فادية محمد – مجموعة العمل
منذ زمن ليس ببعيد، شهد مخيم الحسينية حادثة مأساوية هي الثانية من نوعها، حيث أنهى شاب حياته شنقاً تحت تأثير المخدرات، مخلفاً وراءه أماً ثكلى وأباً مفجوعاً.
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فقد سمعنا عن العديد من الشباب الذين لاقوا حتفهم نتيجة جرعة زائدة، والعديد من الحوادث المؤسفة الأخرى وقعت تحت تأثير المخدرات.
انتشار الإدمان واستغلال النظام البائد
تفاقمت ظاهرة الإدمان في سورية عامة، وعرفت انتشاراً متزايداً في المخيمات الفلسطينية بشكل خاص. تجار المخدرات ومُرَوِّجُوه الذين كانوا ينشطون أيام النظام البائد دون حسيب أو رقيب، استغلوا الفترة الانتقالية وحالة اللاستقرار وانعدام الرقابة والهشاشة الأمنية لنشر تجارتهم المشبوهة وتوسيع نطاقها، حيث وظّف هؤلاء ضعاف النفوس والباحثين عن الربح السريع ليكونوا أذرعاً لهم في الترويج.
في حين ساهم خروج عدد كبير من تجار ومُتعهِّدي المخدرات من السجون بعد سقوط النظام الفارّ في ارتفاع غير مسبوق في نسبة متعاطي المخدرات، حيث بلغت في بعض المخيمات نسبة 50% وفق إحصائية خاصة بمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية.
بدوره، عزا ناشط فلسطيني من أبناء مخيم الحسينية – فضل عدم ذكر اسمه – أسباب تفشي المخدرات في المخيمات الفلسطينية إلى عدة عوامل، منها: الكثافة السكانية والاكتظاظ العمراني، وانتشار البطالة بصورة كبيرة بين الشباب، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية للاجئ الفلسطيني في سورية.
مشدداً على أن تجار الموت استطاعوا من خلال هذه العوامل جذب أعداد كبيرة من الشباب العاطلين، ليصبحوا إما تجاراً أو متعاطين، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والمبادئ، والأعراف الدينية والقانونية والمجتمعية.
تداعيات الإدمان على الفرد والأسرة
يُشير الدكتور عبد الصمد عيسى، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، في تصريح خاص لـ "مجموعة العمل"، إلى أن الإدمان يسبب تشويش العقل والاشتغال التام بالحصول على المادة المخدرة، مما يؤدي إلى تدمير المتعاطي اجتماعياً ومهنياً ونفسياً، وفقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة، مضيفاً أنه مع مرور الوقت يزداد التعلُّق والإدمان وتزداد الجرعة، ما يجعله متورطاً يصعب عليه الخروج من هذه الدوامة.
كما ارتفعت حالات الطلاق، واضطرت نساء كثيرات للعمل تاركات أطفالهن بلا رعاية بسبب معاناة أزواجهن من الإدمان.
يُعتبر الإدمان من أخطر آفات العصر وتحدياته، وتتطلب مواجهة هذه التحديات استجابة شاملة من جميع الأطراف المعنية: الحكومات، منظمات المجتمع المدني، وعلى المنظمات المحلية في المخيمات إقامة ندوات توعوية عن المخدرات وأضرارها.
وقبل كل ذلك، يجب أن تكون للرقابة الأسرية الدور الأكبر، وذلك بمتابعة أبنائهم ومراقبة سلوكهم وتحرّي العلامات المبكرة لتعاطي المخدرات والتدخل السريع لتقديم الدعم والمساعدة للتخلص من هذه الآفة.
قصص مؤلمة
تروي إحدى السيدات في مقابلة مع مجموعة العمل، كيف اكتشفت إدمان ابنها الذي كان شاباً خلوقاً ومحبوباً من قبل جيرانه وأصدقائه وأقاربه، قائلة: "لاحظت تغيراً في سلوك وتصرفات ولدي خاصة بعد أن أصبح يطلب المال بكثرة دون سبب مقنع."
