map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

مأساة الطالبة الجامعية نسرين. هوية بلا وطن ونجاح بلا ثمن في الجامعة اللبنانية

تاريخ النشر : 24-10-2025
مأساة الطالبة الجامعية نسرين. هوية بلا وطن ونجاح بلا ثمن في الجامعة اللبنانية

مجموعة العمل ـ ظاهر صالح

التفوق في منطقة رمادية

تتجاوز قصة نسرين (اسم مستعار)، الشابة الفلسطينية من سوريا والمتفوقة أكاديميًا في لبنان، حدود المأساة الفردية لتلامس جوهر الهشاشة القانونية والاجتماعية التي تعيشها شريحة فلسطينيي سوريا المهجَّرين إلى لبنان. بعد أن كافحت لدراسة الجامعة، ثم للحصول على شهادة الماجستير، وجدت نسرين نفسها اليوم أسيرة إنجازها، ومُثقَلة بعبء الإجراءات اللبنانية المتشددة، محاصرة بين وطن مؤقت لا عودة إليه، وعائلة غادرت، ووثائق لا تكتمل. قصة نسرين هي صرخة مزدوجة لكثير من الفلسطينيين، ضد تعقيد الإجراءات الإدارية القاتلة، وضد الخسارة العائلية القاسية التي فرضتها هذه الظروف.

وضع اللاجئ المؤقت

عند دخولهم لبنان، لم يُعامَل فلسطينيو سوريا كلاجئين بالمعنى التقليدي مثل اللاجئين الفلسطينيين الأصليين المسجلين في لبنان، ولا كنازحين سوريين، بل وُضعوا في منطقة رمادية. غالبًا ما مُنحوا إقامات مؤقتة على أساس الدراسة أو الكفالة أو حتى "عبور حسن نية". هذه الإقامات هي بوابة لتسيير أمور حياتية مؤقتة، وليست ضمانة للاستقرار أو الاستمرار.

تجميد الإقامات وتأثيره / تصعيد عام 2024

شهدت الإجراءات اللبنانية، وتحديدًا في شهر شباط من العام 2024، تضييقًا ملحوظًا على تمديد إقامات فلسطينيي سوريا، وأصبح التجديد شبه مستحيل أو مشروطًا بمتطلبات تعجيزية. هذا التجميد أو التعقيد يعني عمليًا:

 .التحول إلى وضع غير قانوني: كما حدث مع نسرين بعد انتهاء إقامتها، هذا يجعلهم عرضة للمساءلة القانونية ويمنعهم من الحركة الحرة.

 .العزل الإداري: ينقطع الفلسطيني السوري الذي تنتهي إقامته عن الخدمات الأساسية ويصبح عاجزًا عن إنهاء أي معاملة رسمية.

الصراع المزدوج: الإنجاز محاصر بإجراءات إدارية

تخرجت نسرين بتفوّق، حاملة شهادة الماجستير من الجامعة اللبنانية في بيروت، لكن فرحة التخرج كانت منقوصة وقصيرة، إذ تزامن النجاح مع بدء فصل العذاب الجديد الذي يحمل شقين:

1. الحدود الإدارية القاتلة / الإقامة وتصديق الشهادة:

 . انقضاء الإقامة وتجميد الوضع في عام 2024: انتهت إقامة نسرين الممنوحة على أساس الدراسة، بالتزامن مع التضييق غير المسبوق على تمديد إقامات فلسطينيي سوريا. هذا التضييق حوّلها من طالبة شرعية إلى مقيمة غير قانونية بلمح البصر، مما جعل حركتها محفوفة بالمخاطر.

 .رهينة ختم الخارجية: أصبح تصديق الشهادة من وزارة الخارجية اللبنانية، وهو الإجراء الروتيني، عقبة كأداء. فملفها الحسّاس كونها فلسطينية من سوريا جعله عرضة للرفض أو التأجيل المتكرر والمطالبة بوثائق جديدة لا حصر لها. بالنسبة لنسرين، هذا الختم هو جواز العبور الوحيد الذي يمنح شرعية دولية لجهدها ويسمح لها بالالتحاق بعائلتها خارج لبنان.

2. العبء الاجتماعي والعزلة الأسرية:

في خضم هذا الصراع الإداري، تعرضت نسرين لضربة ثانية زادت من عزلتها وعمّقت مأساتها.

 . رحيل العائلة وتفاقم العزلة: بعد اتضاح مسار لم الشمل أو العودة المؤقتة، غادرت والدة نسرين وبقية أفراد العائلة إلى وجهتهم في سوريا، تاركين نسرين ووالدها وحدهما يواجهان مطبات الأمن العام والجامعة والإجراءات المعقدة.

 .الوالد كمرجعية وحيدة: تحول الوالد، الذي بقي معها، إلى دعمها العملي الوحيد، يتقاسمان معًا عبء التنقل بين الإدارات في ظل الإقامة المنتهية والوضع القانوني المتوتر. هذا التفرد بالمعاناة، والتنقل بين مكاتب مؤسسات الدولة اللبنانية وهي مُهدَّدة بالتأجيل أو المساءلة، يضاعف من شعورها بالوحدة واليأس.

