map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

بين التمثيل والمساءلة..لماذا لم تنشأ رقابة شعبية فلسطينية؟

تاريخ النشر : 10-06-2025
بين التمثيل والمساءلة..لماذا لم تنشأ رقابة شعبية فلسطينية؟

ماهر حسن شاويش

في هذا النص، نواكب تحضيرات الدعوة لإطلاق مبادرة فلسطينيي سورية للرقابة الشعبية - مرصد ونسأل بصراحة: من يُمثّل الفلسطينيين فعلًا؟ من يُسائل من؟ وهل تأخر حضور الرقابة الشعبية حتى تحوّلت بعض المؤسسات من أدوات تمثيل إلى جدران عزل ؟
في كل محطة سياسية تمر بها القضية الفلسطينية، تبرز الفجوة الصارخة بين من يدّعون تمثيل الناس، وبين الناس أنفسهم.
سنوات طويلة مضت، تغيّرت خلالها الخرائط والفصائل والخطابات، لكن شيئاً أساسياً لم يتغيّر ، غياب أي رقابة شعبية حقيقية على مَن يُفترض أنهم يتحدثون باسمنا.
منظمة التحرير وُلدت كجبهة وطنية، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى بنية مغلقة، تُمنَح فيها الشرعية مرة واحدة، وتُسحب – إن سُحبت – من أعلى، لا من القاعدة.
السلطة الفلسطينية وُصفت بـ"نواة الدولة"، لكنها فشلت في بناء آليات مساءلة ديمقراطية، وباتت أقرب إلى نظام إداري متوارث لا سياسي منتخب.
أما الفصائل، فلكل منها أدواتها، لكن لا أحد فيها فتح أبوابه للمساءلة من قبل جمهوره، بل بالكاد يتحمّل النقد الداخلي وغالباً لا يتحمله ويقصي ويهمّش من يمارسه أو حتى من يؤمن به ؟!
وفي الشتات، حيث يُفترض أن المخيمات أكثر تماسّاً مع الناس، بقيت "اللجان الشعبية" أذرعاً فصائلية، أو ملحقات أمنية في كثير من الأحيان.
لا انتخابات، لا شفافية مالية، ولا تقارير أداء ، وما من أحد يسأل: من اختاركم؟ ما الذي أنجزتموه؟ أين الخطأ؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟
هذا ليس مجرد خلل إداري، بل ثقافة سياسية كاملة تأسّست على "التمثيل المطلق" بلا رقابة.
نقد الفصيل يُعتبر خيانة، ومساءلة القيادة تُفهم كتهديد للوحدة، والسؤال يُجاب عليه بالصمت أو الاتهام.
وهنا لعلّ السؤال الأهم لا يتعلّق فقط بمن في “القيادة ”، بل أيضاً بمن في “القاعدة ”.
لماذا لم تُطالب الناس أنفسها بالرقابة؟ لماذا خفَت الصوت الشعبي، حتى حين تضاعفت الأثمان وكانت من دم ودمار ؟
ربما لأن الخوف كان أكبر من الأمل، أو لأن طول الإقصاء ولّد قناعة بأن لا جدوى من المحاسبة. وربما لأن الوعي الرقابي لم يتجذّر أصلاً في التجربة الفلسطينية، فتم الخلط بين المساءلة والانقسام، وبين النقد والتخوين.
في الشتات، خصوصاً ، حيث القرارات تُتخذ من مسافات بعيدة عن المخيمات والمصائر اليومية، تتسع الفجوة بين مَن “يمثل”، ومَن يعيش تبعات التمثيل.
جيل كامل نشأ بعد النكبة ، لم يُستشر في تمثيله، لكنه مطالب بتحمّل كل ما يُقرَّر باسمه. فهل من العدل أن يُتوقّع منه الصمت أيضاً ؟
من هنا، تأتي أهمية إطلاق مبادرات رقابية شعبية ، ليس فقط في سياق فلسطينيي سورية، بل كعلامة تحوّل في الوعي الفلسطيني كله.
أن تُراقِب لا يعني أن تُعارض كل شيء .
وأن تُسائِل لا يعني أنك تتآمر.
وأن تُصر على الشفافية لا يعني أنك تتصيّد أخطاء الآخرين.
