map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

الفلسطينيّ السوري بين جغرافيتين وذاكرتين

تاريخ النشر : 24-11-2025
الفلسطينيّ السوري بين جغرافيتين وذاكرتين

نضال الخليل - مجموعة العمل

ليست “العودة” للفلسطيني السوري المقيم في لبنان حدثاً مكانياً فحسب، بل هي كما في كل سرديات المنفى مفصلٌ وجوديّ في علاقة الإنسان بزمانه الممزق

إنّها تلك اللحظة التي يتقاطع فيها الفقد مع الرغبة والذاكرة مع الترحال والهوية مع حدود رسمها آخرون الفلسطيني السوري الخارج من جغرافيا وُلِد فيها ولم تُعترف به، العالق في أخرى تمنحه إقامة بلا مقام يعيش في مدارٍ ثلاثيّ:

وطنٌ غُيِّب ووطنٌ مشروط بالعودة إليه وبلدٌ مضيف يمنحه وجوداً قانونياً ناقصاً.

إنّ ما يُسمّى “العودة” هنا ليس انتقالاً من لبنان إلى سوريا لكن مواجهة مع فكرة المنزل التي حطّمها التاريخ مراراً.

العودة تصطدم بزمنٍ لم يُعش كما ينبغي وذاتٍ لم تكتمل لأنّها ظلت مُؤجّلة في انتظار اعترافٍ مؤجل.

كل خطوة نحو الحدود تُعيد الفلسطيني السوري إلى سؤال الهوية نفسه:

 إلى أي وطن أعود إذا كان الوطن ذاته قد تغيّر أكثر من غربتي عنه؟

في لبنان حيث تتكثّف البيروقراطيا في جسد اللاجئ يتحوّل الوجود الفلسطيني السوري إلى معادلة استحالة فالقوانين التي تمنع التملك والعمل والقيود التي تلاحق الإقامة والتعليم لا تصف فقط وضعاً قانونياً لكنها تُجسّد شكلاً من أشكال نزع الإنسانية.

هنا يصبح اللاجئ كما وصف فوكو في حديثه عن “الذات المراقَبة”

 كائناً معرّفاً بالإحصاء لا بالتجربة بالرقم لا بالذاكرة.

الأونروا قد تُحصي الأجساد لكنها لا تُدرك هشاشة الانتظار ولا معنى أن تكون إنساناً في مجتمع يراك مشروع عبء دائم

إنّ “العودة” في هذا السياق تتجاوز الحدود السياسية لتصبح فعلاً وجودياً: محاولة لاستعادة الذات التي فقدت حقّها في أن تكون ذاتاً

غير أن الجغرافيا التي يُفترض أن تحتضن هذه الولادة الجديدة — سوريا ما بعد الحرب — لا تزال مدمّرة البنية والذاكرة.

فالأرض التي كانت موطناً صارت أرشيفاً من الأنقاض والعودة إليها في ظل هشاشة الأمن والاقتصاد   قد تتحوّل من وعد إلى عبء جديد.

من هنا يصبح السؤال ليس - “هل أعود؟”  بل - “إلى ماذا أعود؟ -  إلى حياة تُبنى من جديد أم إلى نسخةٍ أخرى من المنفى؟”

أما لبنان فليس خارج هذه المعادلة الأخلاقية إنه بلدٌ مثقلٌ بأزماته يعيش حالة من التناقض بين تعاطف إنساني دفين وقلق اجتماعي ظاهر.

الفلسطيني السوري يجد نفسه داخل هذا التوتر: يُنظر إليه كمُذكّرٍ بالمأساة من جهة وكعبءٍ اجتماعي من جهة أخرى.

موقعه في المخيلة اللبنانية هشّ، بين الضحية والآخر، بين المستضاف والممنوع.

