map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

زهرة على فوّهة الأمل: قصة سهام بين الذكريات والواقع المرير

تاريخ النشر : 21-06-2025
زهرة على فوّهة الأمل: قصة سهام بين الذكريات والواقع المرير

فايز أبو عيد مجموعة العمل

في طابور المعونات الطويل، حيث تتشابك خيوط الذكريات مع حبال الحاضر المرير، كانت سهام تقف شامخة رغم التعب، بشعرها الأحمر المتراقص تحت أشعة الشمس وابتسامتها التي ما زالت تحمل بريق الماضي، رغم عيونها التي تحمل ظلال الحزن العميق. سهام، الفتاة التي حفظت القرآن عن ظهر قلب، وأتقنت ألفية ابن مالك، وصوتها كان يصدح في المهرجانات المدرسية بذكريات النكبة ودير ياسين وصبرا وشاتيلا، كانت رمزًا للمرح والدعابة في صفها، حتى في مواقفها الطريفة مع مدرّسة القومية التي لقّبوها "السيدة ملعقة".

لكن الحرب قلبت حياة سهام رأسًا على عقب، فقد فقدت عافيتها ووزنها، وتحولت ابتسامتها إلى حزن عميق يرسم أخاديد على وجهها الناصع. عاشت أيامًا عصيبة تنتظر خبر عائلتها التي هاجرت عبر البحر، حيث قضت أكثر من عشرة أيام في قلق وأرق، قبل أن تصلها رسالة والدها التي طمأنتها بوصولهم بسلام. فرحتها لم تقتصر على نفسها، بل شاركتها مع أهل المخيم بتوزيع الخبز مجانًا، كأنها تريد أن تنثر بذور الفرح وسط الألم.

سهام موظفة حكومية، كانت من المتفوقات في دراستها، وأجمل فتيات صفها، عفوية ومرحة، لكنها اليوم تحمل قلبًا ناضجًا مفعمًا بالحب والحنان. تحافظ على عادة الجلوس عصر كل يوم على عتبة بيتها في المخيم، تراقب القطط الكسلى والعصافير التي تلتقط فتات الخبز، مستذكرة والدتها وأيام الطفولة، وتعيش شوقًا عميقًا لعائلتها التي تركتها خلفها. ابنتها أمان، التي تحمل نفس بريق عيونها وغمازتيها، هي أملها الصغير في عالم مضطرب.

زوجها ياسر يبذل جهده ليعوض غياب عائلتها، لكنه يشعر بالحزن العميق في قلب زوجته، التي تغشاها غمامة الأسى. سهام تتحدث يوميًا مع والدتها عبر تطبيق الإيمو، يتبادلان الحديث عن تفاصيل الحياة اليومية، من طهي الطعام إلى صبغات الشعر، في محاولة للحفاظ على روابط العائلة رغم المسافات والظروف الصعبة.

موهبة سهام في الرسم كانت ملجأها للتعبير عن آلامها وأحلامها. رسمت لوحات تعكس واقع الحرب والدمار، لكنها أيضًا تصور الأمل والحياة، مثل زهرة صفراء برية تنبت فوق قذيفة هاون مغطاة بالأتربة، ورسمة عصفور طنان يرشف رحيق الزهر. إحدى لوحاتها التي نشرتها صديقتها في أمريكا حصدت مكافأة مالية، مما منحها شعورًا بالجدوى وسط الظروف القاسية.

تعيش سهام بين الألم والأمل، بين ذكريات الماضي وواقع الحاضر، لكنها تبقى زهرة على فوّهة الأمل، تنمو رغم كل الصعاب، تحمل في قلبها قصة وطن وشعب لا يلين، وتستمر في رسم الحياة بألوانها رغم كل الجراح.

تعشق سهام التسكع في شوارع المخيم رفقة زوجها لتتذكر أيام الخطبة ولياليها العطرة، لكن الإحباط يغشى على قلبها كلما مرت بالقرب من بيوت الشهداء او المعتقلين او بيوت الأقارب والأصدقاء المدمرة بفعل الحرب.

