map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

العودة إلى بيت لم يعد بيتًا سرديات فلسطينيّي سوريا بين الترميم والقانون والغربة الجديدة

تاريخ النشر : 24-06-2025
العودة إلى بيت لم يعد بيتًا سرديات فلسطينيّي سوريا   بين الترميم والقانون والغربة الجديدة

نضال الخليل ــ مجموعة العمل 

عندما تقترب من جدران مخيم اليرموك المحطّم لا تسمع سوى صدى أطلاله - يتلمّس أحمد بيديه بقايا الطوب المتصدّع عند الزاوية التي كانت قبل سنوات قليلة جدارًا يفصله عن مطبخ عائلي يفيض بالذكريات لم يأتِ بحثًا عن الجدار، بل عن نسخته الضائعة داخله.

 في زمنٍ صار فيه المخيّم مسرحًا خاليًا انطفأت أضواؤه وبقي الجمهور جالسًا في انتظار عرضٍ انتهى منذ سنوات فاليوم لا عودة إلى بيت بل إلى نص قانونيّ يطالبك بإثبات ملكية ووثائق إقامة وتصريح أمنيّ لا يتحدّث عن الحياة بل عن إمكانيتها.

 السلطة الجديدة تفرض معايير لا تختلف كثيرًا عن متاهة - أوراق احترقت، ذاكرة هُجّرت وموظفون "غير متوفّرين مؤقتًا" في اليرموك لا أحد يعود إلى بيته فعليًا، بل يعود إلى فكرته عن البيت إلى صورةٍ قديمة وإلى سؤال لم يُجب عليه بعد: ما الذي نعود إليه حقًا؟

كيف يُرمَّم حجر الذاكرة؟

في اليرموك لم تعد العودة إلى «بيت» بل إلى ملف قانوني على طاولة اللاجئ أحمد يكمن ملف محافظ عليه ببلاستيك شفاف: ملكية عام 2008 موقّعة من بلدية لم تعد موجودة تصريح إقامة مؤقّت بشروط لا تحفظ كرامته وتصريح أمنيّ لا يتحدّث عن الحياة، بل عن «قابلية» العيش

 يقول أحمد: أمسيت أؤكد وجودي بورقة رسمية بدلًا من وجودي على الأرض.

الحجر الذي يسكن الإنسان

لا يقتصر الترميم هنا على الجدران، بل الإنسان نفسه في حاجة إلى ترميمٍ عميق في زوايا الغرفة المهدمة وقف سامي متأمّلًا ما تبقى من رفوفه يحمل ما يشبه رخصة عودة مشروطة «لا يكفي أن يُعطيني القانون حقّ العودة» - يقول «بل أريد أن أعود بشخصيّتي وشجاعتي» الأرقام الرسمية تشير إلى أن 160 ألف فلسطيني سوري عاشوا في المخيّم عاد منهم ما يقارب 15 ألف لكن الأرقام لا تروي معاناة من بقي وراءها ذاكرة تهشّمت قبل الحجر وأرواح تقطّعت بين الوثائق وتلك الحواجز غير المرئية.

القانون كنافذة مكسورة

في السياسة الجديدة يتحوّل القانون إلى امرأة فاتنة تعدك بالعودة ثم تبتسم في وجهك مطالبةً بإحضار عقد ملكية من مكتبٍ انهار تحت ركام الحرب.

يفرض عليك دفع رسوم تنظيف الأنقاض ويعطيك وعدًا بالكهرباء إذا دفعت مقدمًا وعندما تحاول الطعن في قرار الاستملاك تُخبرك أنه لا توجد لجنة لتلقي طعونك يختفي المسؤولون كما تختفي الأوراق بين أقبية الأرشيف المحترق.

اللاجئ الذي صار وثيقة

بعد أعوام من التهجير المتتالي صارت هوية الفلسطيني السوري ملفًا في حمص يعتبره البعض «لاجئًا وثيقة» وفي درعا يقف في «طابور العودة المشروطة» متسلّحًا بصورة عقد زواج يثبت حضوره يوماً إلى هذا المكان لم تعد العودة إلى المكان بقدر ما هي محاولة لاسترجاع دورٍ تغيرت قواعده حلّت المنظمات القانونية والإغاثية محلّ الفصائل وتكلّمت بلغة لا يعرفها سوى القضاة والمسؤولين.

ما بعد الصمت

حين عاد سليم من لبنان اكتشف أن بيته لا يزال صامدًا جزئيًا لكن الحي خالٍ من الجيران والمدرسة التي درّس فيها مغلقة سأله هدوء الغربة: «هل البيت جدران أم ألفة؟»

 ثم تساءل: «هل الفلسطيني السوري لا يزال فلسطينيًا أم صار مجرد حكاية معلقة في تقرير أممي؟»

 في تلك اللحظة فهم أن المخيّم ليس مكانًا يُعاد بناؤه بل فكرة مُراد صونها وأن الترميم مقاومة جديدة تُحكى بحجرٍ يُغرس في الركام.

اليرموك كميتافيزيقا

لا يملك الفلسطيني السوري اليوم بيتًا بالمعنى التقليدي بل يجد نفسه غارقًا في ملفات وأوراق انتظار وامتيازات مشروطة يرى أن المخيّم هو ذاكرةٌ وجغرافيا مشتركة لا تُستعاد إلا بجرأة التذكّر.