وهكذا، يتحوّل حق العودة إلى مرآة تعكس ليس فقط مأزق الفلسطيني، بل مأزق الضيافة العربية ذاتها:

كيف تستضيف من يذكّرك بعجزك الجماعي؟

في الأدبيات الحقوقية والإنسانية تُختزل هذه المأساة في مؤشرات الفقر والتعليم والعمل كما في دراسات UNICEF/UNRWA التي تبيّن انخفاض رفاهية الشباب الفلسطيني السوري مقارنة بغيرهم لكنّ هذه الأرقام تفشل في لمس ما هو أعمق:

إنّ الفلسطيني السوري لا يعيش مجرّد “حرمان” لكنه يعيش تأجيلاً مستمراً للكينونة

 العودة حين تُفهم ضمن هذا الأفق ليست مشروع إسكان لكن مشروع اعتراف

 فأن يعود المرء ليُعامل ككائن كامل هو الفعل السياسي والإنساني الأعلى قيمة.

إنّ سياسات “الإعادة” التي تتناول الملف بوصفه قضية لوجستية تُخطئ في جوهرها.

العودة ليست نقل سكان من مكان إلى آخر لكنها إعادة بناء مفهوم “المكان” ذاته أيُّ عودة لا تضمن الكرامة والسكن والحق في العمل والتعليم ليست عودة لكنها إعادة إنتاج للمنفى.

فالمجتمعات لا تُبنى بالتصاريح، بل بالاعتراف المتبادل بالإنسان كقيمة

إنّ إشراك المجتمع اللبناني والسوري في حوار مفتوح حول مستقبل اللاجئين لا ينبغي أن يكون شأناً إدارياً بل مشروعاً أخلاقياً يُعيد للإنسان العربي قدرته على التمثّل بالآخر لا نفيه.

في النهاية يظل الفلسطيني السوري في لبنان شاهداً على المعضلة الكبرى التي وسمت الوعي العربي منذ 1948:  أن نعيش في وطنٍ لا يعترف بنا وأن نحلم بوطنٍ لا وجود له إلا في اللغة

 العودة، في معناها الأخير هي استعادة الحق في الحلم، في أن يكون للفرد اسماً ومكاناً وتاريخاً يعترف به الآخرون إنها ليست فقط عودة إلى سوريا لكن إلى معنى الإنسانية نفسه.

وحين تتحقق تلك العودة – أي حين يُعترف بالإنسان كقيمة تتجاوز أوراق الهوية – فقط آنذاك يمكن القول إن الفلسطيني السوري لم يعد إلى وطنه فحسب، بل إلى ذاته أما ما عدا ذلك فليس إلا استمرارا للمنفى تحت مسمّى آخر.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22331

نضال الخليل - مجموعة العمل

ليست “العودة” للفلسطيني السوري المقيم في لبنان حدثاً مكانياً فحسب، بل هي كما في كل سرديات المنفى مفصلٌ وجوديّ في علاقة الإنسان بزمانه الممزق

إنّها تلك اللحظة التي يتقاطع فيها الفقد مع الرغبة والذاكرة مع الترحال والهوية مع حدود رسمها آخرون الفلسطيني السوري الخارج من جغرافيا وُلِد فيها ولم تُعترف به، العالق في أخرى تمنحه إقامة بلا مقام يعيش في مدارٍ ثلاثيّ:

وطنٌ غُيِّب ووطنٌ مشروط بالعودة إليه وبلدٌ مضيف يمنحه وجوداً قانونياً ناقصاً.

إنّ ما يُسمّى “العودة” هنا ليس انتقالاً من لبنان إلى سوريا لكن مواجهة مع فكرة المنزل التي حطّمها التاريخ مراراً.

العودة تصطدم بزمنٍ لم يُعش كما ينبغي وذاتٍ لم تكتمل لأنّها ظلت مُؤجّلة في انتظار اعترافٍ مؤجل.

كل خطوة نحو الحدود تُعيد الفلسطيني السوري إلى سؤال الهوية نفسه:

 إلى أي وطن أعود إذا كان الوطن ذاته قد تغيّر أكثر من غربتي عنه؟

في لبنان حيث تتكثّف البيروقراطيا في جسد اللاجئ يتحوّل الوجود الفلسطيني السوري إلى معادلة استحالة فالقوانين التي تمنع التملك والعمل والقيود التي تلاحق الإقامة والتعليم لا تصف فقط وضعاً قانونياً لكنها تُجسّد شكلاً من أشكال نزع الإنسانية.

هنا يصبح اللاجئ كما وصف فوكو في حديثه عن “الذات المراقَبة”

 كائناً معرّفاً بالإحصاء لا بالتجربة بالرقم لا بالذاكرة.

