فايز أبو عيد – مجموعة العمل
تتمتع مدينة طفس بموقع جغرافي فريد يجعلها واحدة من أهم المدن في محافظة درعا جنوب سوريا. تقع المدينة على بعد حوالي 13 كيلومتراً شمال غرب مدينة درعا، وحوالي 100 كيلومتر جنوب العاصمة دمشق، مما يجعلها حلقة وصل بين المناطق الجنوبية والوسطى من سوريا، كما أن قربها من الحدود الأردنية، التي تبعد عنها نحو 20 كيلومتراً فقط، يضفي عليها أهمية تجارية واستراتيجية كبيرة.
تقع طفس على ضفاف وادي الهرير الشرقي، ضمن سهل حوران الخصب، وهو ما ساهم في ازدهار الزراعة فيها. تشتهر المدينة بشكل خاص بزراعة الطماطم (البندورة) والخضروات الأخرى، حيث تُعدّ من أهم المناطق الزراعية في سوريا، يُقام في طفس أحد أكبر أسواق الجملة للمنتجات الزراعية في المنطقة، مما يوفر فرص عمل لآلاف السكان، ليس فقط من أبناء المدينة، بل أيضاً من القرى والبلدات المجاورة.
إلى جانب الزراعة، تتمتع طفس ببنية تحتية متطورة نسبياً مقارنة بغيرها من المدن في المحافظة.
تضم المدينة أكثر من 30 مدرسة تخدم مختلف المراحل التعليمية، بالإضافة إلى مشفى وطني كبير كان يُدار خلال سنوات النزاع من قبل فصائل المعارضة، إضافة إلى مستوصفات صحية متعددة تقدم الخدمات الطبية الأساسية للسكان.
بين الاندماج الاجتماعي والحفاظ على الهوية
بعد نكبة عام 1948، استقرت العديد من العائلات الفلسطينية في مدينة طفس، حيث شكلت جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي للمدينة. تنقسم هذه العائلات إلى فئتين رئيسيتين:
1- العائلات التي حصلت على الجنسية السورية:
استطاعت بعض العائلات الاندماج بشكل كامل في المجتمع السوري، وحصلت على الجنسية كعائلة النابلسي والبيطاري والغزاوي، مما سمح لها بالتمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية، إلا أنهم يعرفون عن أنفسهم في مدينة طفس بالعوائل الفلسطينية، وعائلة البيطاري على سبيل المثال من العائلات الميسورة في طفس، حيث تمتلك أراضٍ زراعية واسعة.
من أبرز شخصياتها الدكتور يوسف البيطاري، وابنه الدكتور محمد البيطاري (طبيب)، والمهندس وسام البيطاري، وهم يعرفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون في كل مناسبة أو لقاء .
2- العائلات التي حافظت على الجنسية الفلسطينية:
يبلغ عدد هذه العوائل التي مازالت محتفظة بهويتها الفلسطينية قرابة 200 فرد، ومن أبرز هذه العائلات الفلسطينية في طفس:
1- عائلة النصراوي:
تُعدّ من العائلات المعروفة في المدينة، حيث برز منها عدد من الشخصيات المهمة، برعوا في مجالات الطب والهندسة كالدكتور نادر النصراوي، والدكتور عدنان النصراوي (متخصص في الطب الشرعي)، إضافة لعدد من المهندسين فيما يعمل آخرون من أفراد العائلة في الزراعة، ويشغل آخرون وظائف حكومية، خاصة في مجال الري.
2- عائلة خفاجة:
من أخوين أحدهما يدعى فاروق والآخر فلاح تفرعت هذه العائلة التي يتجاوز عدد أفرادها 50 شخصاً، وينتشرون في مختلف المهن، من الزراعة والتجارة، كما أن هناك متعلمين، فهناك طبيبة أسنان وعدد من الممرضين.
3- عائلة المشهداني:
رغم صغر حجمها مقارنة بغيرها، إلا أنها لمعت في المدينة بسبب دورها الاجتماعي والديني، ويعود الفضل بذلك لأبرز شخصياتها المرحوم محمد خليل المشهداوي (المعروف بـ "أبو الحج")، الذي ارتبط اسمه بخدمة الجامع العمري الكبير في طفس لأكثر من 66 عاماً.
4- عائلة الشمالي:
عانت هذه العائلة من القمع السياسي، حيث اعتقل النظام السوري الكاتب إسماعيل الشمالي عام 1995، وتوفي في سجن السويداء عام 2020 بسبب الإهمال الطبي.