فهم أن الكارثة ليست فقط في الخراب بل في النسيان وهكذا يبني الفلسطيني جدار حمايته بنفسه حجرًا بعد حجر ورغبة بعد رغبة احترامًا لكرامته وبحثًا عن حياة تُعاش بلا إذن.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21669

نضال الخليل ــ مجموعة العمل 

عندما تقترب من جدران مخيم اليرموك المحطّم لا تسمع سوى صدى أطلاله - يتلمّس أحمد بيديه بقايا الطوب المتصدّع عند الزاوية التي كانت قبل سنوات قليلة جدارًا يفصله عن مطبخ عائلي يفيض بالذكريات لم يأتِ بحثًا عن الجدار، بل عن نسخته الضائعة داخله.

 في زمنٍ صار فيه المخيّم مسرحًا خاليًا انطفأت أضواؤه وبقي الجمهور جالسًا في انتظار عرضٍ انتهى منذ سنوات فاليوم لا عودة إلى بيت بل إلى نص قانونيّ يطالبك بإثبات ملكية ووثائق إقامة وتصريح أمنيّ لا يتحدّث عن الحياة بل عن إمكانيتها.

 السلطة الجديدة تفرض معايير لا تختلف كثيرًا عن متاهة - أوراق احترقت، ذاكرة هُجّرت وموظفون "غير متوفّرين مؤقتًا" في اليرموك لا أحد يعود إلى بيته فعليًا، بل يعود إلى فكرته عن البيت إلى صورةٍ قديمة وإلى سؤال لم يُجب عليه بعد: ما الذي نعود إليه حقًا؟

كيف يُرمَّم حجر الذاكرة؟

في اليرموك لم تعد العودة إلى «بيت» بل إلى ملف قانوني على طاولة اللاجئ أحمد يكمن ملف محافظ عليه ببلاستيك شفاف: ملكية عام 2008 موقّعة من بلدية لم تعد موجودة تصريح إقامة مؤقّت بشروط لا تحفظ كرامته وتصريح أمنيّ لا يتحدّث عن الحياة، بل عن «قابلية» العيش

 يقول أحمد: أمسيت أؤكد وجودي بورقة رسمية بدلًا من وجودي على الأرض.

الحجر الذي يسكن الإنسان

لا يقتصر الترميم هنا على الجدران، بل الإنسان نفسه في حاجة إلى ترميمٍ عميق في زوايا الغرفة المهدمة وقف سامي متأمّلًا ما تبقى من رفوفه يحمل ما يشبه رخصة عودة مشروطة «لا يكفي أن يُعطيني القانون حقّ العودة» - يقول «بل أريد أن أعود بشخصيّتي وشجاعتي» الأرقام الرسمية تشير إلى أن 160 ألف فلسطيني سوري عاشوا في المخيّم عاد منهم ما يقارب 15 ألف لكن الأرقام لا تروي معاناة من بقي وراءها ذاكرة تهشّمت قبل الحجر وأرواح تقطّعت بين الوثائق وتلك الحواجز غير المرئية.

القانون كنافذة مكسورة

في السياسة الجديدة يتحوّل القانون إلى امرأة فاتنة تعدك بالعودة ثم تبتسم في وجهك مطالبةً بإحضار عقد ملكية من مكتبٍ انهار تحت ركام الحرب.

يفرض عليك دفع رسوم تنظيف الأنقاض ويعطيك وعدًا بالكهرباء إذا دفعت مقدمًا وعندما تحاول الطعن في قرار الاستملاك تُخبرك أنه لا توجد لجنة لتلقي طعونك يختفي المسؤولون كما تختفي الأوراق بين أقبية الأرشيف المحترق.

اللاجئ الذي صار وثيقة

بعد أعوام من التهجير المتتالي صارت هوية الفلسطيني السوري ملفًا في حمص يعتبره البعض «لاجئًا وثيقة» وفي درعا يقف في «طابور العودة المشروطة» متسلّحًا بصورة عقد زواج يثبت حضوره يوماً إلى هذا المكان لم تعد العودة إلى المكان بقدر ما هي محاولة لاسترجاع دورٍ تغيرت قواعده حلّت المنظمات القانونية والإغاثية محلّ الفصائل وتكلّمت بلغة لا يعرفها سوى القضاة والمسؤولين.

ما بعد الصمت

حين عاد سليم من لبنان اكتشف أن بيته لا يزال صامدًا جزئيًا لكن الحي خالٍ من الجيران والمدرسة التي درّس فيها مغلقة سأله هدوء الغربة: «هل البيت جدران أم ألفة؟»

 ثم تساءل: «هل الفلسطيني السوري لا يزال فلسطينيًا أم صار مجرد حكاية معلقة في تقرير أممي؟»

 في تلك اللحظة فهم أن المخيّم ليس مكانًا يُعاد بناؤه بل فكرة مُراد صونها وأن الترميم مقاومة جديدة تُحكى بحجرٍ يُغرس في الركام.

اليرموك كميتافيزيقا

لا يملك الفلسطيني السوري اليوم بيتًا بالمعنى التقليدي بل يجد نفسه غارقًا في ملفات وأوراق انتظار وامتيازات مشروطة يرى أن المخيّم هو ذاكرةٌ وجغرافيا مشتركة لا تُستعاد إلا بجرأة التذكّر.

فهم أن الكارثة ليست فقط في الخراب بل في النسيان وهكذا يبني الفلسطيني جدار حمايته بنفسه حجرًا بعد حجر ورغبة بعد رغبة احترامًا لكرامته وبحثًا عن حياة تُعاش بلا إذن.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21669