map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

البازلت الأسود.. حجر الفلسطينيين في مواجهة نزيف الإيجارات بدرعا

تاريخ النشر : 23-10-2025
البازلت الأسود.. حجر الفلسطينيين في مواجهة نزيف الإيجارات بدرعا

فايز أبو عيد مجموعة العمل

 بينما كان "أيهم العيسى" مقيما في بيته في حي الضاحية بمدينة درعا هذا الحي الذي لجأ إليه بعد اندلاع الثورة السورية، فاجأه مالك المنزل بإنذارٍ قاسٍ: "إما أن تدفع إيجاراً جديداً قدره 200 دولار، أو تترك البيت لشخص آخر يستطيع دفعه".

لم يجد أيهم، ككثيرين غيره من العائدين، خياراً إلا العودة إلى بيته المهدم في المخيم، حاملاً معه إرادة البقاء وأداة البناء الوحيدة المتاحة: حجر البازلت الأسود.

العودة للبيوت المهدمة

بعد تحرير معظم الأراضي السورية، وجد آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين أنفسهم أمام مفترق طرق: إما دفع إيجارات خيالية خارج المخيمات، أو العودة إلى بيوتهم المدمرة.

وكما يقول أحد العائدين: "المؤجر اليوم بات يفضل القادم من خارج سوريا"، مستغلاً ارتفاع الرواتب وتحسن الأوضاع لرفع الأسعار بشكل جنوني.

هذه القصة تكررت مع مئات العائلات، حيث استغل الملاك ارتفاع الرواتب وزيادة الطلب - خاصة من القادمين الجدد خارج سورية - لرفع الإيجارات بشكل جنوني، ما دفع الكثيرين لاختيار العودة إلى بيوتهم المدمرة في المخيمات.

وفي مخيم درعا، الذي تأسس ليؤوي لاجئي نكبة 1948 ثم توسع بعد نكسة 1967، عادت الأسر الفلسطينية لمواجهة واقع مرير: بيوت منهدمة بالكامل، أو متضررة تحتاج لإعادة إعمار شاملة.

من المطبخ يبدأ الترميم.. والبازلت خيار الفقراء

في رحلة إعادة الإعمار هذه، تحول حجر البازلت من مادة بناء تقليدية إلى "شريان حياة" للعائدين.

كما يؤكد العائدون: "الإحياء يبدأ من المطبخ"، لكن المطابخ التي يطمح لها الفلسطينيون اليوم ليست كتلك التي في الإعلانات.

يقول علاء عثمان موظف بمؤسسة المياه وأحد سكان المخيم: "نحن لا نحتاج الحجر التركي الذي يتجاوز 37 دولاراً للمتر المربع، ولا الرخام المصري (حلايب ونيو حلايب) بـ 35 دولاراً، ولا الرخام الهندي أو الجرانيت الجلاكسي بأسعار خيالية، بل أي شيء زهيد الثمن.

مضيفاً بدلاً من ذلك، توجه الجميع إلى بديل محلي متين ورخيص: البازلت الأسود من منطقة حوران.

لماذا البازلت؟

الأسباب واضحة للمقارنة:

- سعر المتر المربع من البازلت السادة (غير المجلي) حوالي 9-10 دولارات فقط

- البازلت المجلي لا يتجاوز 20 دولاراً للمتر المربع

- بلاط الأرضيات من البازلت بـ4 دولارات للمتر المربع فقط

يقول "سامر أحمد"، المحاسب في منشار الفرسان في بلدة عتمان القريبة من مدينة درعا: "كثير من الفلسطينيين يأتون إلى هذه المنشأة في سبيل جلب الحجارة والرخام لأبناء المخيمات".

ويضيف: "البلوك لا يعطي دقة فالحجر هو الذي يحضره".

من المطبخ إلى القبر.. البازلت في كل مكان

لم يعد استخدام البازلت مقتصراً على المطابخ والبيوت، بل امتد ليشمل المقابر. يقول أبو مراد أحد العاملين في صناعة القبور: "مقبرة المخيم يتم إعادة بنائها من جديد باستخدام حجارة البازلت بدلاً من البلوك".

