات السياسية الجذرية، فإن عدم الاستقرار لا يزال سيد الموقف، حيث تتصارع قوى متعددة داخل البلاد، في ظل هشاشة أمنية مستمرة الفلسطينيون، كجماعة لا تملك قوة مسلحة أو نفوذ سياسي كبير، معرضون بشكل خاص لمخاطر هذه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك العنف الطائفي، والنزاعات بين الفصائل.
نظرة إلى المستقبل
لا شك أن الطريق نحو سوريا جديدة لا يمكن أن يكون مكتملاً دون معالجة جادة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فهم جزء لا يتجزأ من التاريخ المعاصر لسوريا، واستمرار تهميشهم سيُفرّغ كل حديث عن العدالة والمصالحة من مضمونه.
فهل تكون مرحلة ما بعد الأسد بوابة لعدالة تاريخية طال انتظارها؟
أم ستظل معاناة الفلسطينيين في سوريا امتداداً لنكبتهم الأولى، فقط بوجه جديد؟
في كلا الحالتين، تبقى مسؤولية الحكومة السورية الجديدة، والمنظمات المعنية، الاعتراف بحقوقهم والعمل الجاد لإدماجهم كجزء أصيل من مستقبل سوريا.
سعيد سليمان ـ مجموعة العمل
مع انقشاع غبار الحرب تدريجياً وظهور ملامح استقرار سياسي في سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، تتجه الأنظار نحو إعادة رسم خريطة البلاد بكل مكوناتها. وفي قلب هذا التحول التاريخي، يبرز سؤال مصيري: ما هو الدور المنتظر ومكانة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الجديدة؟
هؤلاء الفلسطينيون، الذين استوطنوا البلاد منذ نكبة عام 1948 وتوالت عليهم النكبات والنزوح، يشكّلون مجتمعًا متجذرًا داخل النسيج السوري. ومع دخول البلاد مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد، الذي سقط في ديسمبر 2024، تزداد الحاجة لإعادة التفكير في أوضاعهم القانونية والسياسية والاجتماعية ضمن إطار إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية.
جذور عميقة وعقود من الاندماج
لطالما كانت سوريا من بين الدول المضيفة الأبرز للفلسطينيين، إذ تشير إحصاءات وكالة الأونروا إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في البلاد قبيل الثورة السورية عام 2011 بلغ نحو 560,000 لاجئ. وقد تمتع هؤلاء، بشكل عام، بمجموعة من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، مثل العمل والتعليم والرعاية الصحية، مع استثناء واضح لحقوق المشاركة السياسية مثل التصويت والترشح.
هذا الوضع القانوني الخاص ساهم في اندماج نسبي للفلسطينيين داخل المجتمع السوري، مع حفاظهم على هويتهم الوطنية الفلسطينية، ما خلق توازناً هشاً بين الانتماءين: لسوريا كمكان معيشة، ولفلسطين كوطن لا يزالون يحلمون بالعودة إليه.
النكبة الثانية: آثار الحرب على اللاجئين الفلسطينيين
اندلاع الصراع السوري عام 2011 شكّل ضربة مدمرة للفلسطينيين في سوريا، حيث لم يكن وضعهم أفضل من السوريين في ظل الحرب، بل زادت معاناتهم بتدمير البنية التحتية في المخيمات التي شكلت رموزاً للوجود الفلسطيني.
بحسب تقارير الأونروا، فقد تراجع عدد اللاجئين الفلسطينيين المتبقين في سوريا إلى نحو 438,000 شخص بحلول عام 2020، نزح منهم أكثر من 60% داخليًا، فيما لجأ أكثر من 120,000 آخرين إلى بلدان مثل لبنان والأردن وتركيا وأوروبا.
أبرز الأمثلة على الدمار الذي لحق بهذه التجمعات هو مخيم اليرموك في جنوب دمشق، الذي كان يُعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني ويأوي قرابة 160,000 لاجئ قبل الثورة، اليوم، أكثر من 80% من منازله مدمرة، مع دمار شبه كلي في بنيته التحتية، نتيجة سنوات من القتال والحصار.
ومع اشتداد المعارك في مناطق عدة، تحولت خمسة من أصل 12 مخيماً فلسطينياً إلى مناطق مدمرة أو غير قابلة للوصول، مثل عين التل، درعا، اليرموك، سبينة، وخان الشيح.
ما بعد الأسد: مرحلة جديدة أم أزمة مستمرة؟
في 8 ديسمبر 2024، أعلنت قوى المعارضة السورية عن سقوط نظام بشار الأسد، مما فتح الباب أمام ترتيبات سياسية جديدة، شملت مشاورات حول دستور جديد، إعادة الإعمار، والمصالحة الوطنية، لكن بالنسبة للفلسطينيين في سوريا، فإن هذه المرحلة تحمل طيفاً من التحديات والفرص.
فرص العودة... المشروطة بالواقع
بدأت عشرات العائلات بالعودة إلى مخيماتها السابقة، وعلى رأسها اليرموك، لكن هذه العودة تصطدم بحقيقة الدمار الهائل والبنية التحتية المنهارة، كما أن استعادة هذه المخيمات تتطلب دعماً دولياً واسع النطاق، ليس فقط لإعادة الإعمار، بل لضمان بيئة آمنة ومستقرة.
نحو تسوية قانونية عادلة
إحدى أبرز النقاط المطروحة حالياً هي الوضع القانوني للفلسطينيين في ظل النظام الجديد، فهناك دعوات متزايدة لمنحهم الجنسية السورية أو على الأقل توفير مسارات قانونية واضحة تضمن حقوقهم الأساسية، وتُعزز من اندماجهم المجتمعي دون المساس بحق العودة إلى فلسطين.
مشاركة سياسية: بين الواقع والطموح
على الرغم من تاريخ الحياد السياسي النسبي الذي اتبعته الأنظمة السابقة تجاه الفلسطينيين، تطرح المرحلة الجديدة إمكانية انخراطهم في الحياة السياسية، سواء من خلال التمثيل في المجالس المحلية أو عبر منظمات المجتمع المدني، وهو ما سيساهم في تعزيز شعورهم بالمواطنة والانتماء الفعلي.
القلق من استمرار الاضطراب
ورغم التغيرات السياسية الجذرية، فإن عدم الاستقرار لا يزال سيد الموقف، حيث تتصارع قوى متعددة داخل البلاد، في ظل هشاشة أمنية مستمرة الفلسطينيون، كجماعة لا تملك قوة مسلحة أو نفوذ سياسي كبير، معرضون بشكل خاص لمخاطر هذه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك العنف الطائفي، والنزاعات بين الفصائل.
نظرة إلى المستقبل
لا شك أن الطريق نحو سوريا جديدة لا يمكن أن يكون مكتملاً دون معالجة جادة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فهم جزء لا يتجزأ من التاريخ المعاصر لسوريا، واستمرار تهميشهم سيُفرّغ كل حديث عن العدالة والمصالحة من مضمونه.
فهل تكون مرحلة ما بعد الأسد بوابة لعدالة تاريخية طال انتظارها؟
أم ستظل معاناة الفلسطينيين في سوريا امتداداً لنكبتهم الأولى، فقط بوجه جديد؟
في كلا الحالتين، تبقى مسؤولية الحكومة السورية الجديدة، والمنظمات المعنية، الاعتراف بحقوقهم والعمل الجاد لإدماجهم كجزء أصيل من مستقبل سوريا.