map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

بعد عام على سقوط النظام: المخيمات الفلسطينية في سوريا بين انهيار البنية التحتية ومحاولات التعافي

تاريخ النشر : 12-12-2025
بعد عام على سقوط النظام: المخيمات الفلسطينية في سوريا بين انهيار البنية التحتية ومحاولات التعافي

سعيد سليمان ـ مجموعة العمل

منذ أكثر من عقد، عصفت الحرب في سوريا بحياة آلاف الفلسطينيين، وحوّلت مخيماتهم —لا سيما مخيم اليرموك، ومخيم حندرات، ومخيم درعا— إلى ساحات دمار شامل.

اليوم، وبعد عام من التحولات السياسية الأخيرة وسقوط النظام السابق، تبدو البنى التحتية في هذه المخيمات كواجهة لمعركة صامتة عنوانها: "استعادة أساسيات الحياة" (مياه، كهرباء، وصحة) في مواجهة واقع مدمر.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على ما تبقى من إرث الحرب، وعلى ما أُعيد ترميمه جزئياً، إضافة إلى التحديات الحقوقية والإنسانية التي لا تزال تعيق العودة إلى حياة كريمة.

إرث الحرب: بنية تحتية منهارة

شهد مخيم اليرموك تدميراً ممنهجاً وواسع النطاق؛ فوفقاً لتحليلات صور الأقمار الصناعية، تضرر أو دُمر أكثر من 5,489 مبنى.

ما كان يمثّل شبكة متكاملة للصرف الصحي، ومحطات تحويل كهربائية، ومراكز صحية تخدم عشرات الآلاف من اللاجئين، تحوّل إلى ركام ومنازل متداعية بعد سنوات من القصف، والحصار، والنهب.

لقد خرجت المرافق التي كانت تشكل "الشريان الحضري" للاجئين عن الخدمة، سواء كانت كابلات كهربائية، أو شبكات مياه وصرف صحي، أو مستوصفات تابعة لوكالة "الأونروا". وبالتالي، فإن ما تبقى من "بنية تحتية" اليوم هو مجرد هيكل هشّ بالكاد يحتمل عبء إعادة الحياة إلى هذه المخيمات.

واقع معيشة الفلسطينيين بعد عام من التغيير

1. المياه والصرف الصحي: عطش ومخاطر صحية

رغم توقف العمليات العسكرية، لا تزال نسبة كبيرة من المنازل غير مرتبطة بشبكة المياه الرئيسية. واستناداً إلى معطيات ميدانية (كما ورد في تقارير سابقة لمجموعة العمل)، يواصل كثير من السكان الاعتماد على صهاريج المياه الخاصة، مما يفرض أعباءً معيشية إضافية.

في المخيمات التي شهدت تعافياً جزئياً مثل اليرموك، بدأت بعض الأحياء تتلقى المياه عبر الشبكة الرسمية، ولكن لساعات محدودة أسبوعياً فقط. أما في المناطق التي لم تُزل منها الأنقاض، فتستمر مخاطر اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، مما يعرض السكان —وخاصة الأطفال— لأخطار صحية جسيمة.

2. الكهرباء: ضوء خافت عبر المولدات والحلول الفردية

توجد محاولات لإعادة ربط بعض شوارع المخيمات بالشبكة الكهربائية العامة، حيث تم نصب أعمدة كهرباء جديدة في بعض الشوارع الرئيسية.

لكن الغالبية العظمى، ولا سيما في الأحياء الفرعية، لا تزال تعتمد على مصادر بديلة: كالطاقة الشمسية لمن استطاع إليها سبيلاً، أو المولدات الجماعية (الأمبيرات)، في ظل ارتفاع أسعار الوقود. وعليه، لا تزال الكهرباء متقطعة، مما يعطل عمليات إعادة ترميم المنازل، ويجعل تشغيل التمديدات الجديدة (مضخات مياه، إنارة) أمراً صعباً أو غير فعال.

3. الصحة والخدمات الطبية: ضغط على قدرات الأونروا

تعرضت العديد من المراكز والمشافي التي كانت تعمل تحت مظلة "الأونروا" أو المؤسسات الخيرية للتدمير أو الضرر البالغ، مما أخرجها من الخدمة.