ويشرح: "حجارة البازلت تستخدم كسقّافيات بسماكة 4-5 سم وطول 80 سم وعرض 30 سم. القبر الواحد يحتاج إلى حوالي ست سقّافيات".

ويضيف: "في الماضي كان يستخدم البلوك بوضع قضبان الحديد، لكن البلوك اليوم يهدم فوق رأس الميت كونه من ال نوع الرديء بلا قضبان الحديد، أما البازلت فيجعل القبر قوياً ومتيناً".

المدارس ليست استثناء

امتد استخدام البازلت ليشمل المدارس أيضاً، حيث تُبنى "المصاطب التي يقف عليها المعلمون" من هذا الحجر المتين. كما يُستخدم في تثبيت شبابيك الألمنيوم، حيث "البلوك لا يعطي دقة فالحجر هو الذي يحضره كما يقول عدنان اطرير فلسطيني من مخيم درعا وهو يمتهن هذه المهنة المتوارثة عن أجداده في الخليل ".

تحديات الأسعار.. والطلب المتزايد

رغم اعتبار البازلت من الحجارة الرخيصة في محافظة درعا البركانية، إلا أنه يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار.

 يقول الخبراء: "كان سعر المتر المربع 90,000 ليرة سورية (9 دولارات) واليوم بات 110,000 ليرة"، وذلك بعد توقف المناشر في السويداء مما زاد الطلب على مناشير درعا.

في مخيم درعا، حيث تبنى البيوت من البازلت، وتُصلح المطابخ بالبازلت، وتُشيد القبور بالبازلت، يصبح هذا الحجر الأسود رمزاً للصمود. إنه ليس مجرد حجر بناء، بل هو خيار الضرورة للفقراء، وخيار الهوية لأبناء الأرض، وخيار المتانة لمن يبحثون عن البقاء.

هم لا يبنون بيوتهم بالبازلت لأنه الأجمل، بل لأنه الأقوى - كإرادتهم، والأرخص- كخياراتهم، والأكثر ارتباطاً بأرضهم - كهويتهم التي ترفض الانكسار.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22173

فايز أبو عيد مجموعة العمل

 بينما كان "أيهم العيسى" مقيما في بيته في حي الضاحية بمدينة درعا هذا الحي الذي لجأ إليه بعد اندلاع الثورة السورية، فاجأه مالك المنزل بإنذارٍ قاسٍ: "إما أن تدفع إيجاراً جديداً قدره 200 دولار، أو تترك البيت لشخص آخر يستطيع دفعه".

لم يجد أيهم، ككثيرين غيره من العائدين، خياراً إلا العودة إلى بيته المهدم في المخيم، حاملاً معه إرادة البقاء وأداة البناء الوحيدة المتاحة: حجر البازلت الأسود.

العودة للبيوت المهدمة

بعد تحرير معظم الأراضي السورية، وجد آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين أنفسهم أمام مفترق طرق: إما دفع إيجارات خيالية خارج المخيمات، أو العودة إلى بيوتهم المدمرة.

وكما يقول أحد العائدين: "المؤجر اليوم بات يفضل القادم من خارج سوريا"، مستغلاً ارتفاع الرواتب وتحسن الأوضاع لرفع الأسعار بشكل جنوني.

هذه القصة تكررت مع مئات العائلات، حيث استغل الملاك ارتفاع الرواتب وزيادة الطلب - خاصة من القادمين الجدد خارج سورية - لرفع الإيجارات بشكل جنوني، ما دفع الكثيرين لاختيار العودة إلى بيوتهم المدمرة في المخيمات.

وفي مخيم درعا، الذي تأسس ليؤوي لاجئي نكبة 1948 ثم توسع بعد نكسة 1967، عادت الأسر الفلسطينية لمواجهة واقع مرير: بيوت منهدمة بالكامل، أو متضررة تحتاج لإعادة إعمار شاملة.

