فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في درعا البلد قريبا من الحدود الاردنية، في قلب منطقة نائية بين بساتين الزيتون التي جفت وذبلت منذ سنوات الحرب، تقع "النخلة"، تلك البقعة التي تشبه واحة وحيدة في صحراء قاسية، هنا، بين الأشجار اليابسة والأرض القاحلة، تمسك عائلة فلسطينية بجذورها رغم العزلة والفقدان، إنها عائلة المنايعة، أو كما يُعرفون بـ "عائلة أبو نمر"، الذين حملوا معهم جراح غزة إلى سوريا، ليواجهوا سلسلة جديدة من المعاناة في رحلة لم تنتهِ بعد.
أصل التسمية
تعود أصول العائلة إلى بئر السبع والتي هجرت منها لغزّة، حيث تركت خلفها ذكريات وحياة مزقتها الحروب، لكن سوريا، التي كانت محطة أمل لهم، تحولت إلى ساحة معاناة جديدة، فبعد سنوات من النزوح والتهجير، استقر بهم المطاف في درعا البلد، إلا أن انطلاقة الثورة من درعا البلد جعل هذه المنطقة تتعرض للقصف، وهو ما اضطر عائلة المنايعة للبحث عن ملاذ آمن في منطقة النخلة، على أطراف درعا البلد، حيث لا جيران إلا الصمت، ولا سند إلا إرادتهم.
تحولت منطقة النخلة مسكنا لكثير من العوائل الفلسطينية، كونها قريبة من الحدود الأردنية، وهو ما وفّر لهم مزيدا من الأمن والأمان الذي افتقدوه في درعا البلد.
بين المنافي والسجون
لم تكن الغربة آخر ما واجهته هذه العائلة، بل كانت بداية رحلة طويلة من الألم، كما يحكي أبو نمر، بدأت المعاناة باستشهاد والده "البحراوي بحيري المنايعة" (مواليد 1935 في بئر السبع)، أحد مؤسسي حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمقاتل منذ اللحظة الأولى في الثورة الفلسطينية، بعد مشاركته في عمليات عسكرية داخل الأراضي المحتلة، سُجن ثم لجأ إلى الأردن، وبعد أحداث أيلول الأسود، اضطر إلى النزوح إلى سوريا، حيث استمرت مسيرة النضال والألم،
وفي عام 1982، أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، سقط الابن "محمد" شهيداً، لكن عائلته لم تتمكن حتى من وداع جثمانه، فكما حدث مع المئات من الشهداء الفلسطينيين والعرب، اختفت آثاره، ليُختَزل اسمه إلى مجرد رقم في مقابر جماعية مجهولة، إذ "أخذه اليهود إلى مقابر الأرقام"، كما تقول العائلة بمرارة،
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي آذار/2024، استشهد الابن الأكبر "نمر بحراوي البحيري المنايعة" في غزة، بينما كان ينتظر وصول المساعدات الإنسانية عند دوار الكويت، نمر، الذي عاش طوال حياته حنينا إلى وطنه، قرر العودة إلى القطاع رغم الحصار، ليلاقي مصيراً قاسياً كآلاف الفلسطينيين تحت القصف، أما "أحمد" (مواليد 1971 في الأردن)، فقد اعتقلته قوات النظام السوري في31/8/2011، وما زال مصيره مجهولاً كآلاف المعتقلين الذين اختفت آثارهم، رغم الأمل الذي راود العائلة مع تحرير أجزاء من سوريا، لم يصلهم أي خبر عنه، ترك أحمد وراءه زوجة وأربعة أبناء وابنتين، تم ترحيلهم إلى الأردن بعد اعتقاله، ليعيشوا هم أيضاً في انتظار لا ينتهي.
اليوم، يواصل "صالح أبو نمر "، أحد أبناء العائلة، الذي حمل السلاح مع الجيش الحر منذ بداية الثورة السورية عمله كقائد ميداني في درعا، بينما ينتظر إخوته الثلاثة وأخواته الثلاث أي بصيص أمل لإنهاء هذه السلسلة من المعاناة.
النخلة بين العطش والجهل والمرض
تعيش العائلة في منطقة النخلة، التي تشبه جزيرة منسية، لا توجد فيها مياه جارية، ولا كهرباء، ولا مدارس، ولا مراكز صحية، فالماء يأتي عبر صهاريج يبلغ سعر الواحد منها 150 ألف ليرة سورية، وهو ثمن باهظ لعائلة تعتمد على تربية الأغنام والأبقار لتأمين قوت يومها.
وقد تفاقمت مشكلة المياه على المنطقة ولاسيما بعد جفاف سد درعا المجاور للمنطقة، والذي كان شريان الحياة لهذه المنطقة، وهذا ما جعل الكثيرين يهجرون أراضيهم لتبقى عائلة أبو نمر ضمن مجموعة من العوائل التي رفضت الرحيل والنزوح.
