نضال الخليل – مجموعة العمل
كانوا نواةً؛ نواةً من لحم ودم وذاكرة، أمهات وأبناء يبنون حياتهم على صمت الغياب، على انتظار يفتت الأضلاع ويثقب القلب.
النواة انشطرت كضوء يسقط على زجاج متصدع وتفرقت إلى نُوىً لا تعرف قرابة بعضها، بعضها يحمل الألم وبعضها يتغذى عليه، يلتهمه ويعيد إخراجه كخطابٍ جاهز أو شعار مُعلَّق أو مشروع قابل للتداول.
الفكرة الأصلية التي كانت ألماً جماعياً صادقاً صارت مادة للتداول.
صار الغياب تجارةً، صار منصةً، صار أداةً في يد من يعرفون الركوب على موج المآسي، من يتقنون مجذاف السياسة، ومن يتعلمون كيف يتحول الألم إلى حضور إعلامي.
لكن هناك نواةً أصيلة تسير في دربها وحدها، بلا منصات، بلا تمويل، بلا صدى سوى وجعها:
. عائلات تتقصى أبناءها المفقودين، تربط بين خيوط الحكايات، توثِّق، تصرخ في صمت، تعيد ترتيب الزمن المفقود.
قبل سقوط النظام، كانت هذه النواة تمثل صوت الحكاية المباشر، صوت العائلة الذي لم يُخترع بعد في الإعلام ولا السياسة، صوت يكتب التاريخ في صمت.
ثم جاء الزمن الممزَّق، زمن الانشطار الأكبر، وصارت النواة الطفيلية تتغذى على الفكرة الأصلية، على ألم العائلات، على صور المُغيَّبين؛ لتعيد تدويرها في شكل بيانات، مؤتمرات، شعارات، حضور، مشاريع تمويلية، ومنصات إعلامية.
هنا تتشابك الأصوات:
. الصوت الذي يبني، والصوت الذي يسرق البناء ليصنع منه منصة.
في الخلفية، تبرز كيانات تتخذ من الغياب مادةً، لكنها لا تحمل ألم النواة الأصلية. بعضها ينشأ ليحفظ الملف في سرديات رسمية، وبعضها ليصنع منه قضية قابلة للاستثمار السياسي أو النفوذ الاجتماعي. بعضها يوثِّق، لكنها توثِّق من الخارج، بعيداً عن العائلات، بعيداً عن الألم اليومي، بعيداً عن الحقيقة الحية، فتظل النواة الحقيقية تُصارع كل هذه الطفيليات لتثبت وجودها.
الفكر المُنظَّم للغياب ليس دائماً نقياً. تنشأ كيانات باسم التوثيق والعدالة، لكنها تتحول إلى أدوات تفاوض، منصات تمثيل، مشاريع تمويلية، أو أدوات ضغط.
بعض الكيانات تحمل الأمانة وبعضها يحمل أدوات القوة، لكن ما يهم حقيقة هو مَن يسيطر على النواة ومَن يمثِّل الفقد الحقيقي.
الغياب لم يعد مجرد فقدان جسد، بل صار بنيةً تتنفس في أروقة المؤسسات، تتنقل بين المؤتمرات، تُستهلك في التقارير، ويُعاد تدويرها في بيانات تفتقر إلى الدمعة، تفتقر إلى الصدى.
الحق الذي كان سؤالاً بسيطاً:
. "أين ابني؟"
صار تصريحاً صحفياً، خطاباً رسمياً، منصةً تُبنى على الغياب ذاته. الذكرى التي كانت حيةً في البيوت صارت صندوقاً يُفتح أمام العدسات، يُعرض على منابر لا يعرفها المُغيَّب.
العدالة تتفاوض، وحق المعرفة مؤجَّل، والملف يهاجر مع كل موجة، كل مؤتمر، كل تقرير، وكل تصريح.
لكن الحقيقة لا تزال حاضرة كما كانت منذ البداية، في البيوت التي لم تُغلَق أبوابها رغم الغياب. هناك، في الظل، بين أوراق العائلات وصمت الليل، تكمن النواة الحقيقية؛ النواة التي لم تعرف الطفيلية والتي تحمل على عاتقها استمرار السؤال:
. مَن يمثل مَن؟
. ومَن يملك الحق في الذاكرة؟
. ومَن يكتب الغياب بلا استغلاله؟
الغائبون هنا ليسوا فقط مفقودين جسدياً، بل مفقودون في لغة المنصات، في صوت المؤسسات، في خطابات الإعلام، في مشاريع التمثيل والتمويل.
وكلما حاولت النواة الأصيلة أن تتكلم، اصطدمت بصدى الطفيليات، فتظل الحكاية مُعلَّقة بين غياب وحضور، بين نواة وأخرى، بين وجع ومَشرُوع، في فضاء يثقب القلب ويستعصي على البوح الكامل.
