مجموعة العمل ـ ظاهر صالح
وسط أجواء السعادة الغامرة والبهجة والسرور العميق واحتفالات النصر، تظلّ هناك أبواب لا تُطرق إلا وهي محمّلة بـدمع غزير وغصّة عميقة.
إنّ هذه الفرحة المعهودة تتبدّد وتُبتلع بالغياب لدى أهالي المدن المدمّرة والمخيمات، ولكنّها تُخنق بالذات لدى عائلات المعتقلين والمخفيين قسراً من السوريين واللاجئين الفلسطينيين.
هؤلاء هم من يدركون اليوم، بألم مضاعف، أنّ طريق البحث عن الحقيقة والعدالة ما زال طويلاً وعسيراً.
بعد عام على إسقاط النظام، لا يزال غياب أحبتهم هو أبرز ما يطغى على هذه الذكرى.
فلا تكاد تخلو عائلة من عزيز مفقود أو مُغيَّب لا تزال تبحث له عن بصيص أمل، عن أثر، أو حتى عن رفات تتيح لها إتمام مراسم الدفن والعزاء، وطيّ صفحة الشكّ التي تُنهك الروح.
لقد أتى سقوط النظام حاملاً أملاً بالمعرفة، لكن المفارقة كانت قاسية:سقط النظام وبقيت مصائر أحبتهم مُعلّقة في المجهول.
وفي هذا السياق المأساوي، تبرز قضية فلسطينيي سوريا كفصل أشد إيلاماً وتعقيداً، فهم لم يواجهوا الإخفاء المنهجي فحسب، بل دفعوا ثمن انتمائهم المزدوج، ما جعلهم ضحايا مزدوجين لموجات واسعة من الاعتقال والإخفاء داخل الأفرع الأمنية التابعة للنظام السابق.
يرتكز هذا التقرير على تحليل معمق للبيانات الحقوقية، مدعوماً بشهادات حية لأهالي الضحايا، ويهدف إلى تسليط الضوء على الخصوصية المؤلمة لهذا الملف، وتقييم جدية التعامل المؤسسي معه بعد سقوط النظام.
ويناقش التقرير التحديات المتمثلة في ظهور تسريبات "ملفات دمشق" ومأزق الشفافية الذي تواجهه الهيئة الوطنية للمفقودين، مؤكداً أن كشف مصير فلسطينيي سوريا المُغيّبين هو شرط أخلاقي وقانوني لا مساومة فيه لإرساء العدالة.
▪︎ ضحايا الهوية المزدوجة
- الإحصائيات في سياق اللجوء والاعتقال
تشير التقديرات الحقوقية إلى وجود أكثر من 4500 مفقود فلسطيني في سوريا، وهذه الأعداد من المعتقلين والمفقودين تحمل دلالات خاصة وتضاعُفاً في معدلات التعرض للخطر.
لقد أصبح هذا المجتمع فئة معرضة للإخفاء بشكل مضاعف، فهم يفتقرون إلى مرجعية حماية وطنية مباشرة كونهم لاجئين، ويواجهون نظاماً مارَس الإخفاء القسري كسياسة ممنهجة واسعة النطاق.
- وجع الانتظار الذي لا يندمل
تتجلى المأساة في الشهادات الفردية التي تروي قصصاً عن أمهات وزوجات وأطفال فُرِض عليهم النضال في صمت، عالقين بين الرجاء والفقد في رحلة بحث لا تنتهي:
"أم علي"، جنوب دمشق: فقدت ابنها عام 2012 وهو عائد من عمله، اعتقلته الميليشيات الطائفية على إحدى حواجز منطقة السيدة زينب. ولغاية اليوم تقول: "حقي أعرف وين ابني؟ مات تعذيب؟ رصاصة؟ إعدام؟".
