نضال الخليل – مجموعة العمل
خلف ستار التشاور
في فضاءٍ مهيب يحتضن أروقة دار الأوبرا بدمشق، حيث تُعقد الاجتماعات الرسمية ذات الطابع الرفيع، تجتمع أصوات فلسطينيي سوريا بصفتهم أصحاب حق ووجدان لا يمكن تجاهله.
لكن ما يجري داخل هذه القاعة، على قدرٍ من البهاء في الشكل، هو حوارٌ يراوح أحيانًا بين مساحات التشاور الرمزية وأفق الانتقال نحو تمثيلٍ فعليٍّ يترجم الحقوق إلى فعلٍ برلماني حقيقي.
إن حضور الفلسطيني السوري في هذه اللحظة ليس مجرد حضور شكلي، بل هو حضور ينبض بألم الغياب الطويل والصبر المتجدد، على أمل انتظار فرصٍ تعيد له موقعه في وطنه المعنوي، وفي إطار الدولة التي اختار أن يكون جزءًا منها.
هذا الحضور، الذي يجد نفسه غالبًا محاصرًا بين سقف التشاور والوعود الرسمية، يعكس حالةً مركبة من الهوية والسياسة والحقوق، تتراوح بين الإقرار بالحق الوطني ومحدودية الإطار القانوني والتمثيلي في الوقت الراهن.
تكشف الوقائع أن الخطاب الرسمي في هذا المسار قد حمل رسائل إيجابية تعكس وعيًا بضرورة إشراك الفلسطينيين السوريين ضمن البناء الوطني السوري الجديد، مع التأكيد على الشمولية والعدالة في التمثيل. غير أن الواقع يظل معقدًا؛ إذ إن وضع اللاجئ الفلسطيني، الذي تميز بخصوصيات تاريخية وقانونية تتعلق بوثائق إقامته وأوضاعه، يتطلب معالجة دقيقة تراعي تلك التفاصيل. فالاستناد إلى وثيقة "الإقامة القانونية" كأساس للترشح والاقتراع، دون إعطاء مكانة معادلة لبطاقة "الأونروا"، يضع حدًّا طبيعيًّا أمام العديد من الفلسطينيين ويحدّ من فرصهم في المشاركة الفاعلة.
ولكن، أمام هذا الواقع، تبرز بين أروقة هذه الاجتماعات مبادراتٌ مدنية وشبابية تحمل في طياتها بريق الأمل. ورش العمل القانونية التي نظّمها ناشطون فلسطينيون تشكّل محاولة جادة لوضع بدائل بناءة لمسارات التمثيل، عبر مقترحات تضمن فتح لجان انتخاب خاصة وتفعيل آليات اقتراع إلكترونية تراعي الخصوصية الفلسطينية. هذه المبادرات، على تواضعها الظاهر، تعبر عن نضج ووعي مجتمعي، وتؤكد أن الحضور الفلسطيني لا يمكن اختزاله في مجرد توقيع أوراق أو كلمات في وثائق.
إننا، إذ نقرأ في تفاصيل هذا المشهد، لا نرى فقط مشهدًا انتخابيًا عابرًا، بل نقرأ قصة علاقة معقدة بين الفلسطيني السوري ونظام سياسي يمر بمرحلة إعادة ترتيب نفسه. وفي هذه العلاقة، هناك مساحة إيجابية متنامية للتعاون، ومساحة تحدٍ مشترك من أجل الوصول إلى صيغة تمثيلية تليق بحجم التحديات والحقوق.
فالدستور المؤقت لعام 2025، بنصوصه التي توزّع مقاعد مجلس الشعب بين الانتخاب والتعيين، يفتح الباب أمام بناء جسور تمثيلية، غير أن التفاصيل التنفيذية لا تزال في طور التشكل، خصوصًا ما يتعلق بالأصوات الفلسطينية التي تحاول أن تُعبّر عن ذاتها خارج أطر الغموض القانوني.
من جهة أخرى، فإن دعوة ممثلي المخيمات والفاعلين المدنيين للاطلاع على مسودات القوانين والمشاركة في المشاورات تعكس حرصًا على إشراك مختلف الأطراف وإضفاء شفافية نسبية على العملية، حتى وإن كانت المشاركة في هذه المرحلة استشارية بحتة. وهذا، في سياق دولة تنشد الانتقال إلى نظام أكثر شمولية، هو أمر لا يُستهان به، بل أساسٌ لا بد أن يُبنى عليه تدريجيًا.
ومع كل ما تقدم، تبقى قضية التمثيل الفلسطيني في سوريا أكثر من مجرد بندٍ قانوني أو مسألة تقنية في القانون الانتخابي. إنها قراءة عميقة في العدالة التاريخية، وفي التزام الدولة السورية - التي لطالما كانت ملاذًا وركيزة أساسية للقضية الفلسطينية - بأن تكرس لهذا الحضور موقعًا يليق بتاريخه وواقعه. فغياب الدوائر الانتخابية الخاصة، واختزال المشاركة في إطار التعيين، لا يتماشى مع تطلعات الفلسطينيين الذين يمارسون حياتهم اليومية على الأرض السورية، والذين يحملون بطاقة لاجئ، لكنهم يحملون أيضًا حق الانتماء والمساهمة.