كما أن سهام منذ طفولتها تعشق الفنون جميعها كالشعر والغناء والرسم والموسيقى، وقد كتبت عدة قصائد مميزة عندما كانت في مرحلة الدراسة الثانوية، كم غنّت مرارا في المهرجانات الخطابية أغنية " بلدي يا بلدي أنا عايزة أروح بلدي، بلدي طبرية والعيشة فيها هنية "، لكنها وجدت نفسها، حسب وصفها، بالرسم لأنه الأجدى والأكثر تعبيرا.

بدأت رحلة سهام مع الرسم عندما رسمت قطة جارتها أم سلامة وهي تشرب ماء المطر، ومن ثم رسمت عصفورا دوريا ينقر الحب من على وجه الأرض، لكن اللوحة التي حصلت على المرتبة الثانية في مسابقة محلية هي صورة عصفور طنان يرشف رحيق الزهر بمنقاره الطويل المشرّب بالزّرقة، أخبرتني سهام أن المرتبة الأولى حصل عليها ابن العميد الفلاني – زمن النظام السوري البائد - وهي عبارة عن نملة تجرّ كسرة خبز وهي عبارة عن لوحة عادية جدا حتى من يدقق النظر فيها يعلم تمام العلم أن فكرة اللوحة مسروقة وأنه تم (تعفيشها) من إحدى المجلات.

رسمت سهام الكثير من اللوحات التي تبهج النفس وتؤلمها بنفس الوقت، رسمت لوحة ذات مرة لطفل يركل جنديا من القوات الحكومية وهو يضرب أباه بالكرباج لإنه خالف دور الغاز. في إشارة لانتقال الصراع من الآباء إلى أبناء وهذا يعني ديمومة الحرب إلى ما لا نهاية.

تفجّرت موهبة الرسم لدى سهام في الحرب، رسمت امرأة مسنّة وهي تنتحب على دور الخبز، كما رسمت زهرةً صفراء بريّة متفتحة بين الدمار المنتشر في المخيم، واللافت في هذه الصورة أن الزهرة طلعت من على فوق قذيفة هاون تغطيها الأتربة، هذه اللوحة أرسلتها لصديقتها التي تعيش في أمريكا والتي بدورها نشرتها باسمها في موقع أمريكي وحصلت على مكافأة تقدر ب خمسمئة دولار أرسلتها لسهام بشكل فوري.

هذه اللوحة التي رسمتها سهام طرحت العديد من الأسئلة في مخيلتها، عن الفائدة من نمو زهور برية صفراء وبيضاء وشقائق نعمان حمراء في الحفر التي تشكلت بسبب القذائف العشوائية، وهل وجود الأزهار سيرمم الأرصفة ويجعل الحياة تستعيد عافيتها مرة أخرى!

تقول سهام أن العصافير والأزهار هي من أجمل ما خلق الله سبحانه وتعالى، ولكنها تندهش كيف تكون هذه الكائنات الرقيقة من أوائل العائدين إلى الأماكن المدمرة، الشوارع المليئة بالحفر، والحيطان المهدمة أو المثقوبة.

حفر الشوارع تطلع فيها الأزهار البرية..

ثقوب الحيطان تعشعش فيها العصافير والحمام البري والسنونوات..

  كيف يقترن الخير بالشر والبشاعة بالجمال؟ لم تجد سهام جوابا ولم أجد ما يقنعها سوى أن دورة الحياة ستتواصل مهما حدث من كوارث وفظائع وجرائم.

بعد هذه المكافأة، استطاعت سهام بهذه الصورة أن تشتري غسالة أوتامتيكية، حينها شعرت بجدوى لوحاتها العفوية.

موضوع اللوحة الجديدة أرّق سهام كثيرا، وسلب النوم من عينيها الواسعتين البراقتين.