مُرْدِفَةً: "هنا بدأت تساورني الشكوك بأن في الأمر شيئاً ما، لذلك قمت بمراقبته دون أن يشعر، إلى أن عثرت على (ظرف فارغ) لمادة مخدرة معروفة ومتداولة. لن أحدثكم عن شعوري في تلك اللحظة، لكنني تمالكت نفسي وأعصابي وقررت مواجهته، لكن سبحان الله، رُبَّ ضارة نافعة؛ أصبت بوعكة صحية مفاجئة، وعندما واجهت ابني بقصة إدمانه، ظن أن ما أصابني من مرض كان بسبب معرفتي أنه مدمن، وطلب مني في ذات اللحظة أن أذهب به إلى طبيب مُعَالِج."
تضيف تلك السيدة أن ولدها اعترف بذنبه وندم ندماً شديداً على ما اقترفه من حماقة بحق نفسه وعائلته، مشيراً إلى أن رفاق السوء هم السبب في ذلك.
أنقذ نفسك
محمد شاب يبلغ من العمر 28 عاماً، متزوج ولديه طفل صغير، كان يعمل هو وصديقه في ورشة صناعية، ولكن قبل حوالي ستة أشهر توقفت الورشة عن العمل، مما أدى إلى فقدانهما مصدر رزقهما. حاول محمد مراراً البحث عن عمل جديد دون جدوى، مما زاد من الضغوط اليومية عليه وجعله في حالة من الاكتئاب.
يقول محمد: "في أحد الأيام، اقترح عليَّ صديقي تناول نوع من الحبوب المهدئة بدعوى أنها مُسَكِّنة، وبعد تناولها شعرت بتحسن مؤقت، هذا الأمر دفعني إلى اللجوء إليها كلما ضاقت بي الحال حتى أصبحت مُعتمداً على تلك الحبوب بشكل كبير"، مُرْدِفَاً أنني عندما بدأت أطلب المزيد، اكتشفت أن صديقي كان متورطاً في تجارة المخدرات بالإضافة إلى التعاطي.
يتابع محمد حديثه لـ "مجموعة العمل": "بعد فترة قصيرة، وجدت عملاً بسيطاً بدخل محدود، لكنني كنت أخصص الجزء الأكبر من المال لشراء الحبوب المخدرة، ضارباً بذلك عرض الحائط بكل احتياجات أسرتي"، مُرْدِفَاً: "في يوم مرض طفلي بحمى شديدة، شعرت حينها باليأس والعجز لأنني لم أكن أملك المال لإسعافه، ولكن بفضل لطف الله، أرسل لي قريب مساعدة مالية، ومنذ تلك اللحظة، قررت وبكل حزم التوقف عن الإدمان مهما كلفني الأمر."
يختم محمد حديثه بتوجيه نصيحة لكل مدمن قائلاً والندم يعتصر قلبه: "أنقذ نفسك وابتعد عن هذه الدوامة القاتلة التي قد تؤدي إلى فقدان العقل أو الموت."
أيادٍ فاسدة وإرث النظام السابق
تمتد جذور انتشار المخدرات في سورية إلى سنوات طويلة من التواطؤ من كبار رموز النظام السابق، الذين أسسوا مصانع ومستودعات كبيرة، لتصبح سورية من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للمخدرات.
بحسب معلومات موثوقة، كان كبار الضباط يوزعون حبوب الكبتاجون المخدرة على مقاتليهم لتغييب عقولهم وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير.
اليوم، تعمل الحكومة السورية الجديدة بجدية على مكافحة ظاهرة المخدرات المتفشية في البلاد، بعد سنوات من استفحال هذه الأزمة بفعل الحروب والفوضى التي سمحت لتجار المخدرات بتوسيع نشاطهم.
ووفقاً لخطة وطنية حديثة، صممت الحكومة على مواجهة هذه الآفة من خلال نهج شامل يجمع بين الضبط الأمني، والعلاج، والوقاية المجتمعية، حيث تم افتتاح خمسة مراكز متخصصة لعلاج الإدمان بإشراف وزارة الصحة وبالتعاون مع وزارات الداخلية والإعلام والتربية والأوقاف، وذلك لتعزيز جهود التعافي ودعم المتعاطين.
