فايز أبو عيد – مجموعة العمل
تقع قرية "عمورية" في عمق الريف الغربي لمحافظة درعا، بالقرب من الحدود الأردنية، وتحديداً شمال معسكر طلائع زيزون، الذي أصبح ملاذًا لفلسطينيين وسوريين هربوا من ويلات الحرب السورية، تحيط بها قرى العجمي وزيزون والجعارة، ويبلغ عدد سكانها حوالي ألف نسمة، يعمل معظمهم في زراعة الخضروات وتربية المواشي، وهما النشاطان الزراعيان الأكثر انتشارًا في المنطقة.
بين هذا الخليط السكاني، تستقر عائلات فلسطينية يبلغ تعداد أفرادها نحو 70 نسمة، تنتمي في أغلبها إلى عشيرة الموسى أو المواسة البدوية، بالإضافة إلى عائلة الرجا التي انتقلت مؤخرًا إلى القرية، فرضت ظروف الحرب تقلبات على أعداد هذه العائلات، ما جعلها عرضة لتغير مستمر منذ اندلاع النزاع عام 2011.
تعاني العائلات الفلسطينية في عمورية من أوضاع معيشية بالغة الصعوبة، إذ اضطر بعض أفرادها للسكن في أرض الوادي لعدم امتلاكهم مساكن دائمة داخل القرية، فيما يعيش آخرون على أطراف الوادي نتيجة الأوضاع المالية المتردية، وتبقى المنازل في القرية شاهدة على هذه المعاناة، فبنيت غالبًا من الحجر والطين والبلوك، بينما تغطيها أسقف من الزنكو، تعبيرًا عن العجز عن تحمل تكاليف البناء الحديث، هذا الواقع يعكس مصدر قلق حقيقي حول استقرار هؤلاء السكان والحاجة الملحة لتحسين ظروفهم المعيشية.
التعليم.. معاناة وشقاء
تعاني قرية عمورية من نقص حاد في الكوادر التعليمية، إذ لا تتوفر فيها مدارس إعدادية أو ثانوية، ما يضطر العائلات الفلسطينية والسورية إلى نقل أبنائها يوميًا لمسافات طويلة إلى مدرسة الخامسة الإعدادية في تل شهاب، مقابل تكلفة نقل تبلغ نحو 7,000 ليرة سورية للذهاب ونفس المبلغ للعودة، وتعاني مدرسة عمورية الابتدائية الوحيدة من قلة المعلمين المتخصصين، مما يدفع العديد من الطلاب إلى الانقطاع عن الدراسة والتوجه للعمل في الزراعة أو رعي المواشي. أما طلاب المرحلة الثانوية، فيواجهون مشقة أكبر، إذ يقطعون طرقًا طويلة تمر عبر قرى مجاورة للوصول إلى مدارسهم، وهو ما يدفع كثيرين لترك الدراسة والانخراط المبكر في سوق العمل، أما الفتيات فيدفعن الضريبة الأكبر جراء الإهمال الحكومي وتقاعس المنظمات الدولية المعنية باللاجئين الفلسطينين عن دورها في تخفيف معاناتهم.
المياه.. تكاليف باهظة
من أبرز الأزمات الحياتية مشكلة المياه التي تعصف بالقرية وتسبب المتاعب لقاطنيها، حيث يعد جفاف نبع الفوار، المصدر الرئيسي للمياه، عائقًا كبيرًا أمام الأهالي، الذين يضطرون لشراء المياه من بلدة المزيريب بتكلفة مرتفعة تصل إلى 250,000 ليرة للصهريج الواحد، ما يعادل 25 دولا، وترتفع بسبب بُعد المسافة، في حين أن بعض السكان يعتمدون على جيرانهم في قرية زيزون لتأمين احتياجاتهم المائية، إلا أن هذه الإمدادات ليست كافية لسد احتياجات القرية.
وفي هذا السياق، يؤكد أبو محمد الموسى، من سكان القرية القدماء، على ضرورة حفر بئر يضمن توفير مصدر دائم للمياه.
الكهرباء خدمة مشروطة بالرشاوى
لدى تواصل مع أحد مسؤولي الكهرباء في مدينة درعا، أكد لنا أن الكهرباء في عمورية متقطعة وضعيفة بسبب تلف الكابلات والأعمدة دون صيانة.
وتم رفع شكاوى الأهالي في انتظار الرد، في حين يتهم الأهالي عمال الكهرباء بطلب "رشاوى مالية" لإصلاح الأعطال، وإلا تبقى القرية في الظلام.
وحول واقع الكهرباء المتردي والشكاوى المتكررة، تواصلت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية مع أحد مسؤولي الكهرباء في مدينة درعا، الذي أكد لمراسلنا أن خدمات الكهرباء تتسم بالضعف والانقطاع المتكرر بسبب التلف وعدم الصيانة المستمرة للكابلات والأعمدة، مشيراً إلى أنهم يبذلون ما بوسعهم من أجل اصلاح الخطوط القديمة وايصال الكهرباء إلى جميع المنازل.