إن التحوّل نحو العمل المدني، الذي تحدثت عنه السلطة بوضوح، هو فرصة لإعادة تعريف علاقة الفصائل الفلسطينية بالسلطة والمجتمع السوري. هذا التحول، الذي يشجّع على تفكيك البنى العسكرية السابقة ويدعو إلى المشاركة المدنية البناءة، لا بد أن يرافقه دعم حقيقي لإعادة بناء مؤسسات فلسطينية فاعلة ضمن الإطار الوطني السوري؛ مؤسسات تعكس صوت الفلسطيني السوري وتعزز دوره في التنمية وصنع القرار.
ولعلّ مبادرات الشباب الفلسطيني، التي انطلقت لتصوغ بدائل انتخابية قائمة على مقاربة شاملة ومرنة، تمثّل إشارة واضحة إلى الإرادة الشعبية في الاحتكام إلى القانون، وتأكيدًا على أن الحراك الفلسطيني لا يزال حيويًا وقادرًا على خلق مساحات جديدة تعزز التمثيل وتدعم التفاعل مع المؤسسات القائمة.
وأمام هذه المعطيات، يظل الأمل معقودًا على استكمال هذه المسيرة بروح من التعاون البناء الذي يضع المصلحة الوطنية والشراكة المجتمعية في المقدمة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو السياسات الحصرية. فالتمثيل السياسي العادل ليس غاية في حد ذاته فحسب، بل هو ضمانٌ لاستقرار سياسي واجتماعي يُمكّن الفلسطيني السوري من المشاركة في صياغة مستقبله ومستقبل بلده المضيف، ضمن نسيجٍ وطني جامع.
وفي هذا الإطار، تظل دار الأوبرا في دمشق، بعظمتها ورمزيتها، شاهدًا حيًّا على انطلاقة هذه المرحلة الجديدة من التشاور، التي نأمل أن تتسع فتُثمر عن مشاركة حقيقية وشاملة، تعيد الاعتبار للهوية الفلسطينية السورية وترسّخها كركيزة لا غنى عنها في البناء الوطني.
نضال الخليل – مجموعة العمل
خلف ستار التشاور
في فضاءٍ مهيب يحتضن أروقة دار الأوبرا بدمشق، حيث تُعقد الاجتماعات الرسمية ذات الطابع الرفيع، تجتمع أصوات فلسطينيي سوريا بصفتهم أصحاب حق ووجدان لا يمكن تجاهله.
لكن ما يجري داخل هذه القاعة، على قدرٍ من البهاء في الشكل، هو حوارٌ يراوح أحيانًا بين مساحات التشاور الرمزية وأفق الانتقال نحو تمثيلٍ فعليٍّ يترجم الحقوق إلى فعلٍ برلماني حقيقي.
إن حضور الفلسطيني السوري في هذه اللحظة ليس مجرد حضور شكلي، بل هو حضور ينبض بألم الغياب الطويل والصبر المتجدد، على أمل انتظار فرصٍ تعيد له موقعه في وطنه المعنوي، وفي إطار الدولة التي اختار أن يكون جزءًا منها.
هذا الحضور، الذي يجد نفسه غالبًا محاصرًا بين سقف التشاور والوعود الرسمية، يعكس حالةً مركبة من الهوية والسياسة والحقوق، تتراوح بين الإقرار بالحق الوطني ومحدودية الإطار القانوني والتمثيلي في الوقت الراهن.
تكشف الوقائع أن الخطاب الرسمي في هذا المسار قد حمل رسائل إيجابية تعكس وعيًا بضرورة إشراك الفلسطينيين السوريين ضمن البناء الوطني السوري الجديد، مع التأكيد على الشمولية والعدالة في التمثيل. غير أن الواقع يظل معقدًا؛ إذ إن وضع اللاجئ الفلسطيني، الذي تميز بخصوصيات تاريخية وقانونية تتعلق بوثائق إقامته وأوضاعه، يتطلب معالجة دقيقة تراعي تلك التفاصيل. فالاستناد إلى وثيقة "الإقامة القانونية" كأساس للترشح والاقتراع، دون إعطاء مكانة معادلة لبطاقة "الأونروا"، يضع حدًّا طبيعيًّا أمام العديد من الفلسطينيين ويحدّ من فرصهم في المشاركة الفاعلة.
