مجموعة العمل ـ ظاهر صالح
ينتشر ويتفاقم وباء صامت عبر شقوق جدار الصمود، مهدداً النسيج المجتمعي، حيث تمتزج رائحة الآفات والأزمات بذكريات اللجوء الطويل. تنمو ظاهرة آفة فتاكة في مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية. هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة سلوكية فردية، بل هي تعبير قاسٍ عن انهيار نفسي واقتصادي واجتماعي يعصف بشباب المخيمات الفلسطينية في سورية، ويمتد ليطال الأجيال الشابة. يهدد هذا الوباء القاتل الصامت بتمزيق ما تبقى من نسيج مجتمعي صامد، ويحول طاقات الجيل الشاب إلى وقود لليأس والجريمة، في ظل غياب شبه تام للحلول والمراكز العلاجية.
لم تعد المخيمات الفلسطينية مجرد رمز للجوء والصمود، بل تحولت إلى مسرح لصراع داخلي جديد وأكثر فتكاً، تحت ستار الفقر والعجز، والكثافة السكانية، وغياب السيطرة الأمنية الموحدة، تتمدد ظاهرة تعاطي المخدرات لتستنزف مستقبل جيل بأكمله.
- مؤشرات وإحصائيات تقريبية (غير رسمية)
نظراً لغياب مؤسسات الرصد الرسمية الفاعلة والأوضاع الأمنية، لا تتوفر إحصائيات دقيقة وشاملة. إلا أن التقارير الأهلية والمحلية تشير إلى تقديرات غير رسمية نشرتها "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" تفيد بأن عدد المدمنين والمتعاطين في بعض المخيمات الكبيرة مثل مخيم خان دنون قد وصل إلى أرقام صادمة بالنسبة إلى العدد الإجمالي للسكان، بينهم مراهقون وفتيات.
- فئة الشباب المستهدفة
تتراوح أعمار المتعاطين والمروجين الصغار غالباً بين 17 و 35 عاماً، مما يمثل استهدافاً مباشراً للعمود الفقري للمجتمع.
- تزايد الوفيات:
تُسجل حالات وفاة متكررة نتيجة تناول جرعات زائدة من الحبوب المخدرة.
- الأنواع الأكثر انتشاراً والتأثير
تعكس المواد المتداولة في هذه المناطق حالة الفوضى والفقر الشديدين، وأبرزها:
. الكبتاغون: هو الأكثر انتشاراً، لسهولة تصنيعه داخلياً أو تهريبه من الحدود، وتدني سعره. يُعرف بكونه "مخدر الحرب" الذي يستخدمه الشباب للهرب من الإحساس بالخوف والتعب أو للعمل الشاق.
. الحشيش: ما يزال شائعاً، ويُعد وسيلة للتهدئة والنسيان المؤقت في بعض الأوساط.
. مادة الكريستال: تُعتبر أحد أخطر أنواع المخدرات التي تؤثر بشكل كبير على الجسم والعقل.
. المواد الأفيونية والمهدئات الرخيصة: مثل بعض الأدوية النفسية المُساء استخدامها، وتكتسب شعبية لكونها تسبب إدماناً سريعاً وقوياً.
- الأسباب الرئيسية
. الصدمة والانهيار النفسي الجماعي (عامل رئيسي)
.غياب الرقابة الأخلاقية والمجتمعية
. النزوح، فقدان السيطرة على الحياة، تدمير المنازل والتعرض المستمر للعنف، يولد حالة من اليأس المُزمن تدفع الشاب للبحث عن أي مادة تُغيب الوعي وتوقف "التفكير بالصدمات" واضطرابات ما بعد الصدمة.
.الواقع الاقتصادي المُفترس "عامل مُحفز"
. أكثر من 95% من سكان المخيمات الفلسطينية في سورية يعانون من فقر مدقع وبطالة شبه كاملة. هذا الفراغ المادي يدفع البعض للتعاطي كوسيلة للهروب، وآخرين للترويج كمصدر دخل وحيد.
. أدى تشتت السلطات وغياب المرجعية القانونية المركزية في زمن الصراع إلى انتشار الفوضى الأمنية والثغرات الهائلة، وتشير تقارير سابقة إلى تورط بعض الأفراد المنتمين إلى تشكيلات عسكرية أو أمنية في حماية مروجي المخدرات وتسهيل وصولها، مما وفر للتجار حصانة فعلية.
. تفكك الأسرة وغياب المؤسسات: انشغال الآباء بتأمين لقمة العيش أو غيابهم أضعف دور الأسرة، كما أن وكالة الأونروا والجمعيات الأهلية تعاني من شح التمويل، مما قلل بشكل كبير من برامج التوعية والدعم النفسي.
