نضال الخليل – مجموعة العمل
لم يكن قرار الاتحاد الأوروبي بمنح الفلسطينيين القادمين من سوريا صفة "لاجئ تلقائياً" مجرد تقنية قانونية أو تعديل إداري. كان في عمقه صفعة سياسية، صفعة تطال بنية كاملة من المؤسسات التي اعتادت أن تساوم على تعريف الإنسان وأن تقيس حجم مأساته بمسطرة التمويل، لا بمسطرة الحقيقة.
فالقرار الأوروبي، رغم كل ما يمكن أن يُقال في دوافعه، يقوم بفعل لا تجرؤ عليه مؤسسات لجوء راسخة؛ يجرِّد الفلسطيني السوري من عبء الإثبات. لا حاجة لشهادات اضطهاد، لا روايات عن حصار اليرموك، لا صور عن الصفوف الطويلة أمام الأفران ولا عن المخيمات التي تحولت إلى رماد. يكفي أن تكون فلسطينياً خرج من سوريا... كي تُمنَح الحماية تلقائياً.
هذه ليست بادرة تعاطف، إنها اعتراف سياسي بأن ما حدث في سوريا لم يكن نزاعاً عادياً، وأن الفلسطيني الذي عاشه لم يكن نازحاً مثل غيره، بل مستهدَفاً بلا دولة تحميه ولا جهة تمثله حقاً.
لكن المفارقة تنكشف عند الطرف الآخر من المشهد: الأونروا.
حين تُذكِّر أوروبا الأونروا بواجبها
الوكالة التي وُجِدت من أجل الفلسطيني، والتي تتلقى الجزء الأكبر من تمويلها من أوروبا نفسها، تواصل تقليص مساعداتها وتعقيد إجراءاتها ورفض الملفات بلا مبرر، وكأن الفلسطيني القادم من سوريا ضيف ثقيل على سجلاتها.
المفارقة هنا ليست إدارية، إنها سياسية بامتياز. كيف يمكن لجهة مموِّلة أن تقول:
"هذا اللاجئ يستحق حماية كاملة تلقائية"،
بينما تقول الجهة المموَّلة:
"لا بد من مزيد من التدقيق والمراجعة والانضباط الميزاني؟"
إنه ليس تضارب سياسات، لكنه تضارب رؤى: الاتحاد الأوروبي يرى الفلسطيني السوري كضحية حرب، بينما الأونروا تراه عبئاً حسابياً يجب كبته وتدجينه.
الفلسطيني السوري... المرآة التي تكره المؤسسات النظر فيها
في كل الأزمات الكبرى، يظهر نموذج إنساني يصبح معياراً أخلاقياً يختبر صدق المؤسسات. والفلسطيني السوري هو هذا النموذج.
. تقرير هيومن رايتس ووتش (2013) وثَّق حصار مخيم اليرموك وسقوط مئات المدنيين بسبب الجوع.
. تقرير الأمم المتحدة (OCHA) (2015–2018) وثَّق تهجير أكثر من 80% من الفلسطينيين في سوريا.
. وتقارير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا ما زالت حتى اليوم تُسجِّل عشرات حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
ورغم ذلك، لا تزال الأونروا تتصرف وكأن هذه الوقائع "تفاصيل" يمكن تجاوزها في تقارير مالية أو تحديثات موسمية. ما يزعج الأونروا ليس الفقر، لكن الحقيقة. فالاعتراف بخصوصية مأساة الفلسطيني السوري يعني الاعتراف بفشل الوكالة في واجبها التاريخي، وبفشل البنية السياسية التي تنتمي إليها.
أوروبا، بغض النظر عن نواياها، فعلت شيئاً خطيراً: أعادت تعريف اللاجئ رغم إرادة المؤسسات التي وُجِدت لتعريفه. هذه خطوة نادراً ما تحدث: وكالة لجوء تُجادل في حقيقتها، بينما جهة سياسية دولية تُذكِّرها بما يجب أن تكونه.
لماذا يهم هذا القرار؟
لأنه للمرة الأولى منذ عشر سنوات، يتحول الفلسطيني السوري من ملف منسي إلى مؤشر سياسي؛ من إنسان يقف في طوابير المساعدات إلى حُجة إدانة تُوجَّه لمن تجاهلوه.
القرار ليس مجرد ضمان حماية، إنه إعلان رسمي بأن مؤسسات اللاجئين لم تعد تملك احتكار تعريف الفلسطيني، وأن الرواية التي حاولت الأونروا طمسها عادت لتفرض نفسها عبر أوروبا. ما يحصل اليوم ليس خلافاً بين مانح ووكالة، إنه صراع بين من يريد للحقيقة أن تُقال ومن يريد لها أن تُقنَّن.
الاتحاد الأوروبي، ربما بدافع إنساني وربما بدافع سياسي، قال ما لم تجرؤ عليه المؤسسات:
. أنَّ الفلسطيني السوري ضحية حرب مطلقة لا تحتاج إلى إثبات.
أما الأونروا فتواصل دفن الحقيقة تحت جداول مالية وعبارات مثل "العجز" و"الأولويات" و"الضغط التمويني"، وكأن القصف والحصار والتهجير لا يكفي لإقناعها بأن هذه المجموعة من البشر تستحق معاملة استثنائية.
لكن الحقيقة لا تموت بالبقاء في الهامش، والقرار الأوروبي أعاد رفعها إلى الواجهة؛ ليس دفاعاً عن فلسطينيي سوريا فقط، لكن إدانة لمؤسسات لم تفهم بعد أن وظيفة الحماية لا تتحقق بالتقارير... بل بالاعتراف.