5- عائلة السليم:
منها المربي المتقاعد سليم السليم الذي كان مديرا لإحدى مدارس طفس، وقد كان له دور بارز في تخريج كم هائل من أبناء طفس، كما أن أبناءه أيضا من الطبقة المثقفة، فعنده طبيب ومهندس ومعلم .
شخصيات فلسطينية تركت بصمتها
1- أبو الحج: حارس الجامع العمري الكبير:
وُلد محمد خليل المشهداوي، الملقب بـ "أبو الحج"، في قرية دبورية قرب الناصرة عام 1923، ثم لجأ إلى طفس عام 1948، ساهم ببناء أول جامع بطفس، وقد عمل مؤذناً ومنظفاً للجامع العمري الكبير، وأصبح رمزاً للعطاء والتضحية، كان يرفع الأذان للصلوات الخمسة يومياً، وينظف المسجد بنفسه. في رمضان، كان يقرأ القرآن قبل الأذان، ويختم بتذكير المصلين بعبارته الشهيرة: "صوموا تصحوا... تسحروا فإن في السحور بركة".
بالإضافة إلى ذلك، أشرف أبو الحج على غسل الموتى وتكفينهم، وكان ينعي المتوفى بطريقة مؤثرة تحترم مشاعر الأهل، توفي في 1 كانون الثاني 2016، تاركاً إرثاً روحياً واجتماعياً لا يزال حاضراً في ذاكرة أهالي طفس.
2- الكاتب إسماعيل الشمالي أقدم سجين للرأي في سورية:
وُلد إسماعيل أحمد إبراهيم الشمالي في خان يونس عام 1953، كلاجئ فلسطيني في سوريا، وقد استقر في طفس، حيث عمل كاتباً وروائياً، اعتقل عام 1995 بتهمة "حيازة وثائق سرية" بعد تأليفه كتاباً عن صدام حسين وحافظ الأسد.
قضى 21 عاماً في سجون المخابرات السورية، وتعرض للتعذيب في سجن صيدنايا، كما حُرم من الزيارة لعقد كامل. نُقل لاحقاً إلى سجن السويداء، حيث توفي في 24 كانون الأول 2020، رغم أن إدارة السجن ادعت أن سبب الوفاة نوبة قلبية، إلا أن أهله أكدوا أنه مات بسبب كوفيد-19 والإهمال الطبي، وقد شُيع في طفس، حيث دفن في مقابرها وسط حشد كبير من الأهالي الذين رأوا فيه رمزاً للنضال ضد الظلم.
تحديات وعقبات
رغم الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية المتطورة نسبياً، تواجه طفس عدداً من التحديات التي تعيق تطورها:
1- الفلتان الأمني:
تعاني المدينة من انتشار ظاهرة الرصاص العشوائي في الأفراح والمناسبات، مما يشكل خطراً على حياة المدنيين، كما تتفاقم النزاعات العشائرية بين الشباب بسبب غياب الرقابة الأمنية الفاعلة.
2- الوضع الصحي المتدهور:
رغم وجود مشفى وطني، وعدد من المستوصفات إلا أن الخدمات الصحية تبقى دون المستوى المطلوب، والسبب نقص الكوادر، مما يدفع كثير من الفلسطينين في طفس للتوجه للمزيريب أو مدينة درعا حيث تتواجد مراكز طبية للأونروا إلا أن الخدمات التي تقدمها تبدو متواضعة لا تغطي العمليات الجراحية، مما يدفع الأهالي إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة التي تتطلب تكاليف باهظة بعشرات الملايين من الليرات.
3- أزمة الكهرباء المزمنة:
تعاني طفس من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر كباقي مناطق المحافظة، مما يؤثر سلباً على الحياة اليومية للأهالي، ويُعيق الأعمال التجارية والصناعية.
4- البطالة والهجرة الجماعية للشباب:
بسبب قلة فرص العمل، اضطر العديد من الشباب إلى الهجرة إلى دول مثل ليبيا ودول الخليج العربي بحثاً عن لقمة العيش.