بل العكس تماماً ، أنت تُسائل لأنك تصدّق أن هذه القضية أمانة، لا سلطة. وأن التمثيل ليس تفويضاً أبدياً ، بل مسؤولية يُحاسَب صاحبها.
الرقابة الشعبية ليست ترفاً نظرياً ، إنها جزء من معركة الكرامة والعدالة.
ومن لا يخضع للمساءلة اليوم، سيعيد إنتاج ما فشلت به "القيادات التاريخية" في الماضي.
وإن كان الفلسطيني لا يستطيع محاسبة من يدّعي أنه يمثله فلماذا مطلوب منه أن يدفع ثمن تورط هذا الممثل وصمته وتخاذله ؟
تُرى هل لدينا رقابة شعبية فلسطينية حقيقية؟
قد يُقال رداً على الحديث عن غياب الرقابة الشعبية الفلسطينية: نعم لدينا أطر رقابية مثل المجلس الوطني، المجلس التشريعي، ديوان الرقابة، اللجان الشعبية، وغيرها.
لكن الحقيقة أن المسألة ليست في وجود الأسماء، بل في وظائفها الحقيقية وأثرها الفعلي.
السؤال ليس: هل وُجدت؟ بل: هل مارست فعلياً الرقابة المستقلة على أطر المنظمة التنفيذية أو السلطة أو الفصائل أو غيرها من المؤسسات والهيئات ؟ وهل كانت مساءلتها فعالة؟
1. المجلس الوطني الفلسطيني
- لم يُنتخب شعبياً منذ تأسيسه.
- يجتمع وفق الحاجة السياسية للقيادة، لا لمساءلتها.
- يُستخدم للتصديق، لا للمحاسبة.
- لا لجان رقابية مستقلة، ولا محاضر علنية.
[✅] النتيجة: جهاز " تمثيلي " أحادي الاتجاه، لا يمارس رقابة شعبية حقيقية.
2. المجلس التشريعي الفلسطيني
- عُلّقت أعماله منذ 2007.
- لم يُسمح له بمساءلة السلطة التنفيذية فعلياً .
- لا دور له في الرقابة على الوزرات والسفارات أو الفصائل أو أي من المؤسسات التنفيذية
[✅] النتيجة: تجربة محدودة، أُقصيت وتحولت لأداة سياسية.
3. ديوان الرقابة المالية والإدارية
- تابع للرئيس إدارياً ومالياً.
- تقاريره ليست علنية دائماً.
- لا يترتب على تقاريره مساءلة فعلية.
- لا علاقة له بحقوق اللاجئين أو التمثيل السياسي.
[✅] النتيجة: دور إداري محدود، لا سلطة رقابية مستقلة.
4. اللجان الشعبية في المخيمات
- تُعيّن ولا تُنتخب.
- تُمثّل الفصائل لا اللاجئين .
- لا تقارير، لا شفافية، ولا مساءلة.
[✅] النتيجة: أداة فصائلية، لا تمثيل شعبي.
5. الرقابة داخل الفصائل؟
- وُجد ما يسمى بالنقد الذاتي، لكنه ظل داخلياً .
- لم يتحول إلى مساءلة علنية أو دور مجتمعي.
- غالباً يُقصى من ينتقد، بدلاً من الاستماع له.
[✅] النتيجة: رقابة حزبية منغلقة على ذاتها ، لا رقابة مجتمعية.
 الخلاصة:
ما وُجد كان شكلاً بلا مضمون، وأطراً بلا أدوات، وسلطات بلا شعب.
الرقابة الشعبية التي ننادي بها هي سلطة الناس على من يزعم تمثيلهم، لا رقابة القيادة على نفسها.
وإذا لم نفتح هذا الباب الآن، فسنظل نعيد إنتاج الصمت، ثم نطالب بالتغيير ونحن نخشى ثمنه .
أخيراً ،
إذا كانت الفصائل والقيادات والمؤسسات لا تريد أن تسمع، فعلى الناس أن تتكلم.
وإذا لم تُسأل السلطة اليوم، فستستمر في التحدث باسمنا إلى الأبد، دون أن تمثلنا حقّاً.
مبادرة الرقابة الشعبية التي ندعو إليها ليست ردّ فعل عابر، بل مشروع وعي دائم.
وعيٌ يقول بوضوح:
“أنا من يقرّر من يمثّلني، وأنا من يُسائل من يتحدّث باسمي " .

 كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21613

ماهر حسن شاويش

في هذا النص، نواكب تحضيرات الدعوة لإطلاق مبادرة فلسطينيي سورية للرقابة الشعبية - مرصد ونسأل بصراحة: من يُمثّل الفلسطينيين فعلًا؟ من يُسائل من؟ وهل تأخر حضور الرقابة الشعبية حتى تحوّلت بعض المؤسسات من أدوات تمثيل إلى جدران عزل ؟
في كل محطة سياسية تمر بها القضية الفلسطينية، تبرز الفجوة الصارخة بين من يدّعون تمثيل الناس، وبين الناس أنفسهم.
سنوات طويلة مضت، تغيّرت خلالها الخرائط والفصائل والخطابات، لكن شيئاً أساسياً لم يتغيّر ، غياب أي رقابة شعبية حقيقية على مَن يُفترض أنهم يتحدثون باسمنا.
منظمة التحرير وُلدت كجبهة وطنية، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى بنية مغلقة، تُمنَح فيها الشرعية مرة واحدة، وتُسحب – إن سُحبت – من أعلى، لا من القاعدة.
السلطة الفلسطينية وُصفت بـ"نواة الدولة"، لكنها فشلت في بناء آليات مساءلة ديمقراطية، وباتت أقرب إلى نظام إداري متوارث لا سياسي منتخب.
أما الفصائل، فلكل منها أدواتها، لكن لا أحد فيها فتح أبوابه للمساءلة من قبل جمهوره، بل بالكاد يتحمّل النقد الداخلي وغالباً لا يتحمله ويقصي ويهمّش من يمارسه أو حتى من يؤمن به ؟!
وفي الشتات، حيث يُفترض أن المخيمات أكثر تماسّاً مع الناس، بقيت "اللجان الشعبية" أذرعاً فصائلية، أو ملحقات أمنية في كثير من الأحيان.
لا انتخابات، لا شفافية مالية، ولا تقارير أداء ، وما من أحد يسأل: من اختاركم؟ ما الذي أنجزتموه؟ أين الخطأ؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟
هذا ليس مجرد خلل إداري، بل ثقافة سياسية كاملة تأسّست على "التمثيل المطلق" بلا رقابة.
نقد الفصيل يُعتبر خيانة، ومساءلة القيادة تُفهم كتهديد للوحدة، والسؤال يُجاب عليه بالصمت أو الاتهام.
وهنا لعلّ السؤال الأهم لا يتعلّق فقط بمن في “القيادة ”، بل أيضاً بمن في “القاعدة ”.
لماذا لم تُطالب الناس أنفسها بالرقابة؟ لماذا خفَت الصوت الشعبي، حتى حين تضاعفت الأثمان وكانت من دم ودمار ؟
ربما لأن الخوف كان أكبر من الأمل، أو لأن طول الإقصاء ولّد قناعة بأن لا جدوى من المحاسبة. وربما لأن الوعي الرقابي لم يتجذّر أصلاً في التجربة الفلسطينية، فتم الخلط بين المساءلة والانقسام، وبين النقد والتخوين.
في الشتات، خصوصاً ، حيث القرارات تُتخذ من مسافات بعيدة عن المخيمات والمصائر اليومية، تتسع الفجوة بين مَن “يمثل”، ومَن يعيش تبعات التمثيل.
جيل كامل نشأ بعد النكبة ، لم يُستشر في تمثيله، لكنه مطالب بتحمّل كل ما يُقرَّر باسمه. فهل من العدل أن يُتوقّع منه الصمت أيضاً ؟
من هنا، تأتي أهمية إطلاق مبادرات رقابية شعبية ، ليس فقط في سياق فلسطينيي سورية، بل كعلامة تحوّل في الوعي الفلسطيني كله.
أن تُراقِب لا يعني أن تُعارض كل شيء .
وأن تُسائِل لا يعني أنك تتآمر.
وأن تُصر على الشفافية لا يعني أنك تتصيّد أخطاء الآخرين.
بل العكس تماماً ، أنت تُسائل لأنك تصدّق أن هذه القضية أمانة، لا سلطة. وأن التمثيل ليس تفويضاً أبدياً ، بل مسؤولية يُحاسَب صاحبها.