في المقابل، أعادت "الأونروا" مؤخراً تأهيل عدد من المراكز الصحية لتقديم خدمات أولية وإسعافية، لكنها لا تغطي الاحتياجات الطبية الكاملة، خصوصاً ما يتعلق بالعمليات الجراحية أو الحالات الطارئة المعقدة. لذلك، يضطر المرضى والجرحى إلى تكبد عناء التنقل إلى مراكز المدن خارج المخيمات، رغم ارتفاع كلفة النقل والمخاطر الأمنية، بدلاً من تلقي العلاج داخل محيطهم السكني.

مبادرات إعادة التأهيل: بصيص أمل وسط الهشاشة

 . دور الأونروا والمنظمات الدولية:

   أعلنت "الأونروا" مضيها في إعادة تأهيل بعض المرافق الحيوية، خاصة الصحية والتعليمية. ويجري التخطيط لإصلاح جوانب من شبكات المياه والكهرباء ضمن مساعدات دولية أو محلية، إلا أن الإمكانات تظل محدودة، والتمويل غالباً ما يكون طارئاً؛ مما يعني أن المشاريع الاستراتيجية (شبكات صرف صحي حديثة، بنى تحتية دائمة) ما تزال خارج دائرة التنفيذ الشامل.

 . جهود المجتمع المدني والنازحين العائدين:

   بدأت بعض العائلات التي عادت إلى المخيمات —رغم الوضع الكارثي— بمبادرات تطوعية ذاتية لإزالة الأنقاض من المنازل والشوارع الفرعية. كما يؤدي فلسطينيو الشتات دوراً مهماً في تقديم مساعدات مباشرة لذويهم، تمثلت في تمويل شراء مولدات كهربائية صغيرة، أو تغطية تكاليف إصلاحات جزئية، أو توفير المياه عبر الصهاريج.

معوقات هيكلية: بين قانون العقارات والواقع الميداني

رغم هذه الجهود، تقف عوائق كبيرة أمام إعادة الإعمار الشامل، أبرزها:

 . المعضلة القانونية للملكية: يواجه كثير من اللاجئين الذين فقدوا وثائق ملكية منازلهم خلال الحرب صعوبة بالغة في استصدار تراخيص قانونية للترميم، مما يحول دون إعادة البناء.

 . مخلفات الحرب: لا تزال بعض المخيمات، وخاصة اليرموك، تعاني من مخاطر وجود ألغام غير منفجرة وركام يخفي تحته مخاطر جمة، مما يمنع الآليات من إزالة الأنقاض أو حفر أساسات جديدة بأمان.

 . ضعف التمويل: تواجه "الأونروا"، بصفتها الجهة الدولية الأساسية المعنية، عجزاً في ميزانيتها يحد من قدرتها على توسيع مشاريع البنية التحتية الكبرى.

 . غياب السياسات الرسمية: في ظل إعادة ترتيب المشهد السياسي في سوريا، لم تُطرح حتى الآن خطة وطنية واضحة لإعادة تأهيل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ولا توجد ضمانات لاستدامة الخدمات على المدى الطويل.

البعد الحقوقي: حقوق أساسية وانتهاك مستمر

إن ما يحدث في المخيمات الفلسطينية اليوم ليس مجرد أزمة فنية في البنية التحتية، بل هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية: الحق في السكن اللائق، والصحة، والمياه، والعيش الكريم.

من واجب الجهات المسؤولة —أياً كانت السلطة الحاكمة— ضمان عودة آمنة للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى "الأونروا" إلى حياة كريمة، مع التزام واضح باستعادة الخدمات الأساسية. كما يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم الدعم المالي واللوجستي لإعادة إعمار المخيمات، وعدم الاكتفاء بالمساعدات الإغاثية الطارئة.

خاتمة: من "موت سريري" إلى "نقاهة هشّة"

بعد عام من التحولات السياسية، يمكن القول إن المخيمات الفلسطينية قد تجاوزت المرحلة الأكثر ظلمة من سنوات الحرب، لتدخل في مرحلة "نقاهة هشّة".

ما أُنجز حتى الآن في قطاعات المياه والكهرباء والصحة يظل محدوداً، ومؤقتاً، ومعتمداً على المبادرات الفردية أو التدخلات الدولية المتقطعة.