إلا أن للأهالي رأي أخر حيث اتهموا تلك الجهات المختصة بالتأخر المتعمد في معالجة الشكاوى المقدمة من قبلهم، مشيرين إلى وجود ممارسات مشبوهة، حيث يُطلب منهم دفع رشاوى مالية لإصلاح الأعطال، وإلا تبقى القرية تعيش ظروف الظلام.
نزوح وتشريد
شهدت قرية عمورية في السنوات الماضية موجات نزوح عدة، أبرزها استضافة أكثر من 400 طالب فلسطيني من مخيم جلين عام 2017، بعد تشريدهم بسبب سيطرة تنظيم داعش على قريتهم بعد توقف مدرسة الأونروا هناك، حيث أُعيد افتتاح مدرسة عمورية بنظام الدوام الثاني لاستيعاب هؤلاء الطلاب، رغم قلة الإمكانيات، مما منحهم فرصة متابعة تعليمهم بعد انقطاع طويل.
الأوضاع الاقتصادية
تعتمد غالبية الفلسطينيين في القرية على تربية المواشي كمصدر رئيس للدخل، بينما يعمل البعض في مهن بسيطة مثل مناشير الحجر، حيث يضطر محمد، شاب فلسطيني يبلغ من العمر 25 عامًا، إلى البقاء طوال الأسبوع في مكان عمله بالمدينة، عائدًا إلى القرية فقط في عطلة نهاية الأسبوع، نظرًا لندرة فرص العمل داخل عمورية بسبب شح الموارد، خاصة المياه.
من جهة أخرى، تتزايد نسبة عمل النساء في ورش الخضار المتواجدة في القرى المجاورة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات الأمية بينهن، إذ تقتصر الدراسة على المرحلة الابتدائية داخل العمورية، ويرفض الكثير من الأهالي إرسال بناتهم إلى مدارس خارج القرية. وهذا الواقع يترك النساء أمام خيار العمل المبكر في ظروف صعبة، تشمل ساعات عمل طويلة، وأجور منخفضة، واستغلالًا متكررًا.
هذه الظروف المتشابكة تسلط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها سكان قرية عمورية، وعلى الحاجة الملحة لتدخلات تنموية شاملة تعزز فرص التعليم، وتحسن الخدمات الأساسية، وتدعم التنمية الاقتصادية وتخفف الأعباء عن السكان الفلسطينيين والسوريين على حد سواء.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
تقع قرية "عمورية" في عمق الريف الغربي لمحافظة درعا، بالقرب من الحدود الأردنية، وتحديداً شمال معسكر طلائع زيزون، الذي أصبح ملاذًا لفلسطينيين وسوريين هربوا من ويلات الحرب السورية، تحيط بها قرى العجمي وزيزون والجعارة، ويبلغ عدد سكانها حوالي ألف نسمة، يعمل معظمهم في زراعة الخضروات وتربية المواشي، وهما النشاطان الزراعيان الأكثر انتشارًا في المنطقة.
بين هذا الخليط السكاني، تستقر عائلات فلسطينية يبلغ تعداد أفرادها نحو 70 نسمة، تنتمي في أغلبها إلى عشيرة الموسى أو المواسة البدوية، بالإضافة إلى عائلة الرجا التي انتقلت مؤخرًا إلى القرية، فرضت ظروف الحرب تقلبات على أعداد هذه العائلات، ما جعلها عرضة لتغير مستمر منذ اندلاع النزاع عام 2011.
تعاني العائلات الفلسطينية في عمورية من أوضاع معيشية بالغة الصعوبة، إذ اضطر بعض أفرادها للسكن في أرض الوادي لعدم امتلاكهم مساكن دائمة داخل القرية، فيما يعيش آخرون على أطراف الوادي نتيجة الأوضاع المالية المتردية، وتبقى المنازل في القرية شاهدة على هذه المعاناة، فبنيت غالبًا من الحجر والطين والبلوك، بينما تغطيها أسقف من الزنكو، تعبيرًا عن العجز عن تحمل تكاليف البناء الحديث، هذا الواقع يعكس مصدر قلق حقيقي حول استقرار هؤلاء السكان والحاجة الملحة لتحسين ظروفهم المعيشية.
التعليم.. معاناة وشقاء
تعاني قرية عمورية من نقص حاد في الكوادر التعليمية، إذ لا تتوفر فيها مدارس إعدادية أو ثانوية، ما يضطر العائلات الفلسطينية والسورية إلى نقل أبنائها يوميًا لمسافات طويلة إلى مدرسة الخامسة الإعدادية في تل شهاب، مقابل تكلفة نقل تبلغ نحو 7,000 ليرة سورية للذهاب ونفس المبلغ للعودة، وتعاني مدرسة عمورية الابتدائية الوحيدة من قلة المعلمين المتخصصين، مما يدفع العديد من الطلاب إلى الانقطاع عن الدراسة والتوجه للعمل في الزراعة أو رعي المواشي. أما طلاب المرحلة الثانوية، فيواجهون مشقة أكبر، إذ يقطعون طرقًا طويلة تمر عبر قرى مجاورة للوصول إلى مدارسهم، وهو ما يدفع كثيرين لترك الدراسة والانخراط المبكر في سوق العمل، أما الفتيات فيدفعن الضريبة الأكبر جراء الإهمال الحكومي وتقاعس المنظمات الدولية المعنية باللاجئين الفلسطينين عن دورها في تخفيف معاناتهم.