إضافة إلى الضغوط التي مارسها النظام البائد اضطر كثير من الشباب الفلسطيني كإخوانهم السوريين للهجرة، وقد استقر كثير من الشباب الفلسطيني من أهالي طفس في ليبيا ككثير من شباب عائلة النصراوي.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
تتمتع مدينة طفس بموقع جغرافي فريد يجعلها واحدة من أهم المدن في محافظة درعا جنوب سوريا. تقع المدينة على بعد حوالي 13 كيلومتراً شمال غرب مدينة درعا، وحوالي 100 كيلومتر جنوب العاصمة دمشق، مما يجعلها حلقة وصل بين المناطق الجنوبية والوسطى من سوريا، كما أن قربها من الحدود الأردنية، التي تبعد عنها نحو 20 كيلومتراً فقط، يضفي عليها أهمية تجارية واستراتيجية كبيرة.
تقع طفس على ضفاف وادي الهرير الشرقي، ضمن سهل حوران الخصب، وهو ما ساهم في ازدهار الزراعة فيها. تشتهر المدينة بشكل خاص بزراعة الطماطم (البندورة) والخضروات الأخرى، حيث تُعدّ من أهم المناطق الزراعية في سوريا، يُقام في طفس أحد أكبر أسواق الجملة للمنتجات الزراعية في المنطقة، مما يوفر فرص عمل لآلاف السكان، ليس فقط من أبناء المدينة، بل أيضاً من القرى والبلدات المجاورة.
إلى جانب الزراعة، تتمتع طفس ببنية تحتية متطورة نسبياً مقارنة بغيرها من المدن في المحافظة.
تضم المدينة أكثر من 30 مدرسة تخدم مختلف المراحل التعليمية، بالإضافة إلى مشفى وطني كبير كان يُدار خلال سنوات النزاع من قبل فصائل المعارضة، إضافة إلى مستوصفات صحية متعددة تقدم الخدمات الطبية الأساسية للسكان.
بين الاندماج الاجتماعي والحفاظ على الهوية
بعد نكبة عام 1948، استقرت العديد من العائلات الفلسطينية في مدينة طفس، حيث شكلت جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي للمدينة. تنقسم هذه العائلات إلى فئتين رئيسيتين:
1- العائلات التي حصلت على الجنسية السورية:
استطاعت بعض العائلات الاندماج بشكل كامل في المجتمع السوري، وحصلت على الجنسية كعائلة النابلسي والبيطاري والغزاوي، مما سمح لها بالتمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية، إلا أنهم يعرفون عن أنفسهم في مدينة طفس بالعوائل الفلسطينية، وعائلة البيطاري على سبيل المثال من العائلات الميسورة في طفس، حيث تمتلك أراضٍ زراعية واسعة.
من أبرز شخصياتها الدكتور يوسف البيطاري، وابنه الدكتور محمد البيطاري (طبيب)، والمهندس وسام البيطاري، وهم يعرفون أنفسهم بأنهم فلسطينيون في كل مناسبة أو لقاء .
2- العائلات التي حافظت على الجنسية الفلسطينية:
يبلغ عدد هذه العوائل التي مازالت محتفظة بهويتها الفلسطينية قرابة 200 فرد، ومن أبرز هذه العائلات الفلسطينية في طفس:
1- عائلة النصراوي:
تُعدّ من العائلات المعروفة في المدينة، حيث برز منها عدد من الشخصيات المهمة، برعوا في مجالات الطب والهندسة كالدكتور نادر النصراوي، والدكتور عدنان النصراوي (متخصص في الطب الشرعي)، إضافة لعدد من المهندسين فيما يعمل آخرون من أفراد العائلة في الزراعة، ويشغل آخرون وظائف حكومية، خاصة في مجال الري.
2- عائلة خفاجة:
من أخوين أحدهما يدعى فاروق والآخر فلاح تفرعت هذه العائلة التي يتجاوز عدد أفرادها 50 شخصاً، وينتشرون في مختلف المهن، من الزراعة والتجارة، كما أن هناك متعلمين، فهناك طبيبة أسنان وعدد من الممرضين.
3- عائلة المشهداني:
رغم صغر حجمها مقارنة بغيرها، إلا أنها لمعت في المدينة بسبب دورها الاجتماعي والديني، ويعود الفضل بذلك لأبرز شخصياتها المرحوم محمد خليل المشهداوي (المعروف بـ "أبو الحج")، الذي ارتبط اسمه بخدمة الجامع العمري الكبير في طفس لأكثر من 66 عاماً.
4- عائلة الشمالي:
عانت هذه العائلة من القمع السياسي، حيث اعتقل النظام السوري الكاتب إسماعيل الشمالي عام 1995، وتوفي في سجن السويداء عام 2020 بسبب الإهمال الطبي.
