فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في قلب الريف الغربي لمحافظة درعا، حيث تمتد الحقول وتتشتت القرى، تقف قريتان كتوأمين مشوهين، تتقاسمان نفس القصة بمسميين مختلفين: "المزيرعة" و"العجمي".
هاتان القريتان ليستا مجرد نقطتين على الخريطة، بل هما لوحة حية تعكس معاناة متطابقة، تشابكت فيها غربة المكان بصعوبة الوصول إلى التعليم، ليصبح الحلم بالدراسة في مدارس وكالة "الأونروا" حلماً بعيد المنال، يكاد يكون مستحيلاً.
في المزيرعة، بالريف الغربي لدرعا، والتي شكلت ملاذاً للنازحين من هضبة الجولان السوري المحتل وإخوتهم الفلسطينيين، تبدأ المعاناة مع شروق الشمس.
إذ يتجمع الطلبة الفلسطينيون من آل فاعور والابراهيم على أطراف القرية، عند المفرق المؤدي إلى عالمهم التعليمي المنشود، محطة تبدأ بعدها رحلة شاقة، فـ "السرافيس"، تلك الوسيلة الأساسية للنقل، ترفض دخول القرية، تاركةً الطلاب أمام خيارين مرّين:
إما السير على الأقدام لمسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات على الأقل للوصول إلى الطريق الرئيسي لجلين، ومن ثم قطع كيلومترات أخرى للوصول إلى مدارس "الأونروا" في بلدة جلين حيث يوجد بالقرب من مخيم جلين مدرسة عسقلان.
أو تحمّل أعباء مالية باهظة لاستئجار وسائل نقل خاصة، وهي تكلفة يعجز عنها معظم الفلسطينين والسوريين القاطنين في تلك القرية، فهم إما مزارعون بسطاء أو موظفون لا يكاد الراتب يسد جزءا يسيرا من احتياجاتهم العديدة.
لدى تواصل "مجموعة العمل" مع عدد من الطلبة الفلسطينين في المزيرعة، أكدوا لنا أن هذه الرحلة صعبة وشاقة، فهي تحتاج منهم الاستيقاظ من السادسة صباحاً أو قبل ذلك، للمضي سيراً وفي هذا الوقت تنعدم وسائل النقل من دراجات نارية وغيرها مما يضطرهم للسير، ولدى وصولهم للطريق الرئيسي تكون السرافيس ممتلئة بالركاب ولا يجدون من يقلهم فيضطرون لمتابعة السير للمدرسة، هذا بالنسبة للدوام الصباحي في مدرسة عسقلان التي تنقسم لدوامين صباحي يكون اسم المدرسة عرابة ومسائي للمرحلة الإعدادية وتسمى المدرسة بعسقلان.
هذه المعاناة ذاتها تنقلب صورة طبق الأصل في قرية أخرى تقع قريباً منها على الجانب الآخر لوادي جلين، إنها قرية العجمي المجاورة، تقع قرية العجمي على بعد 7 كيلومترات من المزيريب، وهي قرية جميلة تضم عائلات فلسطينية مثل العقرباوي وشتيوي والسوالمه، ورغم جمالها، فإنها لا تحتوي سوى على مدرسة ابتدائية واحدة، مما يضطر الطلاب الفلسطينيين والسوريين إلى التوجه للدراسة في القرى المجاورة.
تواجه هؤلاء الطلاب معاناة يومية بسبب نقص وسائل النقل، حيث تأتي الحافلات القادمة من الريف الغربي ممتلئة ولا تتوقف لهم، مما يضطرهم إما للسير لمسافات طويلة على الأقدام أو الانتظار لفترات مطولة.
مشهد هؤلاء الطلبة وهم يسيرون في الصباح الباكر نحو مدارس الأونروا أصبح مشهداً مألوفاً يروي قصة معاناتهم من أجل التعليم.
إنها رحلة مضنية مماثلة لهم، فهم مضطرون لقطع حوالي ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام للخروج من قريتهم والوصول إلى الشارع الرئيس هذا المشهد اليومي المتكرر ليس مجرد رحلة ذهاب وإياب، بل هو اختبار للعزيمة والإرادة، يحولهما طول الطريق ورفض سائقي "السرافيس" دخول القرية إلى كابوس يومي.
هذا التشابه الغريب الذي قد يخفى على الكثيرين، لا يقف عند حدود جغرافية المعاناة فحسب، بل يمتد إلى الجوهر، فالقريتان تقعان في الريف الغربي لدرعا، وكلتاهما تضمان عائلات فلسطينية مكافحة تعلق آمالها على تعليم أبنائها في مدارس الوكالة، التي تُعتبر في نظرهم بمثابة مدارس متفوقة أو خاصة، تتميز بقوة مناهجها وكفاءة كوادرها التعليمية، وهي ميزة غائبة عن الكثير من مدارس الدولة التي تعاني من نقص حاد في المدرسين وتدهور البنية التحتية.