أخبرتني سهام أنها سافرت إلى دمشق لترسم بعض اللوحات عن مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، بعد الدمار الذي حلّ به، فلم تجد سوى الحطام الذي يعلوه الحطام والخراب الذي يعلوه الخراب، لكنها حظيت بلقطة ترجمتها للوحة يظهر فيها غراب ينعق على مأذنة جامع فلسطين المحطمة وأرسلتها لصديقتها في أمريكا وماتزال تنتظر الرد.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21658

فايز أبو عيد مجموعة العمل

في طابور المعونات الطويل، حيث تتشابك خيوط الذكريات مع حبال الحاضر المرير، كانت سهام تقف شامخة رغم التعب، بشعرها الأحمر المتراقص تحت أشعة الشمس وابتسامتها التي ما زالت تحمل بريق الماضي، رغم عيونها التي تحمل ظلال الحزن العميق. سهام، الفتاة التي حفظت القرآن عن ظهر قلب، وأتقنت ألفية ابن مالك، وصوتها كان يصدح في المهرجانات المدرسية بذكريات النكبة ودير ياسين وصبرا وشاتيلا، كانت رمزًا للمرح والدعابة في صفها، حتى في مواقفها الطريفة مع مدرّسة القومية التي لقّبوها "السيدة ملعقة".

لكن الحرب قلبت حياة سهام رأسًا على عقب، فقد فقدت عافيتها ووزنها، وتحولت ابتسامتها إلى حزن عميق يرسم أخاديد على وجهها الناصع. عاشت أيامًا عصيبة تنتظر خبر عائلتها التي هاجرت عبر البحر، حيث قضت أكثر من عشرة أيام في قلق وأرق، قبل أن تصلها رسالة والدها التي طمأنتها بوصولهم بسلام. فرحتها لم تقتصر على نفسها، بل شاركتها مع أهل المخيم بتوزيع الخبز مجانًا، كأنها تريد أن تنثر بذور الفرح وسط الألم.

سهام موظفة حكومية، كانت من المتفوقات في دراستها، وأجمل فتيات صفها، عفوية ومرحة، لكنها اليوم تحمل قلبًا ناضجًا مفعمًا بالحب والحنان. تحافظ على عادة الجلوس عصر كل يوم على عتبة بيتها في المخيم، تراقب القطط الكسلى والعصافير التي تلتقط فتات الخبز، مستذكرة والدتها وأيام الطفولة، وتعيش شوقًا عميقًا لعائلتها التي تركتها خلفها. ابنتها أمان، التي تحمل نفس بريق عيونها وغمازتيها، هي أملها الصغير في عالم مضطرب.

زوجها ياسر يبذل جهده ليعوض غياب عائلتها، لكنه يشعر بالحزن العميق في قلب زوجته، التي تغشاها غمامة الأسى. سهام تتحدث يوميًا مع والدتها عبر تطبيق الإيمو، يتبادلان الحديث عن تفاصيل الحياة اليومية، من طهي الطعام إلى صبغات الشعر، في محاولة للحفاظ على روابط العائلة رغم المسافات والظروف الصعبة.

موهبة سهام في الرسم كانت ملجأها للتعبير عن آلامها وأحلامها. رسمت لوحات تعكس واقع الحرب والدمار، لكنها أيضًا تصور الأمل والحياة، مثل زهرة صفراء برية تنبت فوق قذيفة هاون مغطاة بالأتربة، ورسمة عصفور طنان يرشف رحيق الزهر. إحدى لوحاتها التي نشرتها صديقتها في أمريكا حصدت مكافأة مالية، مما منحها شعورًا بالجدوى وسط الظروف القاسية.

تعيش سهام بين الألم والأمل، بين ذكريات الماضي وواقع الحاضر، لكنها تبقى زهرة على فوّهة الأمل، تنمو رغم كل الصعاب، تحمل في قلبها قصة وطن وشعب لا يلين، وتستمر في رسم الحياة بألوانها رغم كل الجراح.

تعشق سهام التسكع في شوارع المخيم رفقة زوجها لتتذكر أيام الخطبة ولياليها العطرة، لكن الإحباط يغشى على قلبها كلما مرت بالقرب من بيوت الشهداء او المعتقلين او بيوت الأقارب والأصدقاء المدمرة بفعل الحرب.