5- عائلة السليم:
منها المربي المتقاعد سليم السليم الذي كان مديرا لإحدى مدارس طفس، وقد كان له دور بارز في تخريج كم هائل من أبناء طفس، كما أن أبناءه أيضا من الطبقة المثقفة، فعنده طبيب ومهندس ومعلم .
شخصيات فلسطينية تركت بصمتها
1- أبو الحج: حارس الجامع العمري الكبير:
وُلد محمد خليل المشهداوي، الملقب بـ "أبو الحج"، في قرية دبورية قرب الناصرة عام 1923، ثم لجأ إلى طفس عام 1948، ساهم ببناء أول جامع بطفس، وقد عمل مؤذناً ومنظفاً للجامع العمري الكبير، وأصبح رمزاً للعطاء والتضحية، كان يرفع الأذان للصلوات الخمسة يومياً، وينظف المسجد بنفسه. في رمضان، كان يقرأ القرآن قبل الأذان، ويختم بتذكير المصلين بعبارته الشهيرة: "صوموا تصحوا... تسحروا فإن في السحور بركة".
بالإضافة إلى ذلك، أشرف أبو الحج على غسل الموتى وتكفينهم، وكان ينعي المتوفى بطريقة مؤثرة تحترم مشاعر الأهل، توفي في 1 كانون الثاني 2016، تاركاً إرثاً روحياً واجتماعياً لا يزال حاضراً في ذاكرة أهالي طفس.
2- الكاتب إسماعيل الشمالي أقدم سجين للرأي في سورية:
وُلد إسماعيل أحمد إبراهيم الشمالي في خان يونس عام 1953، كلاجئ فلسطيني في سوريا، وقد استقر في طفس، حيث عمل كاتباً وروائياً، اعتقل عام 1995 بتهمة "حيازة وثائق سرية" بعد تأليفه كتاباً عن صدام حسين وحافظ الأسد.
قضى 21 عاماً في سجون المخابرات السورية، وتعرض للتعذيب في سجن صيدنايا، كما حُرم من الزيارة لعقد كامل. نُقل لاحقاً إلى سجن السويداء، حيث توفي في 24 كانون الأول 2020، رغم أن إدارة السجن ادعت أن سبب الوفاة نوبة قلبية، إلا أن أهله أكدوا أنه مات بسبب كوفيد-19 والإهمال الطبي، وقد شُيع في طفس، حيث دفن في مقابرها وسط حشد كبير من الأهالي الذين رأوا فيه رمزاً للنضال ضد الظلم.
تحديات وعقبات
رغم الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية المتطورة نسبياً، تواجه طفس عدداً من التحديات التي تعيق تطورها:
1- الفلتان الأمني:
تعاني المدينة من انتشار ظاهرة الرصاص العشوائي في الأفراح والمناسبات، مما يشكل خطراً على حياة المدنيين، كما تتفاقم النزاعات العشائرية بين الشباب بسبب غياب الرقابة الأمنية الفاعلة.
2- الوضع الصحي المتدهور:
رغم وجود مشفى وطني، وعدد من المستوصفات إلا أن الخدمات الصحية تبقى دون المستوى المطلوب، والسبب نقص الكوادر، مما يدفع كثير من الفلسطينين في طفس للتوجه للمزيريب أو مدينة درعا حيث تتواجد مراكز طبية للأونروا إلا أن الخدمات التي تقدمها تبدو متواضعة لا تغطي العمليات الجراحية، مما يدفع الأهالي إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة التي تتطلب تكاليف باهظة بعشرات الملايين من الليرات.
3- أزمة الكهرباء المزمنة:
تعاني طفس من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر كباقي مناطق المحافظة، مما يؤثر سلباً على الحياة اليومية للأهالي، ويُعيق الأعمال التجارية والصناعية.
4- البطالة والهجرة الجماعية للشباب:
بسبب قلة فرص العمل، اضطر العديد من الشباب إلى الهجرة إلى دول مثل ليبيا ودول الخليج العربي بحثاً عن لقمة العيش.
إضافة إلى الضغوط التي مارسها النظام البائد اضطر كثير من الشباب الفلسطيني كإخوانهم السوريين للهجرة، وقد استقر كثير من الشباب الفلسطيني من أهالي طفس في ليبيا ككثير من شباب عائلة النصراوي.