- التداعيات الكارثية على الفرد والمجتمع والقضية
تزايد العنف المجتمعي والجريمة:
يؤدي تعاطي المنشطات إلى زيادة العنف العشوائي والجرائم (قتل، سرقة) داخل المخيمات، مما يمزق ما تبقى من تماسك اجتماعي ويُحوِّل المخيم إلى بؤرة للخوف الداخلي.
. خسارة رأس المال البشري وإجهاض المستقبل: تحول جيل الشباب الواعد إلى مدمنين يعني إجهاض المستقبل، وإفراغ المخيمات من الكفاءات القادرة على حمل قضية العودة وإعادة البناء. إنه إهدار لطاقات الجيل الذي هو الوقود الحقيقي للقضية الفلسطينية.
. الوصم وغياب العلاج الآمن:
. يواجه المتعاطون وصماً اجتماعياً عالياً يمنعهم من طلب المساعدة. ومع الغياب التام للمراكز العلاجية المتخصصة التي تضمن السرية، يبقى المدمنون عالقين في دائرة التعاطي واليأس.
- سبل المكافحة والحلول/ استجابة شاملة وطارئة
تتطلب مكافحة هذه الآفة استراتيجية ثلاثية الأركان تتجاوز الشجب إلى التدخل العملي:
أ- الحلول الأمنية والقضائية (الردع الفوري)
ملاحقة المروجين الكبار: التركيز على تفكيك شبكات الترويج المنظمة وليس فقط القبض على المتعاطين أو الباعة الصغار. يجب الضغط على جميع الجهات الأمنية للتعامل بحزم مع أي شخص يملك حصانة ويشارك في هذه التجارة.
.تفعيل الدوريات المجتمعية: تشكيل لجان شعبية أمنية مُساءلة وذات صلاحيات واضحة لمنع الترويج العلني في أزقة المخيمات الضيقة.
. تأمين الحدود ومنابع التصنيع: دعم دولي لجهود مكافحة تهريب وتصنيع الكبتاغون على مستوى سورية، للحد من تدفقه إلى الأسواق الداخلية.
ب- الحلول العلاجية والاجتماعية (الاحتواء والإغاثة)
. إنشاء وحدات علاج إدمان مؤقتة وسرية: يجب على وكالة الأونروا والمنظمات الإنسانية الدولية توفير مراكز علاج نفسي وطبي للإدمان تكون مجانية وسرية، بعيدة عن أي ملاحقة أمنية، وذلك لتشجيع المدمنين على طلب المساعدة.
. برامج الدعم النفسي المتخصصة: تكثيف برامج الدعم النفسي الجماعي والفردي في المراكز المجتمعية، والتركيز على علاج اضطراب ما بعد الصدمة باعتباره السبب الجذري للتعاطي.
. تدريب الكوادر المحلية: تدريب مرشدين نفسيين وأخصائيين اجتماعيين من داخل المخيمات على التعامل مع حالات الإدمان بحرفية.
ج- الحلول الوقائية والاقتصادية (بناء الأمل)
.تمكين الشباب اقتصادياً: إطلاق مشاريع تدريب مهني مكثف وممول (حِرف، تكنولوجيا) مرتبطة بفرص عمل حقيقية، لتوفير بديل مادي للشباب وإخراجهم من دوائر الفراغ والبطالة التي وصلت إلى نسب قياسية.
. إحياء الأنشطة الشبابية والثقافية: إعادة بناء وترميم المراكز الشبابية والرياضية وتوفير التمويل للأنشطة التي تُشغِل الشباب وتوجه طاقاتهم نحو الإيجابية لإعادة بناء الشعور بالانتماء والقيمة الذاتية.
.حملات توعية مستدامة: استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي والمساجد والمدارس لنشر الوعي بشكل مستمر ومُصمم خصيصاً لبيئة المخيمات.
ختاماً... إن ظاهرة تفاقم تعاطي المخدرات في المخيمات والتجمعات الفلسطينية هي أزمة وجودية تضع المجتمع أمام امتحان صعب. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي وشبابنا يذوبون في ظلام حبة كبتاغون رخيصة. إنقاذ هذا الجيل يتطلب أكثر من استهجان واستغراب، بل يتطلب تدخلاً طارئاً شجاعاً ومُنظماً يجمع بين الأمن والحماية والعلاج والتمكين الاقتصادي، ويجب أن تتحول هذه المخيمات من بؤر لليأس إلى مراكز لإعادة بناء الأمل، قبل أن يمحو الإدمان آخر معالم صمودها.
