دمشق – مجموعة العمل
يكشف تقرير "الحصاد الموجع" الصادر عن مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية عن واحدة من أكثر الحقائق صدمة في سجل الانتهاكات المرتكبة خلال السنوات الماضية، إذ تظهر البيانات الإحصائية أن 85% من الضحايا الفلسطينيين في سورية كانوا من المدنيين، في دلالة صارخة على أن الاستهداف لم يكن عشوائيًا، بل جاء ضمن نمط عنف ممنهج طال الأحياء السكنية ومناطق التجمعات المدنية بعيدًا عن أي اشتباكات مباشرة.
تُعد هذه الأرقام، بوصفها وقائع دامغة، تفنيدًا واضحًا للروايات التي حاولت مرارًا تصوير الضحايا على أنهم منخرطون في الأعمال المسلحة أو يشكلون جزءًا من أطراف القتال. وتشير معطيات التقرير إلى أن 4353 ضحية من أصل 4965 كانوا مدنيين بالكامل، بينما لم تتجاوز نسبة من يحملون صفة عسكرية أو شبه عسكرية 13% فقط (612 ضحية)، في حين بقيت 2% من الحالات غير محددة الصفة.
هذه المؤشرات الإحصائية فتحت الباب لإعادة قراءة منحنى العنف ضد الفلسطينيين في سورية منذ عام 2011، وذلك عبر تحليل ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة التصعيد، مرحلة الانحدار، ومرحلة الاستقرار النسبي.
أولاً: مرحلة التصعيد (2011 – 2014): السنوات الدامية
تكشف البيانات عن قفزة هائلة في معدلات الضحايا خلال السنوات الأربع الأولى من الأزمة السورية:
2011: 95 ضحية – بداية انزلاق المجتمع الفلسطيني إلى دائرة العنف
2012: 757 ضحية – ارتفاع بنسبة 697%
2013: 1125 ضحية – سنة الذروة
2014: 1162 ضحية – استمرار النمط نفسه من الهجمات
تمثل هذه المرحلة ذروة الانتهاكات من حيث اتساع رقعة الاستهداف واتجاه الضربات نحو مناطق مدنية كثيفة. ويُبرز التقرير أن العام 2013 كان الأكثر دموية نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية:
1. تصاعد العمليات العسكرية في مناطق التواجد الفلسطيني:
ولا سيما مخيم اليرموك، مخيم درعا وسبينة، خان الشيح، والحجر الأسود.
2. الحصار الخانق على مخيم اليرموك:
الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الوفيات الناجمة عن القصف والقنص وسوء التغذية.
3. امتداد الصراع جغرافيًا إلى مناطق جديدة تضم تجمعات فلسطينية، ما زاد حجم المتأثرين.
وتوضح شهادات المدنيين حجم المأساة التي عاشتها المخيمات. تقول إحدى الأمهات التي فقدت أطفالها الثلاثة في قصف على منزلها: "لم نكن طرفًا في أي معركة، لكن منازلنا كانت تُقصف كأنها هدف مباشر".
هذه الشهادات، كما يوثقها التقرير، ليست حوادث فردية، بل جزء من نمط واسع من الاستهداف طاول العائلات داخل منازلها وفي طوابير الانتظار على الحواجز أو للحصول على المواد الغذائية.
ثانيًا: مرحلة الانحدار (2015 – 2021): هبوط العنف لكن استمرار الانتهاكات
بعد عام 2014، بدأ منحنى العنف بالانحدار بصورة واضحة:
2015: 650 ضحية
2016: 138 ضحية
2017: 208 ضحية
وصولاً إلى 24 ضحية في 2021 وهي أدنى نقطة
ورغم الانخفاض الكبير في عدد الضحايا، يؤكد التقرير أن طبيعة الاستهداف خلال هذه المرحلة بقيت ضمن المسار ذاته من حيث تركّز الضحايا في صفوف المدنيين.
يُرجع التقرير هذا الانخفاض إلى:
1. تغير ديناميكيات الصراع وتراجع العمليات العسكرية واسعة النطاق.
2. خروج أجزاء كبيرة من المناطق الفلسطينية من دائرة الاشتباك.
3. نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين داخل سورية وخارجها، ما قلّل فعلياً من وجود التجمعات السكانية في مناطق الخطر.