الأونروا قد تُحصي الأجساد لكنها لا تُدرك هشاشة الانتظار ولا معنى أن تكون إنساناً في مجتمع يراك مشروع عبء دائم

إنّ “العودة” في هذا السياق تتجاوز الحدود السياسية لتصبح فعلاً وجودياً: محاولة لاستعادة الذات التي فقدت حقّها في أن تكون ذاتاً

غير أن الجغرافيا التي يُفترض أن تحتضن هذه الولادة الجديدة — سوريا ما بعد الحرب — لا تزال مدمّرة البنية والذاكرة.

فالأرض التي كانت موطناً صارت أرشيفاً من الأنقاض والعودة إليها في ظل هشاشة الأمن والاقتصاد   قد تتحوّل من وعد إلى عبء جديد.

من هنا يصبح السؤال ليس - “هل أعود؟”  بل - “إلى ماذا أعود؟ -  إلى حياة تُبنى من جديد أم إلى نسخةٍ أخرى من المنفى؟”

أما لبنان فليس خارج هذه المعادلة الأخلاقية إنه بلدٌ مثقلٌ بأزماته يعيش حالة من التناقض بين تعاطف إنساني دفين وقلق اجتماعي ظاهر.

الفلسطيني السوري يجد نفسه داخل هذا التوتر: يُنظر إليه كمُذكّرٍ بالمأساة من جهة وكعبءٍ اجتماعي من جهة أخرى.

موقعه في المخيلة اللبنانية هشّ، بين الضحية والآخر، بين المستضاف والممنوع.

وهكذا، يتحوّل حق العودة إلى مرآة تعكس ليس فقط مأزق الفلسطيني، بل مأزق الضيافة العربية ذاتها:

كيف تستضيف من يذكّرك بعجزك الجماعي؟

في الأدبيات الحقوقية والإنسانية تُختزل هذه المأساة في مؤشرات الفقر والتعليم والعمل كما في دراسات UNICEF/UNRWA التي تبيّن انخفاض رفاهية الشباب الفلسطيني السوري مقارنة بغيرهم لكنّ هذه الأرقام تفشل في لمس ما هو أعمق:

إنّ الفلسطيني السوري لا يعيش مجرّد “حرمان” لكنه يعيش تأجيلاً مستمراً للكينونة

 العودة حين تُفهم ضمن هذا الأفق ليست مشروع إسكان لكن مشروع اعتراف

 فأن يعود المرء ليُعامل ككائن كامل هو الفعل السياسي والإنساني الأعلى قيمة.

إنّ سياسات “الإعادة” التي تتناول الملف بوصفه قضية لوجستية تُخطئ في جوهرها.

العودة ليست نقل سكان من مكان إلى آخر لكنها إعادة بناء مفهوم “المكان” ذاته أيُّ عودة لا تضمن الكرامة والسكن والحق في العمل والتعليم ليست عودة لكنها إعادة إنتاج للمنفى.

فالمجتمعات لا تُبنى بالتصاريح، بل بالاعتراف المتبادل بالإنسان كقيمة

إنّ إشراك المجتمع اللبناني والسوري في حوار مفتوح حول مستقبل اللاجئين لا ينبغي أن يكون شأناً إدارياً بل مشروعاً أخلاقياً يُعيد للإنسان العربي قدرته على التمثّل بالآخر لا نفيه.

في النهاية يظل الفلسطيني السوري في لبنان شاهداً على المعضلة الكبرى التي وسمت الوعي العربي منذ 1948:  أن نعيش في وطنٍ لا يعترف بنا وأن نحلم بوطنٍ لا وجود له إلا في اللغة

 العودة، في معناها الأخير هي استعادة الحق في الحلم، في أن يكون للفرد اسماً ومكاناً وتاريخاً يعترف به الآخرون إنها ليست فقط عودة إلى سوريا لكن إلى معنى الإنسانية نفسه.

وحين تتحقق تلك العودة – أي حين يُعترف بالإنسان كقيمة تتجاوز أوراق الهوية – فقط آنذاك يمكن القول إن الفلسطيني السوري لم يعد إلى وطنه فحسب، بل إلى ذاته أما ما عدا ذلك فليس إلا استمرارا للمنفى تحت مسمّى آخر.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22331