هذا الدافع القوي جعل الأهالي يتشبثون بحلم الدراسة في "الأونروا"، رغم كل الصعاب، مستغلين قرب هذه المدارس من قراهم إلا أن الجغرافية تقف سداً مانعاً أمام تحقيق هذه الآمال.
قريتا المزيرعة والعجمي توأمان متشابهان، لكن هذا التشابه المأساوي يدفع بالكثير من الأسر إلى حافة قرار مؤلم.
فالعائلة الفلسطينية في المزيرعة، مثل عائلة الإبراهيم، التي تنادي وتستغيث من أجل إنقاذ مستقبل أبنائها، تواجه نفس الظروف التي تعيشها العائلة الفلسطينية في العجمي، مثل عائلة السوالمه.
الأعباء المتراكمة والرحلات الشاقة أجبرت العديد من الأهالي، رغماً عنهم، على سحب أبنائهم من المدارس كلياً، أو إلحاقهم بمدارس الدولة التي لا تلقى نفس ثقتهم، مما يهدد بضياع جيل كامل في ظل غياب حلول عملية.
لذا تناشد "مجموعة العمل" من خلال هذا التقرير الجهات المعنية بالتدخل العاجل لتوفير وسائل نقل مخصصة لهاتين القريتين، أو إلزام سائقي الحافلات بدخول القرى لنقل الطلاب.
إن ضمان وصول الطلاب إلى مدارس الأونروا ليس مجرد خدمة نقل، بل حق أساسي من حقوق التعليم يجب توفيره لهذا الجيل الذي يعاني من إهمال طويل.
إن قريتي المزيرعة والعجمي ترويان قصة واحدة بصوتين، قصة التشابه الغريب في المعاناة والتحديات، إنهما وجهان لعملة واحدة من الإهمال والنسيان.
معاناة الطلاب الفلسطينيين هناك ليست مجرد أزمة مواصلات عابرة، بل هي قضية جيل بأكمله يحرم من حقه في التعليم، إن هؤلاء الطلبة لا يطالبون بالمستحيل، بل ينتظرون حلاً بسيطاً يقطع عنهم عناء الطريق، ويوصلهم إلى مقاعد الدراسة، ليحول أحلامهم من مشهد على قارعة الطريق إلى واقع في الفصل الدراسي.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
في قلب الريف الغربي لمحافظة درعا، حيث تمتد الحقول وتتشتت القرى، تقف قريتان كتوأمين مشوهين، تتقاسمان نفس القصة بمسميين مختلفين: "المزيرعة" و"العجمي".
هاتان القريتان ليستا مجرد نقطتين على الخريطة، بل هما لوحة حية تعكس معاناة متطابقة، تشابكت فيها غربة المكان بصعوبة الوصول إلى التعليم، ليصبح الحلم بالدراسة في مدارس وكالة "الأونروا" حلماً بعيد المنال، يكاد يكون مستحيلاً.
في المزيرعة، بالريف الغربي لدرعا، والتي شكلت ملاذاً للنازحين من هضبة الجولان السوري المحتل وإخوتهم الفلسطينيين، تبدأ المعاناة مع شروق الشمس.
إذ يتجمع الطلبة الفلسطينيون من آل فاعور والابراهيم على أطراف القرية، عند المفرق المؤدي إلى عالمهم التعليمي المنشود، محطة تبدأ بعدها رحلة شاقة، فـ "السرافيس"، تلك الوسيلة الأساسية للنقل، ترفض دخول القرية، تاركةً الطلاب أمام خيارين مرّين:
إما السير على الأقدام لمسافة تصل إلى ثلاثة كيلومترات على الأقل للوصول إلى الطريق الرئيسي لجلين، ومن ثم قطع كيلومترات أخرى للوصول إلى مدارس "الأونروا" في بلدة جلين حيث يوجد بالقرب من مخيم جلين مدرسة عسقلان.
أو تحمّل أعباء مالية باهظة لاستئجار وسائل نقل خاصة، وهي تكلفة يعجز عنها معظم الفلسطينين والسوريين القاطنين في تلك القرية، فهم إما مزارعون بسطاء أو موظفون لا يكاد الراتب يسد جزءا يسيرا من احتياجاتهم العديدة.
لدى تواصل "مجموعة العمل" مع عدد من الطلبة الفلسطينين في المزيرعة، أكدوا لنا أن هذه الرحلة صعبة وشاقة، فهي تحتاج منهم الاستيقاظ من السادسة صباحاً أو قبل ذلك، للمضي سيراً وفي هذا الوقت تنعدم وسائل النقل من دراجات نارية وغيرها مما يضطرهم للسير، ولدى وصولهم للطريق الرئيسي تكون السرافيس ممتلئة بالركاب ولا يجدون من يقلهم فيضطرون لمتابعة السير للمدرسة، هذا بالنسبة للدوام الصباحي في مدرسة عسقلان التي تنقسم لدوامين صباحي يكون اسم المدرسة عرابة ومسائي للمرحلة الإعدادية وتسمى المدرسة بعسقلان.