"فاطمة سامي" / السبينة: فقدت زوجها عام 2013، وأُخفِي قسراً على إثر الاعتقال. تشكو من "الحزن الذي لا يوصف" وتؤكد: "القبور إلها حجر بس المفقودين ما إلهم شي، لا أثر ولا اسم".
"ابتسام وابنها" مخيم اليرموك: اعتُقلوا على حاجز منطقة البوابة / دمشق عام 2013، ومن ذلك اليوم لم يُعرَف مصيرهم.
"أم أحمد" مخيم اليرموك: فقدت اثنين من أبنائها في الأفرع الأمنية ولم تعرف مصيرهم، تقول: "انتظرنا سقوط النظام 14 سنة، لكن المفارقة كانت قاسية: سقط النظام وما لقيت ولادي... حياتي توقفت عند المجهول".
يواجه الفلسطينيون تحدياً إضافياً يتمثل في عدم القدرة على تثبيت وثائق مدنية لأبنائهم في غياب المعيل المعتقل أو المفقود، ما يضيف أعباء قانونية فوق العبء الإنساني، ويحوّلهم إلى ضحايا جدد.
▪︎ الطريق إلى العدالة: خطوات عملية
إن كشف مصير المفقودين من فلسطينيي سوريا هو شرط لا غنى عنه لأي عملية عدالة أو مصالحة، ويتطلب ذلك التزاماً بخطوات عملية ومؤسساتية:
. الشراكة التامة والتمثيل الفعلي للأهالي: يجب أن يكون أهل الوجع هم أصحاب الحق، مع ضمان تمثيل عائلات المفقودين الفلسطينيين السوريين بشكل مباشر في اللجان والهيئات، لضمان أن يكون صوتهم حاضراً وغير مُهمَّش.
. تخصيص مسار لحالات فلسطينيي سوريا: يجب العمل بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية (مثل الأونروا) لتوثيق حالات الإخفاء القسري للفلسطينيين السوريين، وتأمين دعم قانوني خاص يراعي وضعهم كلاجئين مزدوجي الضحية.
. الشفافية في التعامل مع الأدلة: يجب على الهيئة أن تتولى مسؤوليتها فوراً في معالجة البيانات المُسرَّبة، وتوفير أجوبة مباشرة للعائلات، حيث إن المعرفة حق والعمل واجب.
. تفعيل البعد الفني والتقني: يجب تسريع وتيرة العمل على إنشاء بنك DNA وطني مستقل، وتفعيل فِرَق الطب الشرعي للبحث في المقابر الجماعية وحماية الأدلة في مواقع السجون السابقة، مع الوعي بأن العمل المنهجي قد يستغرق 10 إلى 15 عاماً وفقاً للتجارب الدولية.
. إنشاء أرشيف وطني مستقل: يجب أن يكون الهدف هو بناء أرشيف وطني مستقل وموثوق، يشارك في إدارته الأهالي والمجتمع المدني، لضمان استقلالية ومهنية العمل بعيداً عن أي تسييس.
▪︎ ختاماً
إن قضية المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين السوريين تمثل نقطة تقاطع لأزمتين إنسانيتين عميقتين. لا يمكن تجاوز الماضي أو البدء في أي مسار للعدالة الانتقالية قبل الإجابة على السؤال الوجودي: أين غاب أحبتنا؟
إن استمرار الغموض والتراخي المؤسسي في التعامل مع هذا الملف يمثل استمراراً لـمظلمة النكران التي عاشتها العائلات لسنوات طويلة. مسؤولية كشف الحقيقة الآن تقع على عاتق المؤسسات الجديدة، ويجب أن تتجاوز هذه المؤسسات عقلية الوعود المُبهمة والذهنية السلطوية.
فالحقيقة ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي حق إنساني وشرط أساسي لالتئام الجرح الوطني والاجتماعي، واستعادة الثقة في أي بناء مستقبلي للدولة. يجب أن يكون كشف مصير "الزوج والابن والأخ والأخت" هو الخطوة الأولى والأهم نحو استعادة الكرامة.