تقصير المرجعيات / غياب الغطاء الرسمي

تتفاقم أزمة نسرين نتيجة غياب وتقصير الجهات المعنية المفترض أن تُمثّل غطاءً لهذه الشريحة:

 . تقصير وكالة الأونروا: بالرغم من مسؤولية وكالة الأونروا عن اللاجئين الفلسطينيين، فإن دورها يكاد يكون معدومًا في التدخل على مستوى الأمن العام أو القضاء لتسهيل إجراءات الإقامة أو تصديق الشهادات. فالوكالة لا تريد التدخل في "سيادة الدولة المضيفة"، مما يترك نسرين لمواجهة التعقيدات الإدارية اللبنانية بمفردها.

 .غياب المرجعية الفلسطينية الفاعلة: إن ضعف وغياب مرجعية فلسطينية قادرة على ممارسة ضغط سياسي فعلي على الحكومة اللبنانية لصالح اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، الذين يعانون من مشاكل قانونية لا يعاني منها لاجئو 1948، ولا النازحون السوريون العاديون، أدى إلى ترك نسرين ووالدها في عزلة تامة دون أي دعم أو غطاء رسمي.

ثمن الهوية والنجاح

ختامًا... قصة نسرين هي رمز للارتهان السياسي والإنساني. لقد دفعت ثمنًا باهظًا لنجاحها:

 . ثمن علمها: سنوات من الجهد الدراسي انتهت بها في وضع غير قانوني بسبب إجراءات لم تراعِ الظروف الإنسانية.

 . ثمن هويتها الفلسطينية/السورية: تحولت من انتماء إلى قيد يشدها إلى التعقيد.

 . ثمن وقتها: فقدت شهرين حاسمين، تحولت فيهما فرحة التخرج إلى خوف وقلق، بينما ينتظرها مستقبلها في مكان آخر.

إن إنهاء محنة الطالبة الجامعية نسرين ليس مجرد إنجاز إداري، بل هو واجب إنساني يهدف إلى إنقاذ حياة أكاديمية واعدة تستحق أن تبدأ فصلها الجديد.

إطلاق سراح نسرين ليس مسألة ختم وتوقيع، بل هو إقرار بحقها الإنساني في التنقل والعيش الكريم كإنسانة متفوقة، لم تطلب من لبنان سوى اعتراف إداري بجهدها الأكاديمي، ليتمكن حلمها المؤجل من التحليق أخيرًا.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22178

مجموعة العمل ـ ظاهر صالح

التفوق في منطقة رمادية

تتجاوز قصة نسرين (اسم مستعار)، الشابة الفلسطينية من سوريا والمتفوقة أكاديميًا في لبنان، حدود المأساة الفردية لتلامس جوهر الهشاشة القانونية والاجتماعية التي تعيشها شريحة فلسطينيي سوريا المهجَّرين إلى لبنان. بعد أن كافحت لدراسة الجامعة، ثم للحصول على شهادة الماجستير، وجدت نسرين نفسها اليوم أسيرة إنجازها، ومُثقَلة بعبء الإجراءات اللبنانية المتشددة، محاصرة بين وطن مؤقت لا عودة إليه، وعائلة غادرت، ووثائق لا تكتمل. قصة نسرين هي صرخة مزدوجة لكثير من الفلسطينيين، ضد تعقيد الإجراءات الإدارية القاتلة، وضد الخسارة العائلية القاسية التي فرضتها هذه الظروف.

وضع اللاجئ المؤقت

عند دخولهم لبنان، لم يُعامَل فلسطينيو سوريا كلاجئين بالمعنى التقليدي مثل اللاجئين الفلسطينيين الأصليين المسجلين في لبنان، ولا كنازحين سوريين، بل وُضعوا في منطقة رمادية. غالبًا ما مُنحوا إقامات مؤقتة على أساس الدراسة أو الكفالة أو حتى "عبور حسن نية". هذه الإقامات هي بوابة لتسيير أمور حياتية مؤقتة، وليست ضمانة للاستقرار أو الاستمرار.

تجميد الإقامات وتأثيره / تصعيد عام 2024

شهدت الإجراءات اللبنانية، وتحديدًا في شهر شباط من العام 2024، تضييقًا ملحوظًا على تمديد إقامات فلسطينيي سوريا، وأصبح التجديد شبه مستحيل أو مشروطًا بمتطلبات تعجيزية. هذا التجميد أو التعقيد يعني عمليًا:

 .التحول إلى وضع غير قانوني: كما حدث مع نسرين بعد انتهاء إقامتها، هذا يجعلهم عرضة للمساءلة القانونية ويمنعهم من الحركة الحرة.

 .العزل الإداري: ينقطع الفلسطيني السوري الذي تنتهي إقامته عن الخدمات الأساسية ويصبح عاجزًا عن إنهاء أي معاملة رسمية.