ولكن، أمام هذا الواقع، تبرز بين أروقة هذه الاجتماعات مبادراتٌ مدنية وشبابية تحمل في طياتها بريق الأمل. ورش العمل القانونية التي نظّمها ناشطون فلسطينيون تشكّل محاولة جادة لوضع بدائل بناءة لمسارات التمثيل، عبر مقترحات تضمن فتح لجان انتخاب خاصة وتفعيل آليات اقتراع إلكترونية تراعي الخصوصية الفلسطينية. هذه المبادرات، على تواضعها الظاهر، تعبر عن نضج ووعي مجتمعي، وتؤكد أن الحضور الفلسطيني لا يمكن اختزاله في مجرد توقيع أوراق أو كلمات في وثائق.
إننا، إذ نقرأ في تفاصيل هذا المشهد، لا نرى فقط مشهدًا انتخابيًا عابرًا، بل نقرأ قصة علاقة معقدة بين الفلسطيني السوري ونظام سياسي يمر بمرحلة إعادة ترتيب نفسه. وفي هذه العلاقة، هناك مساحة إيجابية متنامية للتعاون، ومساحة تحدٍ مشترك من أجل الوصول إلى صيغة تمثيلية تليق بحجم التحديات والحقوق.
فالدستور المؤقت لعام 2025، بنصوصه التي توزّع مقاعد مجلس الشعب بين الانتخاب والتعيين، يفتح الباب أمام بناء جسور تمثيلية، غير أن التفاصيل التنفيذية لا تزال في طور التشكل، خصوصًا ما يتعلق بالأصوات الفلسطينية التي تحاول أن تُعبّر عن ذاتها خارج أطر الغموض القانوني.
من جهة أخرى، فإن دعوة ممثلي المخيمات والفاعلين المدنيين للاطلاع على مسودات القوانين والمشاركة في المشاورات تعكس حرصًا على إشراك مختلف الأطراف وإضفاء شفافية نسبية على العملية، حتى وإن كانت المشاركة في هذه المرحلة استشارية بحتة. وهذا، في سياق دولة تنشد الانتقال إلى نظام أكثر شمولية، هو أمر لا يُستهان به، بل أساسٌ لا بد أن يُبنى عليه تدريجيًا.
ومع كل ما تقدم، تبقى قضية التمثيل الفلسطيني في سوريا أكثر من مجرد بندٍ قانوني أو مسألة تقنية في القانون الانتخابي. إنها قراءة عميقة في العدالة التاريخية، وفي التزام الدولة السورية - التي لطالما كانت ملاذًا وركيزة أساسية للقضية الفلسطينية - بأن تكرس لهذا الحضور موقعًا يليق بتاريخه وواقعه. فغياب الدوائر الانتخابية الخاصة، واختزال المشاركة في إطار التعيين، لا يتماشى مع تطلعات الفلسطينيين الذين يمارسون حياتهم اليومية على الأرض السورية، والذين يحملون بطاقة لاجئ، لكنهم يحملون أيضًا حق الانتماء والمساهمة.
إن التحوّل نحو العمل المدني، الذي تحدثت عنه السلطة بوضوح، هو فرصة لإعادة تعريف علاقة الفصائل الفلسطينية بالسلطة والمجتمع السوري. هذا التحول، الذي يشجّع على تفكيك البنى العسكرية السابقة ويدعو إلى المشاركة المدنية البناءة، لا بد أن يرافقه دعم حقيقي لإعادة بناء مؤسسات فلسطينية فاعلة ضمن الإطار الوطني السوري؛ مؤسسات تعكس صوت الفلسطيني السوري وتعزز دوره في التنمية وصنع القرار.
ولعلّ مبادرات الشباب الفلسطيني، التي انطلقت لتصوغ بدائل انتخابية قائمة على مقاربة شاملة ومرنة، تمثّل إشارة واضحة إلى الإرادة الشعبية في الاحتكام إلى القانون، وتأكيدًا على أن الحراك الفلسطيني لا يزال حيويًا وقادرًا على خلق مساحات جديدة تعزز التمثيل وتدعم التفاعل مع المؤسسات القائمة.
وأمام هذه المعطيات، يظل الأمل معقودًا على استكمال هذه المسيرة بروح من التعاون البناء الذي يضع المصلحة الوطنية والشراكة المجتمعية في المقدمة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو السياسات الحصرية. فالتمثيل السياسي العادل ليس غاية في حد ذاته فحسب، بل هو ضمانٌ لاستقرار سياسي واجتماعي يُمكّن الفلسطيني السوري من المشاركة في صياغة مستقبله ومستقبل بلده المضيف، ضمن نسيجٍ وطني جامع.
وفي هذا الإطار، تظل دار الأوبرا في دمشق، بعظمتها ورمزيتها، شاهدًا حيًّا على انطلاقة هذه المرحلة الجديدة من التشاور، التي نأمل أن تتسع فتُثمر عن مشاركة حقيقية وشاملة، تعيد الاعتبار للهوية الفلسطينية السورية وترسّخها كركيزة لا غنى عنها في البناء الوطني.