يشير أحد الناجين من مخيم اليرموك خلال هذه المرحلة إلى أن الخروج من المخيم لم يكن "خيارًا"، بل ضرورة للبقاء على قيد الحياة: "لم نكن أطرافًا في الصراع، لكننا كنا دائمًا في خط النار".
يخلص التقرير إلى أن الانخفاض في الأعداد لا يعني توقف الانتهاكات، إذ استمرت حوادث القصف والاعتقال والاغتيال بصورة متقطعة، إضافة إلى الوفيات الناجمة عن نقص الرعاية الصحية وسوء الظروف المعيشية.
ثالثًا: مرحلة الاستقرار النسبي (2022 – 2024): العنف يتراجع لكن الخطر قائم
تُظهر البيانات الحديثة نوعًا من الاستقرار النسبي:
2022: 31 ضحية
2023: 11 ضحية
2024: 68 ضحية
ورغم الانخفاض، إلا أن ارتفاع العدد مجددًا في عام 2024 يكشف أن مخاطر العنف ما زالت قائمة وأن أي توتر أمني في محيط المخيمات يمكن أن يعيد الأرقام للصعود.
يشير التقرير إلى أن هذه المرحلة شهدت تراجعًا عامًا في العمليات العسكرية، إلا أنها لم تُنهِ التحديات الأمنية والإنسانية، لا سيما مع استمرار غياب الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين داخل سورية وتعرضهم لذات المخاطر التي تطال بقية المدنيين.
تحليل معمّق للظاهرة: استهداف المدنيين كنمط وليس استثناء
من خلال مراجعة شاملة للبيانات، يخلص التقرير إلى أن الاستهداف لم يكن عرضيًا ولا ثانوياً، بل جاء ضمن نمط عنف ممنهج ارتبط غالبًا بمواقع السكن والتجمعات السكانية، وليس بأماكن وجود المقاتلين.
ويؤكد معدّو التقرير أن "الوقائع الدامغة" التي تكشفها الإحصائيات تدحض بشكل كامل الرواية التي تزعم أن الضربات كانت تستهدف المقاتلين فقط، إذ إن نسبة 85% من الضحايا المدنيين تُعد مؤشرًا بالغ الخطورة على غياب أي مبدأ من مبادئ التمييز بين المدنيين والمقاتلين المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني.
كما يبرز التقرير أن النساء والأطفال والمسنين كانوا في مقدمة الضحايا، وأن آلاف الإصابات أدت إلى إعاقات دائمة داخل التجمعات الفلسطينية، ما ترك آثارًا اجتماعية ونفسية واقتصادية لا تزال حاضرة حتى اليوم.
تداعيات إنسانية ممتدة: مجتمع دفع الثمن ثلاث مرات
يكشف التقرير عن ثلاث دوائر رئيسية للضرر:
1. خسائر بشرية مباشرة
آلاف الأسر فقدت أبناءها في عمليات قصف أو قنص أو جراء الحصار والجوع.
2. تداعيات اقتصادية واجتماعية
فقدان المعيل الرئيسي أدى إلى تدهور أوضاع آلاف العائلات، في وقت تراجعت فيه قدرة مؤسسات الإغاثة على تقديم الدعم.
3. آثار نفسية طويلة الأمد
أجيال كاملة عاشت تجارب الصدمة والحصار والفقد، ما جعل الكثير من الأطفال والمراهقين عرضة لاضطرابات نفسية وسلوكية.
خاتمة تحليلية
يخلص تقرير "الحصاد الموجع" إلى أن الفلسطينيين في سورية لم يكونوا طرفًا مباشرًا في الصراع المسلح، لكنهم تحولوا إلى ضحايا رئيسيين ضمن مسار ممتد من الاستهداف المنهجي للمدنيين.
وتُظهر الأرقام أن:
القانون الدولي الإنساني لم يُحترم في معظم مراحل النزاع
الضحايا المدنيون كانوا القاعدة وليس الاستثناء
الروايات التي حاولت تبرير استهداف المخيمات تفتقر لأي مستند واقعي أو إحصائي وبالنظر إلى حجم الخسائر البشرية والعمرية والاجتماعية، فإن التقرير يؤكد أن آثار هذه السنوات لن تُمحى بسهولة، وأن الذاكرة الجمعية للفلسطينيين في سورية ستظل شاهداً على مرحلة اتسمت بالعنف الواسع والانتهاكات الممنهجة.