مجموعة العمل ـ ظاهر صالح
وسط أجواء السعادة الغامرة والبهجة والسرور العميق واحتفالات النصر، تظلّ هناك أبواب لا تُطرق إلا وهي محمّلة بـدمع غزير وغصّة عميقة.
إنّ هذه الفرحة المعهودة تتبدّد وتُبتلع بالغياب لدى أهالي المدن المدمّرة والمخيمات، ولكنّها تُخنق بالذات لدى عائلات المعتقلين والمخفيين قسراً من السوريين واللاجئين الفلسطينيين.
هؤلاء هم من يدركون اليوم، بألم مضاعف، أنّ طريق البحث عن الحقيقة والعدالة ما زال طويلاً وعسيراً.
بعد عام على إسقاط النظام، لا يزال غياب أحبتهم هو أبرز ما يطغى على هذه الذكرى.
فلا تكاد تخلو عائلة من عزيز مفقود أو مُغيَّب لا تزال تبحث له عن بصيص أمل، عن أثر، أو حتى عن رفات تتيح لها إتمام مراسم الدفن والعزاء، وطيّ صفحة الشكّ التي تُنهك الروح.
لقد أتى سقوط النظام حاملاً أملاً بالمعرفة، لكن المفارقة كانت قاسية:سقط النظام وبقيت مصائر أحبتهم مُعلّقة في المجهول.
وفي هذا السياق المأساوي، تبرز قضية فلسطينيي سوريا كفصل أشد إيلاماً وتعقيداً، فهم لم يواجهوا الإخفاء المنهجي فحسب، بل دفعوا ثمن انتمائهم المزدوج، ما جعلهم ضحايا مزدوجين لموجات واسعة من الاعتقال والإخفاء داخل الأفرع الأمنية التابعة للنظام السابق.
يرتكز هذا التقرير على تحليل معمق للبيانات الحقوقية، مدعوماً بشهادات حية لأهالي الضحايا، ويهدف إلى تسليط الضوء على الخصوصية المؤلمة لهذا الملف، وتقييم جدية التعامل المؤسسي معه بعد سقوط النظام.
ويناقش التقرير التحديات المتمثلة في ظهور تسريبات "ملفات دمشق" ومأزق الشفافية الذي تواجهه الهيئة الوطنية للمفقودين، مؤكداً أن كشف مصير فلسطينيي سوريا المُغيّبين هو شرط أخلاقي وقانوني لا مساومة فيه لإرساء العدالة.
▪︎ ضحايا الهوية المزدوجة
- الإحصائيات في سياق اللجوء والاعتقال
تشير التقديرات الحقوقية إلى وجود أكثر من 4500 مفقود فلسطيني في سوريا، وهذه الأعداد من المعتقلين والمفقودين تحمل دلالات خاصة وتضاعُفاً في معدلات التعرض للخطر.
لقد أصبح هذا المجتمع فئة معرضة للإخفاء بشكل مضاعف، فهم يفتقرون إلى مرجعية حماية وطنية مباشرة كونهم لاجئين، ويواجهون نظاماً مارَس الإخفاء القسري كسياسة ممنهجة واسعة النطاق.
- وجع الانتظار الذي لا يندمل
تتجلى المأساة في الشهادات الفردية التي تروي قصصاً عن أمهات وزوجات وأطفال فُرِض عليهم النضال في صمت، عالقين بين الرجاء والفقد في رحلة بحث لا تنتهي:
"أم علي"، جنوب دمشق: فقدت ابنها عام 2012 وهو عائد من عمله، اعتقلته الميليشيات الطائفية على إحدى حواجز منطقة السيدة زينب. ولغاية اليوم تقول: "حقي أعرف وين ابني؟ مات تعذيب؟ رصاصة؟ إعدام؟".
