map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

استعادة الحق في السؤال مرافعة عائلات المغيّبين ضد محو الظهور

تاريخ النشر : 07-12-2025
استعادة الحق في السؤال مرافعة عائلات المغيّبين ضد محو الظهور

مجموعة العمل – تقارير خاصة - نضال الخليل

لا شيء يُرهق الوعي الجمعي للفلسطينيين في سوريا كما تُرهقه تلك الفجوة التي تفصل بين الاسم والغياب غيابٌ ليس موتًا يمكن رثاؤه ولا حياة يمكن استدعاؤها لكنه حالة ثالثة يبتلع فيها الزمن صاحبه ويبتلع معها قدرة الإنسان على تحديد مصيره

في هذا الفراغ القاسي تتشكّل مأساة عائلات المغيّبين قسرًا الذين ما زالوا يقفون على خط الرعشة بين اليقينين:

هل هو حي؟
 أم أن الجثة سبقت الاعتراف؟

لقد أنتجت سنوات الحرب السورية بما فيها ما أصاب المخيمات الفلسطينية ظاهرة حقوقية مركّبة ليست ظاهرة الاحتجاز فحسب، بل مصادرة الحق في الظهور

فالإخفاء القسري ليس مجرد اعتداء على جسد هو انتهاك مُضاعَف على الزمن والهوية والعائلة والذاكرة وعلى الحق في معرفة الحقيقة وهو حق لا يقل مكانة عن الحق في الحياة ذاته

المفقود… بوصفه جرحًا قانونيًا مفتوحًا

في المفهوم القانوني المعاصر يُعدّ الإخفاء القسري جريمة مركّبة: جريمة ضد الحرية الفردية وضد الحق في سلامة الجسد وضد الأسرة التي تُحرم من معرفة مصير أحد أفرادها وضد المجتمع الذي يفقد القدرة على إنتاج الثقة في مؤسساته وضد القانون نفسه الذي يصبح عاجزًا أمام سؤال بسيط:

 أين هو؟

وعائلات المغيّبين الفلسطينيين في سوريا تقع في قلب هذه المعادلة القاتلة إذ لم تُقدَّم لهم يومًا معادلة قانونية قابلة للفهم: لا محكمة تعترف بمطالبهم ولا جهة تحقيق محايدة ولا سجلًا رسميًا يقرّ حتى بوجود حالة الإخفاء.

هكذا تُطوَى القضايا في أدراج الزمن لا لأن الوقت كفيل بمعالجتها لكن لأن الوقت ذاته يُستخدم كأداة لإدامة الغياب.

صوت العائلة… حين يتحوّل إلى وثيقة

ليس لدى العائلات سوى أصواتها: أمّ تحفظ آخر قميص، أبٌ يراجع بوابات الثكنات القديمة، أخٌ يجمع الشهادات من أصدقاء مرّوا على السجون ثم خرجوا دون أن يروه

هذه الأصوات وإن بدت فردية ومجزّأة تشكّل في حقيقتها محضرًا قانونيًا مفتوحًا يُضاف كل يوم إلى ملف جماعي غير مكتوب

فالحق في معرفة المصير ليس مطلبًا عاطفيًا، بل حقًا منصوصًا عليه في الاتفاقيات الدولية ويُعدّ امتناع أي سلطة عن الكشف عن مصير المحتجزين انتهاكًا ممنهجًا

وفي السياق الفلسطيني السوري تتضاعف الجريمة لأن العائلة لا تواجه غياب ابنها فحسب، بل تواجه بنية سياسية مُتعددة السلطات تجعل الوصول إلى الحقيقة مسألة أشبه بالتنقيب في طبقات صخرية صلبة من الصمت.

المخيمات التي كانت تُعرَف بأنها أماكن للنجاة من المنفى تحوّلت خلال العقد الماضي إلى أماكن تحتفظ بملفات مجهولة: شباب اختفوا عند حواجز، نساء فقدن أثر أزواجهن وأطفال كبروا ولم يعرفوا هل هم يتامى أم أبناء غائبين.

تمثّل هذه الحالات جرائم ضد الكيانية المدنية للمجتمع الفلسطيني السوري لأن المجتمع عندما يفقد القدرة على حماية أفراده من الاختفاء فإنه يفقد – بالتبعية – قدرته على استعادة نفسه كجماعة قانونية.

ليس المطلوب اليوم فتح مقابر جماعية ولا إعلان قوائم نهائية بالمفقودين فذلك يأتي في مرحلة لاحقة المطلوب أولًا استعادة الحق في السؤال ذلك الحق البسيط الذي حُرِم منه آلاف الفلسطينيين في سوريا:

حقّ الأم في أن تسأل عن ابنها وحقّ الابن في أن يبحث عن أبيه وحقّ المجتمع في أن يعرف ما جرى لأفراده.

ما يميز عائلات المغيّبين في سوريا عن غيرهم هو قدرتهم على تحويل الألم إلى شراكة قانونية:
كل شهادة جديدة، كل صورة، كل تفصيل صغير هو بمثابة مقاومة صامتة ضد محو الذاكرة.