أما التعليم، فهو معاناة يومية، فالأطفال يضطرون لقطع مسافة 3 كيلومترات سيرا على الأقدام للوصول إلى أقرب مدرسة في درعا البلد، في رحلة شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة أو أمطار الشتاء القارس، بعض الأهالي يحاولون تخفيف المعاناة باستخدام الدراجات النارية، لكن حتى هذه الوسيلة ليست متاحة للجميع.
وفي منطقة النخلة بدرعا البلد، تعاني الرعاية الصحية للفلسطينيين من نقص حاد بسبب تدمير البنية التحتية خلال القصف والنزاعات، بعد تحرير المنطقة من نظام الأسد، تحسنت حركة التنقل، لكن الخدمات الصحية ما زالت محدودة، إذ إن الاعتماد الرئيسي كان على المنظمات الدولية التي قدمت الدواء والرعاية الطبية، بينما غابت "الأونروا" عن تقديم الدعم الفعّال، وقد لجأ العديد من الأهالي، بما فيهم الفلسطينيون، إلى هذه المنظمات لتلقي العلاج.
اليوم، رغم انفتاح الطرق، تبقى الخدمات الصحية غير كافية، مما يدفع السكان إلى البحث عن رعاية خارج المنطقة.
حياة على الهامش
في مواجهة شح الموارد، تحولت تربية الأغنام والأبقار إلى مصدر الرزق الوحيد للعائلة، لكن حتى هذا المصدر بات مهددا بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وضعف الدخل، ومع توقف دعم الأونروا بعد تحرير سوريا، زادت الأعباء على العائلات الفلسطينية التي تعيش في المناطق النائية مثل النخلة.
ورغم كل هذا، يبقى "أبو نمر" صالح المنايعة رمزا للصمود، فهو الذي حفر بئرا ليجلب قطرة ماء إلى أرضه الجافة، وهو الذي ما زال ممسكا ببندقيته، مؤمنا بأن القضية لم تنتهِ.
اليوم، يقيم معه أبناء إخوته الأيتام والمفقودين، وعدد من العائلات الفلسطينية الأخرى مثل عائلة الخليل والجراد، النعمان، يبلغ عدد هذه العوائل حوالي 50 فرداً .
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في درعا البلد قريبا من الحدود الاردنية، في قلب منطقة نائية بين بساتين الزيتون التي جفت وذبلت منذ سنوات الحرب، تقع "النخلة"، تلك البقعة التي تشبه واحة وحيدة في صحراء قاسية، هنا، بين الأشجار اليابسة والأرض القاحلة، تمسك عائلة فلسطينية بجذورها رغم العزلة والفقدان، إنها عائلة المنايعة، أو كما يُعرفون بـ "عائلة أبو نمر"، الذين حملوا معهم جراح غزة إلى سوريا، ليواجهوا سلسلة جديدة من المعاناة في رحلة لم تنتهِ بعد.
أصل التسمية
تعود أصول العائلة إلى بئر السبع والتي هجرت منها لغزّة، حيث تركت خلفها ذكريات وحياة مزقتها الحروب، لكن سوريا، التي كانت محطة أمل لهم، تحولت إلى ساحة معاناة جديدة، فبعد سنوات من النزوح والتهجير، استقر بهم المطاف في درعا البلد، إلا أن انطلاقة الثورة من درعا البلد جعل هذه المنطقة تتعرض للقصف، وهو ما اضطر عائلة المنايعة للبحث عن ملاذ آمن في منطقة النخلة، على أطراف درعا البلد، حيث لا جيران إلا الصمت، ولا سند إلا إرادتهم.
تحولت منطقة النخلة مسكنا لكثير من العوائل الفلسطينية، كونها قريبة من الحدود الأردنية، وهو ما وفّر لهم مزيدا من الأمن والأمان الذي افتقدوه في درعا البلد.