دمشق – مجموعة العمل
يكشف تقرير "الحصاد الموجع" الصادر عن مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية عن واحدة من أكثر الحقائق صدمة في سجل الانتهاكات المرتكبة خلال السنوات الماضية، إذ تظهر البيانات الإحصائية أن 85% من الضحايا الفلسطينيين في سورية كانوا من المدنيين، في دلالة صارخة على أن الاستهداف لم يكن عشوائيًا، بل جاء ضمن نمط عنف ممنهج طال الأحياء السكنية ومناطق التجمعات المدنية بعيدًا عن أي اشتباكات مباشرة.
تُعد هذه الأرقام، بوصفها وقائع دامغة، تفنيدًا واضحًا للروايات التي حاولت مرارًا تصوير الضحايا على أنهم منخرطون في الأعمال المسلحة أو يشكلون جزءًا من أطراف القتال. وتشير معطيات التقرير إلى أن 4353 ضحية من أصل 4965 كانوا مدنيين بالكامل، بينما لم تتجاوز نسبة من يحملون صفة عسكرية أو شبه عسكرية 13% فقط (612 ضحية)، في حين بقيت 2% من الحالات غير محددة الصفة.
هذه المؤشرات الإحصائية فتحت الباب لإعادة قراءة منحنى العنف ضد الفلسطينيين في سورية منذ عام 2011، وذلك عبر تحليل ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة التصعيد، مرحلة الانحدار، ومرحلة الاستقرار النسبي.
أولاً: مرحلة التصعيد (2011 – 2014): السنوات الدامية
تكشف البيانات عن قفزة هائلة في معدلات الضحايا خلال السنوات الأربع الأولى من الأزمة السورية:
2011: 95 ضحية – بداية انزلاق المجتمع الفلسطيني إلى دائرة العنف
2012: 757 ضحية – ارتفاع بنسبة 697%
2013: 1125 ضحية – سنة الذروة
2014: 1162 ضحية – استمرار النمط نفسه من الهجمات
تمثل هذه المرحلة ذروة الانتهاكات من حيث اتساع رقعة الاستهداف واتجاه الضربات نحو مناطق مدنية كثيفة. ويُبرز التقرير أن العام 2013 كان الأكثر دموية نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية:
1. تصاعد العمليات العسكرية في مناطق التواجد الفلسطيني:
ولا سيما مخيم اليرموك، مخيم درعا وسبينة، خان الشيح، والحجر الأسود.
2. الحصار الخانق على مخيم اليرموك:
الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الوفيات الناجمة عن القصف والقنص وسوء التغذية.
3. امتداد الصراع جغرافيًا إلى مناطق جديدة تضم تجمعات فلسطينية، ما زاد حجم المتأثرين.
وتوضح شهادات المدنيين حجم المأساة التي عاشتها المخيمات. تقول إحدى الأمهات التي فقدت أطفالها الثلاثة في قصف على منزلها: "لم نكن طرفًا في أي معركة، لكن منازلنا كانت تُقصف كأنها هدف مباشر".
هذه الشهادات، كما يوثقها التقرير، ليست حوادث فردية، بل جزء من نمط واسع من الاستهداف طاول العائلات داخل منازلها وفي طوابير الانتظار على الحواجز أو للحصول على المواد الغذائية.
ثانيًا: مرحلة الانحدار (2015 – 2021): هبوط العنف لكن استمرار الانتهاكات
بعد عام 2014، بدأ منحنى العنف بالانحدار بصورة واضحة:
2015: 650 ضحية
2016: 138 ضحية
2017: 208 ضحية
وصولاً إلى 24 ضحية في 2021 وهي أدنى نقطة
ورغم الانخفاض الكبير في عدد الضحايا، يؤكد التقرير أن طبيعة الاستهداف خلال هذه المرحلة بقيت ضمن المسار ذاته من حيث تركّز الضحايا في صفوف المدنيين.
يُرجع التقرير هذا الانخفاض إلى:
1. تغير ديناميكيات الصراع وتراجع العمليات العسكرية واسعة النطاق.
2. خروج أجزاء كبيرة من المناطق الفلسطينية من دائرة الاشتباك.
3. نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين داخل سورية وخارجها، ما قلّل فعلياً من وجود التجمعات السكانية في مناطق الخطر.