فالاختفاء القسري في النهاية ليس حكمًا نهائيًا إنه فراغ ينتظر من يملؤه بالمعرفة ومعرفة الحقيقة ليست نهاية الرحلة، بل بدايتها بداية العدالة وبداية استعادة المجتمع الفلسطيني السوري لحقه في أن يكون مجتمعًا واعيًا لذاته لا مجتمعًا تُصادره قبضة الغياب.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22400

مجموعة العمل – تقارير خاصة - نضال الخليل

لا شيء يُرهق الوعي الجمعي للفلسطينيين في سوريا كما تُرهقه تلك الفجوة التي تفصل بين الاسم والغياب غيابٌ ليس موتًا يمكن رثاؤه ولا حياة يمكن استدعاؤها لكنه حالة ثالثة يبتلع فيها الزمن صاحبه ويبتلع معها قدرة الإنسان على تحديد مصيره

في هذا الفراغ القاسي تتشكّل مأساة عائلات المغيّبين قسرًا الذين ما زالوا يقفون على خط الرعشة بين اليقينين:

هل هو حي؟
 أم أن الجثة سبقت الاعتراف؟

لقد أنتجت سنوات الحرب السورية بما فيها ما أصاب المخيمات الفلسطينية ظاهرة حقوقية مركّبة ليست ظاهرة الاحتجاز فحسب، بل مصادرة الحق في الظهور

فالإخفاء القسري ليس مجرد اعتداء على جسد هو انتهاك مُضاعَف على الزمن والهوية والعائلة والذاكرة وعلى الحق في معرفة الحقيقة وهو حق لا يقل مكانة عن الحق في الحياة ذاته

المفقود… بوصفه جرحًا قانونيًا مفتوحًا

في المفهوم القانوني المعاصر يُعدّ الإخفاء القسري جريمة مركّبة: جريمة ضد الحرية الفردية وضد الحق في سلامة الجسد وضد الأسرة التي تُحرم من معرفة مصير أحد أفرادها وضد المجتمع الذي يفقد القدرة على إنتاج الثقة في مؤسساته وضد القانون نفسه الذي يصبح عاجزًا أمام سؤال بسيط:

 أين هو؟

وعائلات المغيّبين الفلسطينيين في سوريا تقع في قلب هذه المعادلة القاتلة إذ لم تُقدَّم لهم يومًا معادلة قانونية قابلة للفهم: لا محكمة تعترف بمطالبهم ولا جهة تحقيق محايدة ولا سجلًا رسميًا يقرّ حتى بوجود حالة الإخفاء.

هكذا تُطوَى القضايا في أدراج الزمن لا لأن الوقت كفيل بمعالجتها لكن لأن الوقت ذاته يُستخدم كأداة لإدامة الغياب.

صوت العائلة… حين يتحوّل إلى وثيقة

ليس لدى العائلات سوى أصواتها: أمّ تحفظ آخر قميص، أبٌ يراجع بوابات الثكنات القديمة، أخٌ يجمع الشهادات من أصدقاء مرّوا على السجون ثم خرجوا دون أن يروه

هذه الأصوات وإن بدت فردية ومجزّأة تشكّل في حقيقتها محضرًا قانونيًا مفتوحًا يُضاف كل يوم إلى ملف جماعي غير مكتوب

فالحق في معرفة المصير ليس مطلبًا عاطفيًا، بل حقًا منصوصًا عليه في الاتفاقيات الدولية ويُعدّ امتناع أي سلطة عن الكشف عن مصير المحتجزين انتهاكًا ممنهجًا

وفي السياق الفلسطيني السوري تتضاعف الجريمة لأن العائلة لا تواجه غياب ابنها فحسب، بل تواجه بنية سياسية مُتعددة السلطات تجعل الوصول إلى الحقيقة مسألة أشبه بالتنقيب في طبقات صخرية صلبة من الصمت.

المخيمات التي كانت تُعرَف بأنها أماكن للنجاة من المنفى تحوّلت خلال العقد الماضي إلى أماكن تحتفظ بملفات مجهولة: شباب اختفوا عند حواجز، نساء فقدن أثر أزواجهن وأطفال كبروا ولم يعرفوا هل هم يتامى أم أبناء غائبين.

تمثّل هذه الحالات جرائم ضد الكيانية المدنية للمجتمع الفلسطيني السوري لأن المجتمع عندما يفقد القدرة على حماية أفراده من الاختفاء فإنه يفقد – بالتبعية – قدرته على استعادة نفسه كجماعة قانونية.

ليس المطلوب اليوم فتح مقابر جماعية ولا إعلان قوائم نهائية بالمفقودين فذلك يأتي في مرحلة لاحقة المطلوب أولًا استعادة الحق في السؤال ذلك الحق البسيط الذي حُرِم منه آلاف الفلسطينيين في سوريا:

حقّ الأم في أن تسأل عن ابنها وحقّ الابن في أن يبحث عن أبيه وحقّ المجتمع في أن يعرف ما جرى لأفراده.

ما يميز عائلات المغيّبين في سوريا عن غيرهم هو قدرتهم على تحويل الألم إلى شراكة قانونية:
كل شهادة جديدة، كل صورة، كل تفصيل صغير هو بمثابة مقاومة صامتة ضد محو الذاكرة.

فالاختفاء القسري في النهاية ليس حكمًا نهائيًا إنه فراغ ينتظر من يملؤه بالمعرفة ومعرفة الحقيقة ليست نهاية الرحلة، بل بدايتها بداية العدالة وبداية استعادة المجتمع الفلسطيني السوري لحقه في أن يكون مجتمعًا واعيًا لذاته لا مجتمعًا تُصادره قبضة الغياب.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22400