أما إعادة الإعمار بمفهومها الحقيقي —أي بنى تحتية دائمة وخدمات مستقرة— فما زالت هدفاً بعيد المنال. ويبقى السؤال الأكبر برسم المعنيين: هل ستتحول هذه الجهود الجزئية إلى خطة تنموية مستدامة، أم ستبقى المخيمات بؤراً للحرمان تعيش على فتات المساعدات، وتُعيد إنتاج معاناة اللجوء كل يوم؟

هذا السؤال ليس تقنياً فحسب، بل هو اختبار أخلاقي وحقوقي وإنساني.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22426

سعيد سليمان ـ مجموعة العمل

منذ أكثر من عقد، عصفت الحرب في سوريا بحياة آلاف الفلسطينيين، وحوّلت مخيماتهم —لا سيما مخيم اليرموك، ومخيم حندرات، ومخيم درعا— إلى ساحات دمار شامل.

اليوم، وبعد عام من التحولات السياسية الأخيرة وسقوط النظام السابق، تبدو البنى التحتية في هذه المخيمات كواجهة لمعركة صامتة عنوانها: "استعادة أساسيات الحياة" (مياه، كهرباء، وصحة) في مواجهة واقع مدمر.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على ما تبقى من إرث الحرب، وعلى ما أُعيد ترميمه جزئياً، إضافة إلى التحديات الحقوقية والإنسانية التي لا تزال تعيق العودة إلى حياة كريمة.

إرث الحرب: بنية تحتية منهارة

شهد مخيم اليرموك تدميراً ممنهجاً وواسع النطاق؛ فوفقاً لتحليلات صور الأقمار الصناعية، تضرر أو دُمر أكثر من 5,489 مبنى.

ما كان يمثّل شبكة متكاملة للصرف الصحي، ومحطات تحويل كهربائية، ومراكز صحية تخدم عشرات الآلاف من اللاجئين، تحوّل إلى ركام ومنازل متداعية بعد سنوات من القصف، والحصار، والنهب.

لقد خرجت المرافق التي كانت تشكل "الشريان الحضري" للاجئين عن الخدمة، سواء كانت كابلات كهربائية، أو شبكات مياه وصرف صحي، أو مستوصفات تابعة لوكالة "الأونروا". وبالتالي، فإن ما تبقى من "بنية تحتية" اليوم هو مجرد هيكل هشّ بالكاد يحتمل عبء إعادة الحياة إلى هذه المخيمات.

واقع معيشة الفلسطينيين بعد عام من التغيير

1. المياه والصرف الصحي: عطش ومخاطر صحية

رغم توقف العمليات العسكرية، لا تزال نسبة كبيرة من المنازل غير مرتبطة بشبكة المياه الرئيسية. واستناداً إلى معطيات ميدانية (كما ورد في تقارير سابقة لمجموعة العمل)، يواصل كثير من السكان الاعتماد على صهاريج المياه الخاصة، مما يفرض أعباءً معيشية إضافية.

في المخيمات التي شهدت تعافياً جزئياً مثل اليرموك، بدأت بعض الأحياء تتلقى المياه عبر الشبكة الرسمية، ولكن لساعات محدودة أسبوعياً فقط. أما في المناطق التي لم تُزل منها الأنقاض، فتستمر مخاطر اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، مما يعرض السكان —وخاصة الأطفال— لأخطار صحية جسيمة.

2. الكهرباء: ضوء خافت عبر المولدات والحلول الفردية

توجد محاولات لإعادة ربط بعض شوارع المخيمات بالشبكة الكهربائية العامة، حيث تم نصب أعمدة كهرباء جديدة في بعض الشوارع الرئيسية.

لكن الغالبية العظمى، ولا سيما في الأحياء الفرعية، لا تزال تعتمد على مصادر بديلة: كالطاقة الشمسية لمن استطاع إليها سبيلاً، أو المولدات الجماعية (الأمبيرات)، في ظل ارتفاع أسعار الوقود. وعليه، لا تزال الكهرباء متقطعة، مما يعطل عمليات إعادة ترميم المنازل، ويجعل تشغيل التمديدات الجديدة (مضخات مياه، إنارة) أمراً صعباً أو غير فعال.

3. الصحة والخدمات الطبية: ضغط على قدرات الأونروا

تعرضت العديد من المراكز والمشافي التي كانت تعمل تحت مظلة "الأونروا" أو المؤسسات الخيرية للتدمير أو الضرر البالغ، مما أخرجها من الخدمة.

في المقابل، أعادت "الأونروا" مؤخراً تأهيل عدد من المراكز الصحية لتقديم خدمات أولية وإسعافية، لكنها لا تغطي الاحتياجات الطبية الكاملة، خصوصاً ما يتعلق بالعمليات الجراحية أو الحالات الطارئة المعقدة. لذلك، يضطر المرضى والجرحى إلى تكبد عناء التنقل إلى مراكز المدن خارج المخيمات، رغم ارتفاع كلفة النقل والمخاطر الأمنية، بدلاً من تلقي العلاج داخل محيطهم السكني.