فادية محمد – مجموعة العمل
منذ زمن ليس ببعيد، شهد مخيم الحسينية حادثة مأساوية هي الثانية من نوعها، حيث أنهى شاب حياته شنقاً تحت تأثير المخدرات، مخلفاً وراءه أماً ثكلى وأباً مفجوعاً.
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فقد سمعنا عن العديد من الشباب الذين لاقوا حتفهم نتيجة جرعة زائدة، والعديد من الحوادث المؤسفة الأخرى وقعت تحت تأثير المخدرات.
انتشار الإدمان واستغلال النظام البائد
تفاقمت ظاهرة الإدمان في سورية عامة، وعرفت انتشاراً متزايداً في المخيمات الفلسطينية بشكل خاص. تجار المخدرات ومُرَوِّجُوه الذين كانوا ينشطون أيام النظام البائد دون حسيب أو رقيب، استغلوا الفترة الانتقالية وحالة اللاستقرار وانعدام الرقابة والهشاشة الأمنية لنشر تجارتهم المشبوهة وتوسيع نطاقها، حيث وظّف هؤلاء ضعاف النفوس والباحثين عن الربح السريع ليكونوا أذرعاً لهم في الترويج.
في حين ساهم خروج عدد كبير من تجار ومُتعهِّدي المخدرات من السجون بعد سقوط النظام الفارّ في ارتفاع غير مسبوق في نسبة متعاطي المخدرات، حيث بلغت في بعض المخيمات نسبة 50% وفق إحصائية خاصة بمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية.
بدوره، عزا ناشط فلسطيني من أبناء مخيم الحسينية – فضل عدم ذكر اسمه – أسباب تفشي المخدرات في المخيمات الفلسطينية إلى عدة عوامل، منها: الكثافة السكانية والاكتظاظ العمراني، وانتشار البطالة بصورة كبيرة بين الشباب، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية للاجئ الفلسطيني في سورية.
مشدداً على أن تجار الموت استطاعوا من خلال هذه العوامل جذب أعداد كبيرة من الشباب العاطلين، ليصبحوا إما تجاراً أو متعاطين، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والمبادئ، والأعراف الدينية والقانونية والمجتمعية.
تداعيات الإدمان على الفرد والأسرة
يُشير الدكتور عبد الصمد عيسى، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، في تصريح خاص لـ "مجموعة العمل"، إلى أن الإدمان يسبب تشويش العقل والاشتغال التام بالحصول على المادة المخدرة، مما يؤدي إلى تدمير المتعاطي اجتماعياً ومهنياً ونفسياً، وفقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة، مضيفاً أنه مع مرور الوقت يزداد التعلُّق والإدمان وتزداد الجرعة، ما يجعله متورطاً يصعب عليه الخروج من هذه الدوامة.
كما ارتفعت حالات الطلاق، واضطرت نساء كثيرات للعمل تاركات أطفالهن بلا رعاية بسبب معاناة أزواجهن من الإدمان.
يُعتبر الإدمان من أخطر آفات العصر وتحدياته، وتتطلب مواجهة هذه التحديات استجابة شاملة من جميع الأطراف المعنية: الحكومات، منظمات المجتمع المدني، وعلى المنظمات المحلية في المخيمات إقامة ندوات توعوية عن المخدرات وأضرارها.
وقبل كل ذلك، يجب أن تكون للرقابة الأسرية الدور الأكبر، وذلك بمتابعة أبنائهم ومراقبة سلوكهم وتحرّي العلامات المبكرة لتعاطي المخدرات والتدخل السريع لتقديم الدعم والمساعدة للتخلص من هذه الآفة.
قصص مؤلمة
تروي إحدى السيدات في مقابلة مع مجموعة العمل، كيف اكتشفت إدمان ابنها الذي كان شاباً خلوقاً ومحبوباً من قبل جيرانه وأصدقائه وأقاربه، قائلة: "لاحظت تغيراً في سلوك وتصرفات ولدي خاصة بعد أن أصبح يطلب المال بكثرة دون سبب مقنع."