الصراع المزدوج: الإنجاز محاصر بإجراءات إدارية

تخرجت نسرين بتفوّق، حاملة شهادة الماجستير من الجامعة اللبنانية في بيروت، لكن فرحة التخرج كانت منقوصة وقصيرة، إذ تزامن النجاح مع بدء فصل العذاب الجديد الذي يحمل شقين:

1. الحدود الإدارية القاتلة / الإقامة وتصديق الشهادة:

 . انقضاء الإقامة وتجميد الوضع في عام 2024: انتهت إقامة نسرين الممنوحة على أساس الدراسة، بالتزامن مع التضييق غير المسبوق على تمديد إقامات فلسطينيي سوريا. هذا التضييق حوّلها من طالبة شرعية إلى مقيمة غير قانونية بلمح البصر، مما جعل حركتها محفوفة بالمخاطر.

 .رهينة ختم الخارجية: أصبح تصديق الشهادة من وزارة الخارجية اللبنانية، وهو الإجراء الروتيني، عقبة كأداء. فملفها الحسّاس كونها فلسطينية من سوريا جعله عرضة للرفض أو التأجيل المتكرر والمطالبة بوثائق جديدة لا حصر لها. بالنسبة لنسرين، هذا الختم هو جواز العبور الوحيد الذي يمنح شرعية دولية لجهدها ويسمح لها بالالتحاق بعائلتها خارج لبنان.

2. العبء الاجتماعي والعزلة الأسرية:

في خضم هذا الصراع الإداري، تعرضت نسرين لضربة ثانية زادت من عزلتها وعمّقت مأساتها.

 . رحيل العائلة وتفاقم العزلة: بعد اتضاح مسار لم الشمل أو العودة المؤقتة، غادرت والدة نسرين وبقية أفراد العائلة إلى وجهتهم في سوريا، تاركين نسرين ووالدها وحدهما يواجهان مطبات الأمن العام والجامعة والإجراءات المعقدة.

 .الوالد كمرجعية وحيدة: تحول الوالد، الذي بقي معها، إلى دعمها العملي الوحيد، يتقاسمان معًا عبء التنقل بين الإدارات في ظل الإقامة المنتهية والوضع القانوني المتوتر. هذا التفرد بالمعاناة، والتنقل بين مكاتب مؤسسات الدولة اللبنانية وهي مُهدَّدة بالتأجيل أو المساءلة، يضاعف من شعورها بالوحدة واليأس.

تقصير المرجعيات / غياب الغطاء الرسمي

تتفاقم أزمة نسرين نتيجة غياب وتقصير الجهات المعنية المفترض أن تُمثّل غطاءً لهذه الشريحة:

 . تقصير وكالة الأونروا: بالرغم من مسؤولية وكالة الأونروا عن اللاجئين الفلسطينيين، فإن دورها يكاد يكون معدومًا في التدخل على مستوى الأمن العام أو القضاء لتسهيل إجراءات الإقامة أو تصديق الشهادات. فالوكالة لا تريد التدخل في "سيادة الدولة المضيفة"، مما يترك نسرين لمواجهة التعقيدات الإدارية اللبنانية بمفردها.

 .غياب المرجعية الفلسطينية الفاعلة: إن ضعف وغياب مرجعية فلسطينية قادرة على ممارسة ضغط سياسي فعلي على الحكومة اللبنانية لصالح اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، الذين يعانون من مشاكل قانونية لا يعاني منها لاجئو 1948، ولا النازحون السوريون العاديون، أدى إلى ترك نسرين ووالدها في عزلة تامة دون أي دعم أو غطاء رسمي.

ثمن الهوية والنجاح

ختامًا... قصة نسرين هي رمز للارتهان السياسي والإنساني. لقد دفعت ثمنًا باهظًا لنجاحها:

 . ثمن علمها: سنوات من الجهد الدراسي انتهت بها في وضع غير قانوني بسبب إجراءات لم تراعِ الظروف الإنسانية.

 . ثمن هويتها الفلسطينية/السورية: تحولت من انتماء إلى قيد يشدها إلى التعقيد.

 . ثمن وقتها: فقدت شهرين حاسمين، تحولت فيهما فرحة التخرج إلى خوف وقلق، بينما ينتظرها مستقبلها في مكان آخر.

إن إنهاء محنة الطالبة الجامعية نسرين ليس مجرد إنجاز إداري، بل هو واجب إنساني يهدف إلى إنقاذ حياة أكاديمية واعدة تستحق أن تبدأ فصلها الجديد.

إطلاق سراح نسرين ليس مسألة ختم وتوقيع، بل هو إقرار بحقها الإنساني في التنقل والعيش الكريم كإنسانة متفوقة، لم تطلب من لبنان سوى اعتراف إداري بجهدها الأكاديمي، ليتمكن حلمها المؤجل من التحليق أخيرًا.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22178