مبادرات إعادة التأهيل: بصيص أمل وسط الهشاشة

 . دور الأونروا والمنظمات الدولية:

   أعلنت "الأونروا" مضيها في إعادة تأهيل بعض المرافق الحيوية، خاصة الصحية والتعليمية. ويجري التخطيط لإصلاح جوانب من شبكات المياه والكهرباء ضمن مساعدات دولية أو محلية، إلا أن الإمكانات تظل محدودة، والتمويل غالباً ما يكون طارئاً؛ مما يعني أن المشاريع الاستراتيجية (شبكات صرف صحي حديثة، بنى تحتية دائمة) ما تزال خارج دائرة التنفيذ الشامل.

 . جهود المجتمع المدني والنازحين العائدين:

   بدأت بعض العائلات التي عادت إلى المخيمات —رغم الوضع الكارثي— بمبادرات تطوعية ذاتية لإزالة الأنقاض من المنازل والشوارع الفرعية. كما يؤدي فلسطينيو الشتات دوراً مهماً في تقديم مساعدات مباشرة لذويهم، تمثلت في تمويل شراء مولدات كهربائية صغيرة، أو تغطية تكاليف إصلاحات جزئية، أو توفير المياه عبر الصهاريج.

معوقات هيكلية: بين قانون العقارات والواقع الميداني

رغم هذه الجهود، تقف عوائق كبيرة أمام إعادة الإعمار الشامل، أبرزها:

 . المعضلة القانونية للملكية: يواجه كثير من اللاجئين الذين فقدوا وثائق ملكية منازلهم خلال الحرب صعوبة بالغة في استصدار تراخيص قانونية للترميم، مما يحول دون إعادة البناء.

 . مخلفات الحرب: لا تزال بعض المخيمات، وخاصة اليرموك، تعاني من مخاطر وجود ألغام غير منفجرة وركام يخفي تحته مخاطر جمة، مما يمنع الآليات من إزالة الأنقاض أو حفر أساسات جديدة بأمان.

 . ضعف التمويل: تواجه "الأونروا"، بصفتها الجهة الدولية الأساسية المعنية، عجزاً في ميزانيتها يحد من قدرتها على توسيع مشاريع البنية التحتية الكبرى.

 . غياب السياسات الرسمية: في ظل إعادة ترتيب المشهد السياسي في سوريا، لم تُطرح حتى الآن خطة وطنية واضحة لإعادة تأهيل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ولا توجد ضمانات لاستدامة الخدمات على المدى الطويل.

البعد الحقوقي: حقوق أساسية وانتهاك مستمر

إن ما يحدث في المخيمات الفلسطينية اليوم ليس مجرد أزمة فنية في البنية التحتية، بل هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية: الحق في السكن اللائق، والصحة، والمياه، والعيش الكريم.

من واجب الجهات المسؤولة —أياً كانت السلطة الحاكمة— ضمان عودة آمنة للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى "الأونروا" إلى حياة كريمة، مع التزام واضح باستعادة الخدمات الأساسية. كما يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم الدعم المالي واللوجستي لإعادة إعمار المخيمات، وعدم الاكتفاء بالمساعدات الإغاثية الطارئة.

خاتمة: من "موت سريري" إلى "نقاهة هشّة"

بعد عام من التحولات السياسية، يمكن القول إن المخيمات الفلسطينية قد تجاوزت المرحلة الأكثر ظلمة من سنوات الحرب، لتدخل في مرحلة "نقاهة هشّة".

ما أُنجز حتى الآن في قطاعات المياه والكهرباء والصحة يظل محدوداً، ومؤقتاً، ومعتمداً على المبادرات الفردية أو التدخلات الدولية المتقطعة.

أما إعادة الإعمار بمفهومها الحقيقي —أي بنى تحتية دائمة وخدمات مستقرة— فما زالت هدفاً بعيد المنال. ويبقى السؤال الأكبر برسم المعنيين: هل ستتحول هذه الجهود الجزئية إلى خطة تنموية مستدامة، أم ستبقى المخيمات بؤراً للحرمان تعيش على فتات المساعدات، وتُعيد إنتاج معاناة اللجوء كل يوم؟

هذا السؤال ليس تقنياً فحسب، بل هو اختبار أخلاقي وحقوقي وإنساني.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22426