كما أن سهام منذ طفولتها تعشق الفنون جميعها كالشعر والغناء والرسم والموسيقى، وقد كتبت عدة قصائد مميزة عندما كانت في مرحلة الدراسة الثانوية، كم غنّت مرارا في المهرجانات الخطابية أغنية " بلدي يا بلدي أنا عايزة أروح بلدي، بلدي طبرية والعيشة فيها هنية "، لكنها وجدت نفسها، حسب وصفها، بالرسم لأنه الأجدى والأكثر تعبيرا.

بدأت رحلة سهام مع الرسم عندما رسمت قطة جارتها أم سلامة وهي تشرب ماء المطر، ومن ثم رسمت عصفورا دوريا ينقر الحب من على وجه الأرض، لكن اللوحة التي حصلت على المرتبة الثانية في مسابقة محلية هي صورة عصفور طنان يرشف رحيق الزهر بمنقاره الطويل المشرّب بالزّرقة، أخبرتني سهام أن المرتبة الأولى حصل عليها ابن العميد الفلاني – زمن النظام السوري البائد - وهي عبارة عن نملة تجرّ كسرة خبز وهي عبارة عن لوحة عادية جدا حتى من يدقق النظر فيها يعلم تمام العلم أن فكرة اللوحة مسروقة وأنه تم (تعفيشها) من إحدى المجلات.

رسمت سهام الكثير من اللوحات التي تبهج النفس وتؤلمها بنفس الوقت، رسمت لوحة ذات مرة لطفل يركل جنديا من القوات الحكومية وهو يضرب أباه بالكرباج لإنه خالف دور الغاز. في إشارة لانتقال الصراع من الآباء إلى أبناء وهذا يعني ديمومة الحرب إلى ما لا نهاية.

تفجّرت موهبة الرسم لدى سهام في الحرب، رسمت امرأة مسنّة وهي تنتحب على دور الخبز، كما رسمت زهرةً صفراء بريّة متفتحة بين الدمار المنتشر في المخيم، واللافت في هذه الصورة أن الزهرة طلعت من على فوق قذيفة هاون تغطيها الأتربة، هذه اللوحة أرسلتها لصديقتها التي تعيش في أمريكا والتي بدورها نشرتها باسمها في موقع أمريكي وحصلت على مكافأة تقدر ب خمسمئة دولار أرسلتها لسهام بشكل فوري.

هذه اللوحة التي رسمتها سهام طرحت العديد من الأسئلة في مخيلتها، عن الفائدة من نمو زهور برية صفراء وبيضاء وشقائق نعمان حمراء في الحفر التي تشكلت بسبب القذائف العشوائية، وهل وجود الأزهار سيرمم الأرصفة ويجعل الحياة تستعيد عافيتها مرة أخرى!

تقول سهام أن العصافير والأزهار هي من أجمل ما خلق الله سبحانه وتعالى، ولكنها تندهش كيف تكون هذه الكائنات الرقيقة من أوائل العائدين إلى الأماكن المدمرة، الشوارع المليئة بالحفر، والحيطان المهدمة أو المثقوبة.

حفر الشوارع تطلع فيها الأزهار البرية..

ثقوب الحيطان تعشعش فيها العصافير والحمام البري والسنونوات..

  كيف يقترن الخير بالشر والبشاعة بالجمال؟ لم تجد سهام جوابا ولم أجد ما يقنعها سوى أن دورة الحياة ستتواصل مهما حدث من كوارث وفظائع وجرائم.

بعد هذه المكافأة، استطاعت سهام بهذه الصورة أن تشتري غسالة أوتامتيكية، حينها شعرت بجدوى لوحاتها العفوية.

موضوع اللوحة الجديدة أرّق سهام كثيرا، وسلب النوم من عينيها الواسعتين البراقتين.

أخبرتني سهام أنها سافرت إلى دمشق لترسم بعض اللوحات عن مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، بعد الدمار الذي حلّ به، فلم تجد سوى الحطام الذي يعلوه الحطام والخراب الذي يعلوه الخراب، لكنها حظيت بلقطة ترجمتها للوحة يظهر فيها غراب ينعق على مأذنة جامع فلسطين المحطمة وأرسلتها لصديقتها في أمريكا وماتزال تنتظر الرد.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21658