هذه المعاناة ذاتها تنقلب صورة طبق الأصل في قرية أخرى تقع قريباً منها على الجانب الآخر لوادي جلين، إنها قرية العجمي المجاورة، تقع قرية العجمي على بعد 7 كيلومترات من المزيريب، وهي قرية جميلة تضم عائلات فلسطينية مثل العقرباوي وشتيوي والسوالمه، ورغم جمالها، فإنها لا تحتوي سوى على مدرسة ابتدائية واحدة، مما يضطر الطلاب الفلسطينيين والسوريين إلى التوجه للدراسة في القرى المجاورة.
تواجه هؤلاء الطلاب معاناة يومية بسبب نقص وسائل النقل، حيث تأتي الحافلات القادمة من الريف الغربي ممتلئة ولا تتوقف لهم، مما يضطرهم إما للسير لمسافات طويلة على الأقدام أو الانتظار لفترات مطولة.
مشهد هؤلاء الطلبة وهم يسيرون في الصباح الباكر نحو مدارس الأونروا أصبح مشهداً مألوفاً يروي قصة معاناتهم من أجل التعليم.
إنها رحلة مضنية مماثلة لهم، فهم مضطرون لقطع حوالي ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام للخروج من قريتهم والوصول إلى الشارع الرئيس هذا المشهد اليومي المتكرر ليس مجرد رحلة ذهاب وإياب، بل هو اختبار للعزيمة والإرادة، يحولهما طول الطريق ورفض سائقي "السرافيس" دخول القرية إلى كابوس يومي.
هذا التشابه الغريب الذي قد يخفى على الكثيرين، لا يقف عند حدود جغرافية المعاناة فحسب، بل يمتد إلى الجوهر، فالقريتان تقعان في الريف الغربي لدرعا، وكلتاهما تضمان عائلات فلسطينية مكافحة تعلق آمالها على تعليم أبنائها في مدارس الوكالة، التي تُعتبر في نظرهم بمثابة مدارس متفوقة أو خاصة، تتميز بقوة مناهجها وكفاءة كوادرها التعليمية، وهي ميزة غائبة عن الكثير من مدارس الدولة التي تعاني من نقص حاد في المدرسين وتدهور البنية التحتية.
هذا الدافع القوي جعل الأهالي يتشبثون بحلم الدراسة في "الأونروا"، رغم كل الصعاب، مستغلين قرب هذه المدارس من قراهم إلا أن الجغرافية تقف سداً مانعاً أمام تحقيق هذه الآمال.
قريتا المزيرعة والعجمي توأمان متشابهان، لكن هذا التشابه المأساوي يدفع بالكثير من الأسر إلى حافة قرار مؤلم.
فالعائلة الفلسطينية في المزيرعة، مثل عائلة الإبراهيم، التي تنادي وتستغيث من أجل إنقاذ مستقبل أبنائها، تواجه نفس الظروف التي تعيشها العائلة الفلسطينية في العجمي، مثل عائلة السوالمه.
الأعباء المتراكمة والرحلات الشاقة أجبرت العديد من الأهالي، رغماً عنهم، على سحب أبنائهم من المدارس كلياً، أو إلحاقهم بمدارس الدولة التي لا تلقى نفس ثقتهم، مما يهدد بضياع جيل كامل في ظل غياب حلول عملية.
لذا تناشد "مجموعة العمل" من خلال هذا التقرير الجهات المعنية بالتدخل العاجل لتوفير وسائل نقل مخصصة لهاتين القريتين، أو إلزام سائقي الحافلات بدخول القرى لنقل الطلاب.
إن ضمان وصول الطلاب إلى مدارس الأونروا ليس مجرد خدمة نقل، بل حق أساسي من حقوق التعليم يجب توفيره لهذا الجيل الذي يعاني من إهمال طويل.
إن قريتي المزيرعة والعجمي ترويان قصة واحدة بصوتين، قصة التشابه الغريب في المعاناة والتحديات، إنهما وجهان لعملة واحدة من الإهمال والنسيان.
معاناة الطلاب الفلسطينيين هناك ليست مجرد أزمة مواصلات عابرة، بل هي قضية جيل بأكمله يحرم من حقه في التعليم، إن هؤلاء الطلبة لا يطالبون بالمستحيل، بل ينتظرون حلاً بسيطاً يقطع عنهم عناء الطريق، ويوصلهم إلى مقاعد الدراسة، ليحول أحلامهم من مشهد على قارعة الطريق إلى واقع في الفصل الدراسي.