يشير أحد الناجين من مخيم اليرموك خلال هذه المرحلة إلى أن الخروج من المخيم لم يكن "خيارًا"، بل ضرورة للبقاء على قيد الحياة: "لم نكن أطرافًا في الصراع، لكننا كنا دائمًا في خط النار".
يخلص التقرير إلى أن الانخفاض في الأعداد لا يعني توقف الانتهاكات، إذ استمرت حوادث القصف والاعتقال والاغتيال بصورة متقطعة، إضافة إلى الوفيات الناجمة عن نقص الرعاية الصحية وسوء الظروف المعيشية.
ثالثًا: مرحلة الاستقرار النسبي (2022 – 2024): العنف يتراجع لكن الخطر قائم
تُظهر البيانات الحديثة نوعًا من الاستقرار النسبي:
2022: 31 ضحية
2023: 11 ضحية
2024: 68 ضحية
ورغم الانخفاض، إلا أن ارتفاع العدد مجددًا في عام 2024 يكشف أن مخاطر العنف ما زالت قائمة وأن أي توتر أمني في محيط المخيمات يمكن أن يعيد الأرقام للصعود.
يشير التقرير إلى أن هذه المرحلة شهدت تراجعًا عامًا في العمليات العسكرية، إلا أنها لم تُنهِ التحديات الأمنية والإنسانية، لا سيما مع استمرار غياب الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين داخل سورية وتعرضهم لذات المخاطر التي تطال بقية المدنيين.
تحليل معمّق للظاهرة: استهداف المدنيين كنمط وليس استثناء
من خلال مراجعة شاملة للبيانات، يخلص التقرير إلى أن الاستهداف لم يكن عرضيًا ولا ثانوياً، بل جاء ضمن نمط عنف ممنهج ارتبط غالبًا بمواقع السكن والتجمعات السكانية، وليس بأماكن وجود المقاتلين.
ويؤكد معدّو التقرير أن "الوقائع الدامغة" التي تكشفها الإحصائيات تدحض بشكل كامل الرواية التي تزعم أن الضربات كانت تستهدف المقاتلين فقط، إذ إن نسبة 85% من الضحايا المدنيين تُعد مؤشرًا بالغ الخطورة على غياب أي مبدأ من مبادئ التمييز بين المدنيين والمقاتلين المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني.
كما يبرز التقرير أن النساء والأطفال والمسنين كانوا في مقدمة الضحايا، وأن آلاف الإصابات أدت إلى إعاقات دائمة داخل التجمعات الفلسطينية، ما ترك آثارًا اجتماعية ونفسية واقتصادية لا تزال حاضرة حتى اليوم.
تداعيات إنسانية ممتدة: مجتمع دفع الثمن ثلاث مرات
يكشف التقرير عن ثلاث دوائر رئيسية للضرر:
1. خسائر بشرية مباشرة
آلاف الأسر فقدت أبناءها في عمليات قصف أو قنص أو جراء الحصار والجوع.
2. تداعيات اقتصادية واجتماعية
فقدان المعيل الرئيسي أدى إلى تدهور أوضاع آلاف العائلات، في وقت تراجعت فيه قدرة مؤسسات الإغاثة على تقديم الدعم.
3. آثار نفسية طويلة الأمد
أجيال كاملة عاشت تجارب الصدمة والحصار والفقد، ما جعل الكثير من الأطفال والمراهقين عرضة لاضطرابات نفسية وسلوكية.
خاتمة تحليلية
يخلص تقرير "الحصاد الموجع" إلى أن الفلسطينيين في سورية لم يكونوا طرفًا مباشرًا في الصراع المسلح، لكنهم تحولوا إلى ضحايا رئيسيين ضمن مسار ممتد من الاستهداف المنهجي للمدنيين.
وتُظهر الأرقام أن:
القانون الدولي الإنساني لم يُحترم في معظم مراحل النزاع
الضحايا المدنيون كانوا القاعدة وليس الاستثناء
الروايات التي حاولت تبرير استهداف المخيمات تفتقر لأي مستند واقعي أو إحصائي وبالنظر إلى حجم الخسائر البشرية والعمرية والاجتماعية، فإن التقرير يؤكد أن آثار هذه السنوات لن تُمحى بسهولة، وأن الذاكرة الجمعية للفلسطينيين في سورية ستظل شاهداً على مرحلة اتسمت بالعنف الواسع والانتهاكات الممنهجة.