الرقابة الشعبية ليست ترفاً نظرياً ، إنها جزء من معركة الكرامة والعدالة.
ومن لا يخضع للمساءلة اليوم، سيعيد إنتاج ما فشلت به "القيادات التاريخية" في الماضي.
وإن كان الفلسطيني لا يستطيع محاسبة من يدّعي أنه يمثله فلماذا مطلوب منه أن يدفع ثمن تورط هذا الممثل وصمته وتخاذله ؟
تُرى هل لدينا رقابة شعبية فلسطينية حقيقية؟
قد يُقال رداً على الحديث عن غياب الرقابة الشعبية الفلسطينية: نعم لدينا أطر رقابية مثل المجلس الوطني، المجلس التشريعي، ديوان الرقابة، اللجان الشعبية، وغيرها.
لكن الحقيقة أن المسألة ليست في وجود الأسماء، بل في وظائفها الحقيقية وأثرها الفعلي.
السؤال ليس: هل وُجدت؟ بل: هل مارست فعلياً الرقابة المستقلة على أطر المنظمة التنفيذية أو السلطة أو الفصائل أو غيرها من المؤسسات والهيئات ؟ وهل كانت مساءلتها فعالة؟
1. المجلس الوطني الفلسطيني
- لم يُنتخب شعبياً منذ تأسيسه.
- يجتمع وفق الحاجة السياسية للقيادة، لا لمساءلتها.
- يُستخدم للتصديق، لا للمحاسبة.
- لا لجان رقابية مستقلة، ولا محاضر علنية.
[✅] النتيجة: جهاز " تمثيلي " أحادي الاتجاه، لا يمارس رقابة شعبية حقيقية.
2. المجلس التشريعي الفلسطيني
- عُلّقت أعماله منذ 2007.
- لم يُسمح له بمساءلة السلطة التنفيذية فعلياً .
- لا دور له في الرقابة على الوزرات والسفارات أو الفصائل أو أي من المؤسسات التنفيذية
[✅] النتيجة: تجربة محدودة، أُقصيت وتحولت لأداة سياسية.
3. ديوان الرقابة المالية والإدارية
- تابع للرئيس إدارياً ومالياً.
- تقاريره ليست علنية دائماً.
- لا يترتب على تقاريره مساءلة فعلية.
- لا علاقة له بحقوق اللاجئين أو التمثيل السياسي.
[✅] النتيجة: دور إداري محدود، لا سلطة رقابية مستقلة.
4. اللجان الشعبية في المخيمات
- تُعيّن ولا تُنتخب.
- تُمثّل الفصائل لا اللاجئين .
- لا تقارير، لا شفافية، ولا مساءلة.
[✅] النتيجة: أداة فصائلية، لا تمثيل شعبي.
5. الرقابة داخل الفصائل؟
- وُجد ما يسمى بالنقد الذاتي، لكنه ظل داخلياً .
- لم يتحول إلى مساءلة علنية أو دور مجتمعي.
- غالباً يُقصى من ينتقد، بدلاً من الاستماع له.
[✅] النتيجة: رقابة حزبية منغلقة على ذاتها ، لا رقابة مجتمعية.
 الخلاصة:
ما وُجد كان شكلاً بلا مضمون، وأطراً بلا أدوات، وسلطات بلا شعب.
الرقابة الشعبية التي ننادي بها هي سلطة الناس على من يزعم تمثيلهم، لا رقابة القيادة على نفسها.
وإذا لم نفتح هذا الباب الآن، فسنظل نعيد إنتاج الصمت، ثم نطالب بالتغيير ونحن نخشى ثمنه .
أخيراً ،
إذا كانت الفصائل والقيادات والمؤسسات لا تريد أن تسمع، فعلى الناس أن تتكلم.
وإذا لم تُسأل السلطة اليوم، فستستمر في التحدث باسمنا إلى الأبد، دون أن تمثلنا حقّاً.
مبادرة الرقابة الشعبية التي ندعو إليها ليست ردّ فعل عابر، بل مشروع وعي دائم.
وعيٌ يقول بوضوح:
“أنا من يقرّر من يمثّلني، وأنا من يُسائل من يتحدّث باسمي " .

 كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21613