مُرْدِفَةً: "هنا بدأت تساورني الشكوك بأن في الأمر شيئاً ما، لذلك قمت بمراقبته دون أن يشعر، إلى أن عثرت على (ظرف فارغ) لمادة مخدرة معروفة ومتداولة. لن أحدثكم عن شعوري في تلك اللحظة، لكنني تمالكت نفسي وأعصابي وقررت مواجهته، لكن سبحان الله، رُبَّ ضارة نافعة؛ أصبت بوعكة صحية مفاجئة، وعندما واجهت ابني بقصة إدمانه، ظن أن ما أصابني من مرض كان بسبب معرفتي أنه مدمن، وطلب مني في ذات اللحظة أن أذهب به إلى طبيب مُعَالِج."
تضيف تلك السيدة أن ولدها اعترف بذنبه وندم ندماً شديداً على ما اقترفه من حماقة بحق نفسه وعائلته، مشيراً إلى أن رفاق السوء هم السبب في ذلك.
أنقذ نفسك
محمد شاب يبلغ من العمر 28 عاماً، متزوج ولديه طفل صغير، كان يعمل هو وصديقه في ورشة صناعية، ولكن قبل حوالي ستة أشهر توقفت الورشة عن العمل، مما أدى إلى فقدانهما مصدر رزقهما. حاول محمد مراراً البحث عن عمل جديد دون جدوى، مما زاد من الضغوط اليومية عليه وجعله في حالة من الاكتئاب.
يقول محمد: "في أحد الأيام، اقترح عليَّ صديقي تناول نوع من الحبوب المهدئة بدعوى أنها مُسَكِّنة، وبعد تناولها شعرت بتحسن مؤقت، هذا الأمر دفعني إلى اللجوء إليها كلما ضاقت بي الحال حتى أصبحت مُعتمداً على تلك الحبوب بشكل كبير"، مُرْدِفَاً أنني عندما بدأت أطلب المزيد، اكتشفت أن صديقي كان متورطاً في تجارة المخدرات بالإضافة إلى التعاطي.
يتابع محمد حديثه لـ "مجموعة العمل": "بعد فترة قصيرة، وجدت عملاً بسيطاً بدخل محدود، لكنني كنت أخصص الجزء الأكبر من المال لشراء الحبوب المخدرة، ضارباً بذلك عرض الحائط بكل احتياجات أسرتي"، مُرْدِفَاً: "في يوم مرض طفلي بحمى شديدة، شعرت حينها باليأس والعجز لأنني لم أكن أملك المال لإسعافه، ولكن بفضل لطف الله، أرسل لي قريب مساعدة مالية، ومنذ تلك اللحظة، قررت وبكل حزم التوقف عن الإدمان مهما كلفني الأمر."
يختم محمد حديثه بتوجيه نصيحة لكل مدمن قائلاً والندم يعتصر قلبه: "أنقذ نفسك وابتعد عن هذه الدوامة القاتلة التي قد تؤدي إلى فقدان العقل أو الموت."
أيادٍ فاسدة وإرث النظام السابق
تمتد جذور انتشار المخدرات في سورية إلى سنوات طويلة من التواطؤ من كبار رموز النظام السابق، الذين أسسوا مصانع ومستودعات كبيرة، لتصبح سورية من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للمخدرات.
بحسب معلومات موثوقة، كان كبار الضباط يوزعون حبوب الكبتاجون المخدرة على مقاتليهم لتغييب عقولهم وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير.
اليوم، تعمل الحكومة السورية الجديدة بجدية على مكافحة ظاهرة المخدرات المتفشية في البلاد، بعد سنوات من استفحال هذه الأزمة بفعل الحروب والفوضى التي سمحت لتجار المخدرات بتوسيع نشاطهم.
ووفقاً لخطة وطنية حديثة، صممت الحكومة على مواجهة هذه الآفة من خلال نهج شامل يجمع بين الضبط الأمني، والعلاج، والوقاية المجتمعية، حيث تم افتتاح خمسة مراكز متخصصة لعلاج الإدمان بإشراف وزارة الصحة وبالتعاون مع وزارات الداخلية والإعلام والتربية والأوقاف، وذلك لتعزيز جهود التعافي ودعم المتعاطين.