هل تودّ أن أقوم بتلخيص هذا النص أو تزويدي بمزيد من التقارير الأخرى لتنقيحها؟
نضال الخليل – مجموعة العمل
لم يكن قرار الاتحاد الأوروبي بمنح الفلسطينيين القادمين من سوريا صفة "لاجئ تلقائياً" مجرد تقنية قانونية أو تعديل إداري. كان في عمقه صفعة سياسية، صفعة تطال بنية كاملة من المؤسسات التي اعتادت أن تساوم على تعريف الإنسان وأن تقيس حجم مأساته بمسطرة التمويل، لا بمسطرة الحقيقة.
فالقرار الأوروبي، رغم كل ما يمكن أن يُقال في دوافعه، يقوم بفعل لا تجرؤ عليه مؤسسات لجوء راسخة؛ يجرِّد الفلسطيني السوري من عبء الإثبات. لا حاجة لشهادات اضطهاد، لا روايات عن حصار اليرموك، لا صور عن الصفوف الطويلة أمام الأفران ولا عن المخيمات التي تحولت إلى رماد. يكفي أن تكون فلسطينياً خرج من سوريا... كي تُمنَح الحماية تلقائياً.
هذه ليست بادرة تعاطف، إنها اعتراف سياسي بأن ما حدث في سوريا لم يكن نزاعاً عادياً، وأن الفلسطيني الذي عاشه لم يكن نازحاً مثل غيره، بل مستهدَفاً بلا دولة تحميه ولا جهة تمثله حقاً.
لكن المفارقة تنكشف عند الطرف الآخر من المشهد: الأونروا.
حين تُذكِّر أوروبا الأونروا بواجبها
الوكالة التي وُجِدت من أجل الفلسطيني، والتي تتلقى الجزء الأكبر من تمويلها من أوروبا نفسها، تواصل تقليص مساعداتها وتعقيد إجراءاتها ورفض الملفات بلا مبرر، وكأن الفلسطيني القادم من سوريا ضيف ثقيل على سجلاتها.
المفارقة هنا ليست إدارية، إنها سياسية بامتياز. كيف يمكن لجهة مموِّلة أن تقول:
"هذا اللاجئ يستحق حماية كاملة تلقائية"،
بينما تقول الجهة المموَّلة:
"لا بد من مزيد من التدقيق والمراجعة والانضباط الميزاني؟"
إنه ليس تضارب سياسات، لكنه تضارب رؤى: الاتحاد الأوروبي يرى الفلسطيني السوري كضحية حرب، بينما الأونروا تراه عبئاً حسابياً يجب كبته وتدجينه.
الفلسطيني السوري... المرآة التي تكره المؤسسات النظر فيها
في كل الأزمات الكبرى، يظهر نموذج إنساني يصبح معياراً أخلاقياً يختبر صدق المؤسسات. والفلسطيني السوري هو هذا النموذج.
. تقرير هيومن رايتس ووتش (2013) وثَّق حصار مخيم اليرموك وسقوط مئات المدنيين بسبب الجوع.
. تقرير الأمم المتحدة (OCHA) (2015–2018) وثَّق تهجير أكثر من 80% من الفلسطينيين في سوريا.
. وتقارير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا ما زالت حتى اليوم تُسجِّل عشرات حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
ورغم ذلك، لا تزال الأونروا تتصرف وكأن هذه الوقائع "تفاصيل" يمكن تجاوزها في تقارير مالية أو تحديثات موسمية. ما يزعج الأونروا ليس الفقر، لكن الحقيقة. فالاعتراف بخصوصية مأساة الفلسطيني السوري يعني الاعتراف بفشل الوكالة في واجبها التاريخي، وبفشل البنية السياسية التي تنتمي إليها.
أوروبا، بغض النظر عن نواياها، فعلت شيئاً خطيراً: أعادت تعريف اللاجئ رغم إرادة المؤسسات التي وُجِدت لتعريفه. هذه خطوة نادراً ما تحدث: وكالة لجوء تُجادل في حقيقتها، بينما جهة سياسية دولية تُذكِّرها بما يجب أن تكونه.
لماذا يهم هذا القرار؟
لأنه للمرة الأولى منذ عشر سنوات، يتحول الفلسطيني السوري من ملف منسي إلى مؤشر سياسي؛ من إنسان يقف في طوابير المساعدات إلى حُجة إدانة تُوجَّه لمن تجاهلوه.
القرار ليس مجرد ضمان حماية، إنه إعلان رسمي بأن مؤسسات اللاجئين لم تعد تملك احتكار تعريف الفلسطيني، وأن الرواية التي حاولت الأونروا طمسها عادت لتفرض نفسها عبر أوروبا. ما يحصل اليوم ليس خلافاً بين مانح ووكالة، إنه صراع بين من يريد للحقيقة أن تُقال ومن يريد لها أن تُقنَّن.
الاتحاد الأوروبي، ربما بدافع إنساني وربما بدافع سياسي، قال ما لم تجرؤ عليه المؤسسات:
. أنَّ الفلسطيني السوري ضحية حرب مطلقة لا تحتاج إلى إثبات.
أما الأونروا فتواصل دفن الحقيقة تحت جداول مالية وعبارات مثل "العجز" و"الأولويات" و"الضغط التمويني"، وكأن القصف والحصار والتهجير لا يكفي لإقناعها بأن هذه المجموعة من البشر تستحق معاملة استثنائية.
لكن الحقيقة لا تموت بالبقاء في الهامش، والقرار الأوروبي أعاد رفعها إلى الواجهة؛ ليس دفاعاً عن فلسطينيي سوريا فقط، لكن إدانة لمؤسسات لم تفهم بعد أن وظيفة الحماية لا تتحقق بالتقارير... بل بالاعتراف.
هل تودّ أن أقوم بتلخيص هذا النص أو تزويدي بمزيد من التقارير الأخرى لتنقيحها؟