مجموعة العمل ـ ظاهر صالح
ينتشر ويتفاقم وباء صامت عبر شقوق جدار الصمود، مهدداً النسيج المجتمعي، حيث تمتزج رائحة الآفات والأزمات بذكريات اللجوء الطويل. تنمو ظاهرة آفة فتاكة في مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية. هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة سلوكية فردية، بل هي تعبير قاسٍ عن انهيار نفسي واقتصادي واجتماعي يعصف بشباب المخيمات الفلسطينية في سورية، ويمتد ليطال الأجيال الشابة. يهدد هذا الوباء القاتل الصامت بتمزيق ما تبقى من نسيج مجتمعي صامد، ويحول طاقات الجيل الشاب إلى وقود لليأس والجريمة، في ظل غياب شبه تام للحلول والمراكز العلاجية.
لم تعد المخيمات الفلسطينية مجرد رمز للجوء والصمود، بل تحولت إلى مسرح لصراع داخلي جديد وأكثر فتكاً، تحت ستار الفقر والعجز، والكثافة السكانية، وغياب السيطرة الأمنية الموحدة، تتمدد ظاهرة تعاطي المخدرات لتستنزف مستقبل جيل بأكمله.
- مؤشرات وإحصائيات تقريبية (غير رسمية)
نظراً لغياب مؤسسات الرصد الرسمية الفاعلة والأوضاع الأمنية، لا تتوفر إحصائيات دقيقة وشاملة. إلا أن التقارير الأهلية والمحلية تشير إلى تقديرات غير رسمية نشرتها "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" تفيد بأن عدد المدمنين والمتعاطين في بعض المخيمات الكبيرة مثل مخيم خان دنون قد وصل إلى أرقام صادمة بالنسبة إلى العدد الإجمالي للسكان، بينهم مراهقون وفتيات.
- فئة الشباب المستهدفة
تتراوح أعمار المتعاطين والمروجين الصغار غالباً بين 17 و 35 عاماً، مما يمثل استهدافاً مباشراً للعمود الفقري للمجتمع.
- تزايد الوفيات:
تُسجل حالات وفاة متكررة نتيجة تناول جرعات زائدة من الحبوب المخدرة.
- الأنواع الأكثر انتشاراً والتأثير
تعكس المواد المتداولة في هذه المناطق حالة الفوضى والفقر الشديدين، وأبرزها:
. الكبتاغون: هو الأكثر انتشاراً، لسهولة تصنيعه داخلياً أو تهريبه من الحدود، وتدني سعره. يُعرف بكونه "مخدر الحرب" الذي يستخدمه الشباب للهرب من الإحساس بالخوف والتعب أو للعمل الشاق.
. الحشيش: ما يزال شائعاً، ويُعد وسيلة للتهدئة والنسيان المؤقت في بعض الأوساط.
. مادة الكريستال: تُعتبر أحد أخطر أنواع المخدرات التي تؤثر بشكل كبير على الجسم والعقل.
. المواد الأفيونية والمهدئات الرخيصة: مثل بعض الأدوية النفسية المُساء استخدامها، وتكتسب شعبية لكونها تسبب إدماناً سريعاً وقوياً.
- الأسباب الرئيسية
. الصدمة والانهيار النفسي الجماعي (عامل رئيسي)
.غياب الرقابة الأخلاقية والمجتمعية
. النزوح، فقدان السيطرة على الحياة، تدمير المنازل والتعرض المستمر للعنف، يولد حالة من اليأس المُزمن تدفع الشاب للبحث عن أي مادة تُغيب الوعي وتوقف "التفكير بالصدمات" واضطرابات ما بعد الصدمة.
.الواقع الاقتصادي المُفترس "عامل مُحفز"
. أكثر من 95% من سكان المخيمات الفلسطينية في سورية يعانون من فقر مدقع وبطالة شبه كاملة. هذا الفراغ المادي يدفع البعض للتعاطي كوسيلة للهروب، وآخرين للترويج كمصدر دخل وحيد.
. أدى تشتت السلطات وغياب المرجعية القانونية المركزية في زمن الصراع إلى انتشار الفوضى الأمنية والثغرات الهائلة، وتشير تقارير سابقة إلى تورط بعض الأفراد المنتمين إلى تشكيلات عسكرية أو أمنية في حماية مروجي المخدرات وتسهيل وصولها، مما وفر للتجار حصانة فعلية.
. تفكك الأسرة وغياب المؤسسات: انشغال الآباء بتأمين لقمة العيش أو غيابهم أضعف دور الأسرة، كما أن وكالة الأونروا والجمعيات الأهلية تعاني من شح التمويل، مما قلل بشكل كبير من برامج التوعية والدعم النفسي.