من المطبخ يبدأ الترميم.. والبازلت خيار الفقراء

في رحلة إعادة الإعمار هذه، تحول حجر البازلت من مادة بناء تقليدية إلى "شريان حياة" للعائدين.

كما يؤكد العائدون: "الإحياء يبدأ من المطبخ"، لكن المطابخ التي يطمح لها الفلسطينيون اليوم ليست كتلك التي في الإعلانات.

يقول علاء عثمان موظف بمؤسسة المياه وأحد سكان المخيم: "نحن لا نحتاج الحجر التركي الذي يتجاوز 37 دولاراً للمتر المربع، ولا الرخام المصري (حلايب ونيو حلايب) بـ 35 دولاراً، ولا الرخام الهندي أو الجرانيت الجلاكسي بأسعار خيالية، بل أي شيء زهيد الثمن.

مضيفاً بدلاً من ذلك، توجه الجميع إلى بديل محلي متين ورخيص: البازلت الأسود من منطقة حوران.

لماذا البازلت؟

الأسباب واضحة للمقارنة:

- سعر المتر المربع من البازلت السادة (غير المجلي) حوالي 9-10 دولارات فقط

- البازلت المجلي لا يتجاوز 20 دولاراً للمتر المربع

- بلاط الأرضيات من البازلت بـ4 دولارات للمتر المربع فقط

يقول "سامر أحمد"، المحاسب في منشار الفرسان في بلدة عتمان القريبة من مدينة درعا: "كثير من الفلسطينيين يأتون إلى هذه المنشأة في سبيل جلب الحجارة والرخام لأبناء المخيمات".

ويضيف: "البلوك لا يعطي دقة فالحجر هو الذي يحضره".

من المطبخ إلى القبر.. البازلت في كل مكان

لم يعد استخدام البازلت مقتصراً على المطابخ والبيوت، بل امتد ليشمل المقابر. يقول أبو مراد أحد العاملين في صناعة القبور: "مقبرة المخيم يتم إعادة بنائها من جديد باستخدام حجارة البازلت بدلاً من البلوك".

ويشرح: "حجارة البازلت تستخدم كسقّافيات بسماكة 4-5 سم وطول 80 سم وعرض 30 سم. القبر الواحد يحتاج إلى حوالي ست سقّافيات".

ويضيف: "في الماضي كان يستخدم البلوك بوضع قضبان الحديد، لكن البلوك اليوم يهدم فوق رأس الميت كونه من ال نوع الرديء بلا قضبان الحديد، أما البازلت فيجعل القبر قوياً ومتيناً".

المدارس ليست استثناء

امتد استخدام البازلت ليشمل المدارس أيضاً، حيث تُبنى "المصاطب التي يقف عليها المعلمون" من هذا الحجر المتين. كما يُستخدم في تثبيت شبابيك الألمنيوم، حيث "البلوك لا يعطي دقة فالحجر هو الذي يحضره كما يقول عدنان اطرير فلسطيني من مخيم درعا وهو يمتهن هذه المهنة المتوارثة عن أجداده في الخليل ".

تحديات الأسعار.. والطلب المتزايد

رغم اعتبار البازلت من الحجارة الرخيصة في محافظة درعا البركانية، إلا أنه يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار.

 يقول الخبراء: "كان سعر المتر المربع 90,000 ليرة سورية (9 دولارات) واليوم بات 110,000 ليرة"، وذلك بعد توقف المناشر في السويداء مما زاد الطلب على مناشير درعا.

في مخيم درعا، حيث تبنى البيوت من البازلت، وتُصلح المطابخ بالبازلت، وتُشيد القبور بالبازلت، يصبح هذا الحجر الأسود رمزاً للصمود. إنه ليس مجرد حجر بناء، بل هو خيار الضرورة للفقراء، وخيار الهوية لأبناء الأرض، وخيار المتانة لمن يبحثون عن البقاء.

هم لا يبنون بيوتهم بالبازلت لأنه الأجمل، بل لأنه الأقوى - كإرادتهم، والأرخص- كخياراتهم، والأكثر ارتباطاً بأرضهم - كهويتهم التي ترفض الانكسار.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22173