map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

على حواشي الوطن المؤجَّل. الفلسطيني السوري وتضامن ما تحت السياسة

تاريخ النشر : 02-08-2025
على حواشي الوطن المؤجَّل. الفلسطيني السوري وتضامن ما تحت السياسة

 مجموعة العمل ــ نضال الخليل

إن تضامن الفلسطيني السوري مع غزة، أو مع فلسطين بما هي فكرة، ليس فعلاً طارئاً يمكن تفسيره بموسمية المشهد أو بانفعال العاطفة؛ إنه ممارسة جوهرية تتجاوز الموقف السياسي إلى ما هو أعمق: إلى إعادة إنتاج المعنى في ظل شروط القطيعة ووطأة النكبة المتوالدة.

ما يجري اليوم من وقفاتٍ وأصواتٍ فردية، ومن مظاهر تضامنٍ شحيحةِ الأدوات، هو في جوهره عودة للذات الفلسطينية السورية إلى حقيقتها الأولى؛ لا كتمثيلٍ سياسي، بل كوعيٍ مأزومٍ في صراعٍ لا يريد أن ينتهي، لأنه لا يستطيع أن يُنسَى.

يُخيَّل للمرء، حين ينظر إلى جغرافيا الشتات الفلسطيني في سوريا، أن الفلسطيني قد دُجِّن وأُذِيبَ داخل صراعات لا تخصه، لكنّ الواقع أدهى من ذلك وأكثر تعقيداً. فالفلسطيني السوري لم يعد أسيراً للخطابات الرسمية الرنانة، كما أنه لم يعد تابعاً آلياً لانقسامات الفصائل، بل بات يعيش مأساة الانفصال الوجودي بين "المُمثَّل" و"المُمثِّل".

إن غياب الفعل الجماعي المنظم، أو بالأحرى عجز المؤسسة الفلسطينية التقليدية عن احتضان هذا التضامن، لم يُفرِغ الفلسطيني السوري من معناه، بل حرّره من قوالب التصنيف العقيم.

لقد صار الفلسطيني السوري، مثله مثل السوري، خارج المعادلة الرسمية، لكنه باقٍ داخل جوهر المعنى الذي يُنتِج نفسه؛ لا كأيديولوجيا، بل كضرورة وجودية.

في بلدٍ يعيش تفكك المجتمع كما يعيش تفكك السلطة، بات الفلسطيني السوري نموذجاً لما يمكن تسميته "اللا-هوية الفاعلة"؛ هويةٌ لا تستمد شرعيتها من وثيقةٍ ولا من تصريح، بل من القدرة على التذكير بأنه ما يزال هناك ما يُقال، حتى حين يصير الكلام جريمةً سياسية.

وهكذا، يصبح فعل التضامن مع غزة محاولةً لإعادة إنتاج اللغة، لا باعتبارها أداة، بل باعتبارها موضعاً للصراع. حين يكتب الفلسطيني السوري منشوراً عن غزة، فهو لا يكتب عن الجرح هناك فحسب، بل يكتب عن جرحه هو، وعن محاولته التمسك بمشهد لم يعشه، وعن رغبته في ألّا يصير الضمير مجرد رفاهية تُؤجَّل إلى ما بعد الحرب.

إن التضامن هنا إذًا ليس استجابةً للحدث، بل محاولةٌ للانتماء رغم سقوط شروط الانتماء. فالفلسطيني السوري لا يعيش نكبة اللجوء فقط، بل نكبة الوعي؛ أن تكون محاصراً بتواقيع اتفاقيات لا تحمل اسمك، وبخرائط لا تضعك على الهامش فحسب، بل خارجه. ومع ذلك، يظل يحمل العَلَم، لا بوصفه راية، بل بوصفه رابطاً بين الميتافيزيقي واليومي، وبين الجرح والتاريخ.

إن رفع علم فلسطين في مخيم مشتَّت ليس عملًا رمزيًا، بل هو تحدٍّ فلسفي للعدم: أن تُثبِتَ أنك موجودٌ عبر ما لا يُقاس. وبهذا المعنى، لا يعود التضامن فعلًا سياسياً، بل يصبح نقدًا جذرياً للسياسة، بما هي فقدانٌ للمعنى وإعادةُ إنتاجٍ للنكبة في كل مرة تحت تسمية جديدة.

لذلك، حين يخرج الفلسطيني السوري في وقفة صغيرة، أو حين يصرخ باسم غزة، فهو لا يعترض على الاحتلال فقط، بل يعترض على "هندسة النسيان" التي صارت السردية الرسمية.

ما نشهده اليوم في التضامن مع فلسطين في سوريا ليس حضوراً سياسياً لفلسطينيي سوريا، بل هو انبعاثٌ أنطولوجي (وجودي) من ركام الإلغاء؛ إنه فعلُ حياةٍ في زمنٍ صارت فيه الحياة بحد ذاتها نوعاً من التمرد.