بين المنافي والسجون
لم تكن الغربة آخر ما واجهته هذه العائلة، بل كانت بداية رحلة طويلة من الألم، كما يحكي أبو نمر، بدأت المعاناة باستشهاد والده "البحراوي بحيري المنايعة" (مواليد 1935 في بئر السبع)، أحد مؤسسي حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمقاتل منذ اللحظة الأولى في الثورة الفلسطينية، بعد مشاركته في عمليات عسكرية داخل الأراضي المحتلة، سُجن ثم لجأ إلى الأردن، وبعد أحداث أيلول الأسود، اضطر إلى النزوح إلى سوريا، حيث استمرت مسيرة النضال والألم،
وفي عام 1982، أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، سقط الابن "محمد" شهيداً، لكن عائلته لم تتمكن حتى من وداع جثمانه، فكما حدث مع المئات من الشهداء الفلسطينيين والعرب، اختفت آثاره، ليُختَزل اسمه إلى مجرد رقم في مقابر جماعية مجهولة، إذ "أخذه اليهود إلى مقابر الأرقام"، كما تقول العائلة بمرارة،
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي آذار/2024، استشهد الابن الأكبر "نمر بحراوي البحيري المنايعة" في غزة، بينما كان ينتظر وصول المساعدات الإنسانية عند دوار الكويت، نمر، الذي عاش طوال حياته حنينا إلى وطنه، قرر العودة إلى القطاع رغم الحصار، ليلاقي مصيراً قاسياً كآلاف الفلسطينيين تحت القصف، أما "أحمد" (مواليد 1971 في الأردن)، فقد اعتقلته قوات النظام السوري في31/8/2011، وما زال مصيره مجهولاً كآلاف المعتقلين الذين اختفت آثارهم، رغم الأمل الذي راود العائلة مع تحرير أجزاء من سوريا، لم يصلهم أي خبر عنه، ترك أحمد وراءه زوجة وأربعة أبناء وابنتين، تم ترحيلهم إلى الأردن بعد اعتقاله، ليعيشوا هم أيضاً في انتظار لا ينتهي.
اليوم، يواصل "صالح أبو نمر "، أحد أبناء العائلة، الذي حمل السلاح مع الجيش الحر منذ بداية الثورة السورية عمله كقائد ميداني في درعا، بينما ينتظر إخوته الثلاثة وأخواته الثلاث أي بصيص أمل لإنهاء هذه السلسلة من المعاناة.
النخلة بين العطش والجهل والمرض
تعيش العائلة في منطقة النخلة، التي تشبه جزيرة منسية، لا توجد فيها مياه جارية، ولا كهرباء، ولا مدارس، ولا مراكز صحية، فالماء يأتي عبر صهاريج يبلغ سعر الواحد منها 150 ألف ليرة سورية، وهو ثمن باهظ لعائلة تعتمد على تربية الأغنام والأبقار لتأمين قوت يومها.
وقد تفاقمت مشكلة المياه على المنطقة ولاسيما بعد جفاف سد درعا المجاور للمنطقة، والذي كان شريان الحياة لهذه المنطقة، وهذا ما جعل الكثيرين يهجرون أراضيهم لتبقى عائلة أبو نمر ضمن مجموعة من العوائل التي رفضت الرحيل والنزوح.
أما التعليم، فهو معاناة يومية، فالأطفال يضطرون لقطع مسافة 3 كيلومترات سيرا على الأقدام للوصول إلى أقرب مدرسة في درعا البلد، في رحلة شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة أو أمطار الشتاء القارس، بعض الأهالي يحاولون تخفيف المعاناة باستخدام الدراجات النارية، لكن حتى هذه الوسيلة ليست متاحة للجميع.
وفي منطقة النخلة بدرعا البلد، تعاني الرعاية الصحية للفلسطينيين من نقص حاد بسبب تدمير البنية التحتية خلال القصف والنزاعات، بعد تحرير المنطقة من نظام الأسد، تحسنت حركة التنقل، لكن الخدمات الصحية ما زالت محدودة، إذ إن الاعتماد الرئيسي كان على المنظمات الدولية التي قدمت الدواء والرعاية الطبية، بينما غابت "الأونروا" عن تقديم الدعم الفعّال، وقد لجأ العديد من الأهالي، بما فيهم الفلسطينيون، إلى هذه المنظمات لتلقي العلاج.
اليوم، رغم انفتاح الطرق، تبقى الخدمات الصحية غير كافية، مما يدفع السكان إلى البحث عن رعاية خارج المنطقة.
حياة على الهامش
في مواجهة شح الموارد، تحولت تربية الأغنام والأبقار إلى مصدر الرزق الوحيد للعائلة، لكن حتى هذا المصدر بات مهددا بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وضعف الدخل، ومع توقف دعم الأونروا بعد تحرير سوريا، زادت الأعباء على العائلات الفلسطينية التي تعيش في المناطق النائية مثل النخلة.
ورغم كل هذا، يبقى "أبو نمر" صالح المنايعة رمزا للصمود، فهو الذي حفر بئرا ليجلب قطرة ماء إلى أرضه الجافة، وهو الذي ما زال ممسكا ببندقيته، مؤمنا بأن القضية لم تنتهِ.
اليوم، يقيم معه أبناء إخوته الأيتام والمفقودين، وعدد من العائلات الفلسطينية الأخرى مثل عائلة الخليل والجراد، النعمان، يبلغ عدد هذه العوائل حوالي 50 فرداً .