"فاطمة سامي" / السبينة: فقدت زوجها عام 2013، وأُخفِي قسراً على إثر الاعتقال. تشكو من "الحزن الذي لا يوصف" وتؤكد: "القبور إلها حجر بس المفقودين ما إلهم شي، لا أثر ولا اسم".
"ابتسام وابنها" مخيم اليرموك: اعتُقلوا على حاجز منطقة البوابة / دمشق عام 2013، ومن ذلك اليوم لم يُعرَف مصيرهم.
"أم أحمد" مخيم اليرموك: فقدت اثنين من أبنائها في الأفرع الأمنية ولم تعرف مصيرهم، تقول: "انتظرنا سقوط النظام 14 سنة، لكن المفارقة كانت قاسية: سقط النظام وما لقيت ولادي... حياتي توقفت عند المجهول".
يواجه الفلسطينيون تحدياً إضافياً يتمثل في عدم القدرة على تثبيت وثائق مدنية لأبنائهم في غياب المعيل المعتقل أو المفقود، ما يضيف أعباء قانونية فوق العبء الإنساني، ويحوّلهم إلى ضحايا جدد.
▪︎ الطريق إلى العدالة: خطوات عملية
إن كشف مصير المفقودين من فلسطينيي سوريا هو شرط لا غنى عنه لأي عملية عدالة أو مصالحة، ويتطلب ذلك التزاماً بخطوات عملية ومؤسساتية:
. الشراكة التامة والتمثيل الفعلي للأهالي: يجب أن يكون أهل الوجع هم أصحاب الحق، مع ضمان تمثيل عائلات المفقودين الفلسطينيين السوريين بشكل مباشر في اللجان والهيئات، لضمان أن يكون صوتهم حاضراً وغير مُهمَّش.
. تخصيص مسار لحالات فلسطينيي سوريا: يجب العمل بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية (مثل الأونروا) لتوثيق حالات الإخفاء القسري للفلسطينيين السوريين، وتأمين دعم قانوني خاص يراعي وضعهم كلاجئين مزدوجي الضحية.
. الشفافية في التعامل مع الأدلة: يجب على الهيئة أن تتولى مسؤوليتها فوراً في معالجة البيانات المُسرَّبة، وتوفير أجوبة مباشرة للعائلات، حيث إن المعرفة حق والعمل واجب.
. تفعيل البعد الفني والتقني: يجب تسريع وتيرة العمل على إنشاء بنك DNA وطني مستقل، وتفعيل فِرَق الطب الشرعي للبحث في المقابر الجماعية وحماية الأدلة في مواقع السجون السابقة، مع الوعي بأن العمل المنهجي قد يستغرق 10 إلى 15 عاماً وفقاً للتجارب الدولية.
. إنشاء أرشيف وطني مستقل: يجب أن يكون الهدف هو بناء أرشيف وطني مستقل وموثوق، يشارك في إدارته الأهالي والمجتمع المدني، لضمان استقلالية ومهنية العمل بعيداً عن أي تسييس.
▪︎ ختاماً
إن قضية المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين السوريين تمثل نقطة تقاطع لأزمتين إنسانيتين عميقتين. لا يمكن تجاوز الماضي أو البدء في أي مسار للعدالة الانتقالية قبل الإجابة على السؤال الوجودي: أين غاب أحبتنا؟
إن استمرار الغموض والتراخي المؤسسي في التعامل مع هذا الملف يمثل استمراراً لـمظلمة النكران التي عاشتها العائلات لسنوات طويلة. مسؤولية كشف الحقيقة الآن تقع على عاتق المؤسسات الجديدة، ويجب أن تتجاوز هذه المؤسسات عقلية الوعود المُبهمة والذهنية السلطوية.
فالحقيقة ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي حق إنساني وشرط أساسي لالتئام الجرح الوطني والاجتماعي، واستعادة الثقة في أي بناء مستقبلي للدولة. يجب أن يكون كشف مصير "الزوج والابن والأخ والأخت" هو الخطوة الأولى والأهم نحو استعادة الكرامة.