نضال الخليل – مجموعة العمل
كانوا نواةً؛ نواةً من لحم ودم وذاكرة، أمهات وأبناء يبنون حياتهم على صمت الغياب، على انتظار يفتت الأضلاع ويثقب القلب.
النواة انشطرت كضوء يسقط على زجاج متصدع وتفرقت إلى نُوىً لا تعرف قرابة بعضها، بعضها يحمل الألم وبعضها يتغذى عليه، يلتهمه ويعيد إخراجه كخطابٍ جاهز أو شعار مُعلَّق أو مشروع قابل للتداول.
الفكرة الأصلية التي كانت ألماً جماعياً صادقاً صارت مادة للتداول.
صار الغياب تجارةً، صار منصةً، صار أداةً في يد من يعرفون الركوب على موج المآسي، من يتقنون مجذاف السياسة، ومن يتعلمون كيف يتحول الألم إلى حضور إعلامي.
لكن هناك نواةً أصيلة تسير في دربها وحدها، بلا منصات، بلا تمويل، بلا صدى سوى وجعها:
. عائلات تتقصى أبناءها المفقودين، تربط بين خيوط الحكايات، توثِّق، تصرخ في صمت، تعيد ترتيب الزمن المفقود.
قبل سقوط النظام، كانت هذه النواة تمثل صوت الحكاية المباشر، صوت العائلة الذي لم يُخترع بعد في الإعلام ولا السياسة، صوت يكتب التاريخ في صمت.
ثم جاء الزمن الممزَّق، زمن الانشطار الأكبر، وصارت النواة الطفيلية تتغذى على الفكرة الأصلية، على ألم العائلات، على صور المُغيَّبين؛ لتعيد تدويرها في شكل بيانات، مؤتمرات، شعارات، حضور، مشاريع تمويلية، ومنصات إعلامية.
هنا تتشابك الأصوات:
. الصوت الذي يبني، والصوت الذي يسرق البناء ليصنع منه منصة.
في الخلفية، تبرز كيانات تتخذ من الغياب مادةً، لكنها لا تحمل ألم النواة الأصلية. بعضها ينشأ ليحفظ الملف في سرديات رسمية، وبعضها ليصنع منه قضية قابلة للاستثمار السياسي أو النفوذ الاجتماعي. بعضها يوثِّق، لكنها توثِّق من الخارج، بعيداً عن العائلات، بعيداً عن الألم اليومي، بعيداً عن الحقيقة الحية، فتظل النواة الحقيقية تُصارع كل هذه الطفيليات لتثبت وجودها.
الفكر المُنظَّم للغياب ليس دائماً نقياً. تنشأ كيانات باسم التوثيق والعدالة، لكنها تتحول إلى أدوات تفاوض، منصات تمثيل، مشاريع تمويلية، أو أدوات ضغط.
بعض الكيانات تحمل الأمانة وبعضها يحمل أدوات القوة، لكن ما يهم حقيقة هو مَن يسيطر على النواة ومَن يمثِّل الفقد الحقيقي.
الغياب لم يعد مجرد فقدان جسد، بل صار بنيةً تتنفس في أروقة المؤسسات، تتنقل بين المؤتمرات، تُستهلك في التقارير، ويُعاد تدويرها في بيانات تفتقر إلى الدمعة، تفتقر إلى الصدى.
الحق الذي كان سؤالاً بسيطاً:
. "أين ابني؟"
صار تصريحاً صحفياً، خطاباً رسمياً، منصةً تُبنى على الغياب ذاته. الذكرى التي كانت حيةً في البيوت صارت صندوقاً يُفتح أمام العدسات، يُعرض على منابر لا يعرفها المُغيَّب.
العدالة تتفاوض، وحق المعرفة مؤجَّل، والملف يهاجر مع كل موجة، كل مؤتمر، كل تقرير، وكل تصريح.
لكن الحقيقة لا تزال حاضرة كما كانت منذ البداية، في البيوت التي لم تُغلَق أبوابها رغم الغياب. هناك، في الظل، بين أوراق العائلات وصمت الليل، تكمن النواة الحقيقية؛ النواة التي لم تعرف الطفيلية والتي تحمل على عاتقها استمرار السؤال:
. مَن يمثل مَن؟
. ومَن يملك الحق في الذاكرة؟
. ومَن يكتب الغياب بلا استغلاله؟
الغائبون هنا ليسوا فقط مفقودين جسدياً، بل مفقودون في لغة المنصات، في صوت المؤسسات، في خطابات الإعلام، في مشاريع التمثيل والتمويل.
وكلما حاولت النواة الأصيلة أن تتكلم، اصطدمت بصدى الطفيليات، فتظل الحكاية مُعلَّقة بين غياب وحضور، بين نواة وأخرى، بين وجع ومَشرُوع، في فضاء يثقب القلب ويستعصي على البوح الكامل.