- التداعيات الكارثية على الفرد والمجتمع والقضية
تزايد العنف المجتمعي والجريمة:
يؤدي تعاطي المنشطات إلى زيادة العنف العشوائي والجرائم (قتل، سرقة) داخل المخيمات، مما يمزق ما تبقى من تماسك اجتماعي ويُحوِّل المخيم إلى بؤرة للخوف الداخلي.
. خسارة رأس المال البشري وإجهاض المستقبل: تحول جيل الشباب الواعد إلى مدمنين يعني إجهاض المستقبل، وإفراغ المخيمات من الكفاءات القادرة على حمل قضية العودة وإعادة البناء. إنه إهدار لطاقات الجيل الذي هو الوقود الحقيقي للقضية الفلسطينية.
. الوصم وغياب العلاج الآمن:
. يواجه المتعاطون وصماً اجتماعياً عالياً يمنعهم من طلب المساعدة. ومع الغياب التام للمراكز العلاجية المتخصصة التي تضمن السرية، يبقى المدمنون عالقين في دائرة التعاطي واليأس.
- سبل المكافحة والحلول/ استجابة شاملة وطارئة
تتطلب مكافحة هذه الآفة استراتيجية ثلاثية الأركان تتجاوز الشجب إلى التدخل العملي:
أ- الحلول الأمنية والقضائية (الردع الفوري)
ملاحقة المروجين الكبار: التركيز على تفكيك شبكات الترويج المنظمة وليس فقط القبض على المتعاطين أو الباعة الصغار. يجب الضغط على جميع الجهات الأمنية للتعامل بحزم مع أي شخص يملك حصانة ويشارك في هذه التجارة.
.تفعيل الدوريات المجتمعية: تشكيل لجان شعبية أمنية مُساءلة وذات صلاحيات واضحة لمنع الترويج العلني في أزقة المخيمات الضيقة.
. تأمين الحدود ومنابع التصنيع: دعم دولي لجهود مكافحة تهريب وتصنيع الكبتاغون على مستوى سورية، للحد من تدفقه إلى الأسواق الداخلية.
ب- الحلول العلاجية والاجتماعية (الاحتواء والإغاثة)
. إنشاء وحدات علاج إدمان مؤقتة وسرية: يجب على وكالة الأونروا والمنظمات الإنسانية الدولية توفير مراكز علاج نفسي وطبي للإدمان تكون مجانية وسرية، بعيدة عن أي ملاحقة أمنية، وذلك لتشجيع المدمنين على طلب المساعدة.
. برامج الدعم النفسي المتخصصة: تكثيف برامج الدعم النفسي الجماعي والفردي في المراكز المجتمعية، والتركيز على علاج اضطراب ما بعد الصدمة باعتباره السبب الجذري للتعاطي.
. تدريب الكوادر المحلية: تدريب مرشدين نفسيين وأخصائيين اجتماعيين من داخل المخيمات على التعامل مع حالات الإدمان بحرفية.
ج- الحلول الوقائية والاقتصادية (بناء الأمل)
.تمكين الشباب اقتصادياً: إطلاق مشاريع تدريب مهني مكثف وممول (حِرف، تكنولوجيا) مرتبطة بفرص عمل حقيقية، لتوفير بديل مادي للشباب وإخراجهم من دوائر الفراغ والبطالة التي وصلت إلى نسب قياسية.
. إحياء الأنشطة الشبابية والثقافية: إعادة بناء وترميم المراكز الشبابية والرياضية وتوفير التمويل للأنشطة التي تُشغِل الشباب وتوجه طاقاتهم نحو الإيجابية لإعادة بناء الشعور بالانتماء والقيمة الذاتية.
.حملات توعية مستدامة: استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي والمساجد والمدارس لنشر الوعي بشكل مستمر ومُصمم خصيصاً لبيئة المخيمات.
ختاماً... إن ظاهرة تفاقم تعاطي المخدرات في المخيمات والتجمعات الفلسطينية هي أزمة وجودية تضع المجتمع أمام امتحان صعب. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي وشبابنا يذوبون في ظلام حبة كبتاغون رخيصة. إنقاذ هذا الجيل يتطلب أكثر من استهجان واستغراب، بل يتطلب تدخلاً طارئاً شجاعاً ومُنظماً يجمع بين الأمن والحماية والعلاج والتمكين الاقتصادي، ويجب أن تتحول هذه المخيمات من بؤر لليأس إلى مراكز لإعادة بناء الأمل، قبل أن يمحو الإدمان آخر معالم صمودها.