المياه.. تكاليف باهظة
من أبرز الأزمات الحياتية مشكلة المياه التي تعصف بالقرية وتسبب المتاعب لقاطنيها، حيث يعد جفاف نبع الفوار، المصدر الرئيسي للمياه، عائقًا كبيرًا أمام الأهالي، الذين يضطرون لشراء المياه من بلدة المزيريب بتكلفة مرتفعة تصل إلى 250,000 ليرة للصهريج الواحد، ما يعادل 25 دولا، وترتفع بسبب بُعد المسافة، في حين أن بعض السكان يعتمدون على جيرانهم في قرية زيزون لتأمين احتياجاتهم المائية، إلا أن هذه الإمدادات ليست كافية لسد احتياجات القرية.
وفي هذا السياق، يؤكد أبو محمد الموسى، من سكان القرية القدماء، على ضرورة حفر بئر يضمن توفير مصدر دائم للمياه.
الكهرباء خدمة مشروطة بالرشاوى
لدى تواصل مع أحد مسؤولي الكهرباء في مدينة درعا، أكد لنا أن الكهرباء في عمورية متقطعة وضعيفة بسبب تلف الكابلات والأعمدة دون صيانة.
وتم رفع شكاوى الأهالي في انتظار الرد، في حين يتهم الأهالي عمال الكهرباء بطلب "رشاوى مالية" لإصلاح الأعطال، وإلا تبقى القرية في الظلام.
وحول واقع الكهرباء المتردي والشكاوى المتكررة، تواصلت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية مع أحد مسؤولي الكهرباء في مدينة درعا، الذي أكد لمراسلنا أن خدمات الكهرباء تتسم بالضعف والانقطاع المتكرر بسبب التلف وعدم الصيانة المستمرة للكابلات والأعمدة، مشيراً إلى أنهم يبذلون ما بوسعهم من أجل اصلاح الخطوط القديمة وايصال الكهرباء إلى جميع المنازل.
إلا أن للأهالي رأي أخر حيث اتهموا تلك الجهات المختصة بالتأخر المتعمد في معالجة الشكاوى المقدمة من قبلهم، مشيرين إلى وجود ممارسات مشبوهة، حيث يُطلب منهم دفع رشاوى مالية لإصلاح الأعطال، وإلا تبقى القرية تعيش ظروف الظلام.
نزوح وتشريد
شهدت قرية عمورية في السنوات الماضية موجات نزوح عدة، أبرزها استضافة أكثر من 400 طالب فلسطيني من مخيم جلين عام 2017، بعد تشريدهم بسبب سيطرة تنظيم داعش على قريتهم بعد توقف مدرسة الأونروا هناك، حيث أُعيد افتتاح مدرسة عمورية بنظام الدوام الثاني لاستيعاب هؤلاء الطلاب، رغم قلة الإمكانيات، مما منحهم فرصة متابعة تعليمهم بعد انقطاع طويل.
الأوضاع الاقتصادية
تعتمد غالبية الفلسطينيين في القرية على تربية المواشي كمصدر رئيس للدخل، بينما يعمل البعض في مهن بسيطة مثل مناشير الحجر، حيث يضطر محمد، شاب فلسطيني يبلغ من العمر 25 عامًا، إلى البقاء طوال الأسبوع في مكان عمله بالمدينة، عائدًا إلى القرية فقط في عطلة نهاية الأسبوع، نظرًا لندرة فرص العمل داخل عمورية بسبب شح الموارد، خاصة المياه.
من جهة أخرى، تتزايد نسبة عمل النساء في ورش الخضار المتواجدة في القرى المجاورة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات الأمية بينهن، إذ تقتصر الدراسة على المرحلة الابتدائية داخل العمورية، ويرفض الكثير من الأهالي إرسال بناتهم إلى مدارس خارج القرية. وهذا الواقع يترك النساء أمام خيار العمل المبكر في ظروف صعبة، تشمل ساعات عمل طويلة، وأجور منخفضة، واستغلالًا متكررًا.
هذه الظروف المتشابكة تسلط الضوء على حجم المعاناة التي يعيشها سكان قرية عمورية، وعلى الحاجة الملحة لتدخلات تنموية شاملة تعزز فرص التعليم، وتحسن الخدمات الأساسية، وتدعم التنمية الاقتصادية وتخفف الأعباء عن السكان الفلسطينيين والسوريين على حد سواء.