هنا يكمن جوهر المفارقة: أن الفلسطيني الذي هُجِّر مرتين وفُصِل عن سياقه الوطني مرتين، ما يزال يكتب ويهتف ويتذكر؛ لا لأنه يملك ترف السياسة، بل لأنه لا يملك ترف النسيان، وهذا في النهاية هو ما يجعل من تضامن الفلسطيني السوري اليوم، المرآةَ الأكثر تعرّياً وصدقاً لفلسطين كما هي: صرخةً ضد الصمت، وضد التمثيل الزائف، وضد السقوط في وحل الضرورات.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21828

 مجموعة العمل ــ نضال الخليل

إن تضامن الفلسطيني السوري مع غزة، أو مع فلسطين بما هي فكرة، ليس فعلاً طارئاً يمكن تفسيره بموسمية المشهد أو بانفعال العاطفة؛ إنه ممارسة جوهرية تتجاوز الموقف السياسي إلى ما هو أعمق: إلى إعادة إنتاج المعنى في ظل شروط القطيعة ووطأة النكبة المتوالدة.

ما يجري اليوم من وقفاتٍ وأصواتٍ فردية، ومن مظاهر تضامنٍ شحيحةِ الأدوات، هو في جوهره عودة للذات الفلسطينية السورية إلى حقيقتها الأولى؛ لا كتمثيلٍ سياسي، بل كوعيٍ مأزومٍ في صراعٍ لا يريد أن ينتهي، لأنه لا يستطيع أن يُنسَى.

يُخيَّل للمرء، حين ينظر إلى جغرافيا الشتات الفلسطيني في سوريا، أن الفلسطيني قد دُجِّن وأُذِيبَ داخل صراعات لا تخصه، لكنّ الواقع أدهى من ذلك وأكثر تعقيداً. فالفلسطيني السوري لم يعد أسيراً للخطابات الرسمية الرنانة، كما أنه لم يعد تابعاً آلياً لانقسامات الفصائل، بل بات يعيش مأساة الانفصال الوجودي بين "المُمثَّل" و"المُمثِّل".

إن غياب الفعل الجماعي المنظم، أو بالأحرى عجز المؤسسة الفلسطينية التقليدية عن احتضان هذا التضامن، لم يُفرِغ الفلسطيني السوري من معناه، بل حرّره من قوالب التصنيف العقيم.

لقد صار الفلسطيني السوري، مثله مثل السوري، خارج المعادلة الرسمية، لكنه باقٍ داخل جوهر المعنى الذي يُنتِج نفسه؛ لا كأيديولوجيا، بل كضرورة وجودية.

في بلدٍ يعيش تفكك المجتمع كما يعيش تفكك السلطة، بات الفلسطيني السوري نموذجاً لما يمكن تسميته "اللا-هوية الفاعلة"؛ هويةٌ لا تستمد شرعيتها من وثيقةٍ ولا من تصريح، بل من القدرة على التذكير بأنه ما يزال هناك ما يُقال، حتى حين يصير الكلام جريمةً سياسية.

وهكذا، يصبح فعل التضامن مع غزة محاولةً لإعادة إنتاج اللغة، لا باعتبارها أداة، بل باعتبارها موضعاً للصراع. حين يكتب الفلسطيني السوري منشوراً عن غزة، فهو لا يكتب عن الجرح هناك فحسب، بل يكتب عن جرحه هو، وعن محاولته التمسك بمشهد لم يعشه، وعن رغبته في ألّا يصير الضمير مجرد رفاهية تُؤجَّل إلى ما بعد الحرب.

إن التضامن هنا إذًا ليس استجابةً للحدث، بل محاولةٌ للانتماء رغم سقوط شروط الانتماء. فالفلسطيني السوري لا يعيش نكبة اللجوء فقط، بل نكبة الوعي؛ أن تكون محاصراً بتواقيع اتفاقيات لا تحمل اسمك، وبخرائط لا تضعك على الهامش فحسب، بل خارجه. ومع ذلك، يظل يحمل العَلَم، لا بوصفه راية، بل بوصفه رابطاً بين الميتافيزيقي واليومي، وبين الجرح والتاريخ.

إن رفع علم فلسطين في مخيم مشتَّت ليس عملًا رمزيًا، بل هو تحدٍّ فلسفي للعدم: أن تُثبِتَ أنك موجودٌ عبر ما لا يُقاس. وبهذا المعنى، لا يعود التضامن فعلًا سياسياً، بل يصبح نقدًا جذرياً للسياسة، بما هي فقدانٌ للمعنى وإعادةُ إنتاجٍ للنكبة في كل مرة تحت تسمية جديدة.

لذلك، حين يخرج الفلسطيني السوري في وقفة صغيرة، أو حين يصرخ باسم غزة، فهو لا يعترض على الاحتلال فقط، بل يعترض على "هندسة النسيان" التي صارت السردية الرسمية.

ما نشهده اليوم في التضامن مع فلسطين في سوريا ليس حضوراً سياسياً لفلسطينيي سوريا، بل هو انبعاثٌ أنطولوجي (وجودي) من ركام الإلغاء؛ إنه فعلُ حياةٍ في زمنٍ صارت فيه الحياة بحد ذاتها نوعاً من التمرد.

هنا يكمن جوهر المفارقة: أن الفلسطيني الذي هُجِّر مرتين وفُصِل عن سياقه الوطني مرتين، ما يزال يكتب ويهتف ويتذكر؛ لا لأنه يملك ترف السياسة، بل لأنه لا يملك ترف النسيان، وهذا في النهاية هو ما يجعل من تضامن الفلسطيني السوري اليوم، المرآةَ الأكثر تعرّياً وصدقاً لفلسطين كما هي: صرخةً ضد الصمت، وضد التمثيل الزائف، وضد السقوط في وحل الضرورات.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/21828