map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

فلسطينيو عين القاضي في القنيطرة حيث تحترق المساعدات وتزهر الشهادات

تاريخ النشر : 14-12-2025
فلسطينيو عين القاضي في القنيطرة حيث تحترق المساعدات وتزهر الشهادات

فايز أبو عيد – مجموعة العمل

في الجنوب السوري، حيث تُلامس سفوح الجولان عنان السماء، تقبع بلدة "عين القاضي" في محافظة القنيطرة، هي ليست مجرد نقطة على الخريطة تربط بين البلدات، بل هي قبلة تنبض بالكرامة، وتنزف جرحاً فلسطينياً لم يلتئم.

تبعد حوالي 45 كم عن مركز المحافظة، وترتفع 600 متر عن سطح البحر، لتشرف على الحياة بنبعَيْ ماء يرويان أرضاً هي جنة زراعية بامتياز، تزدان بأشجار الزيتون.

 يبلغ عدد سكانها قرابة 5000 نسمة، تتعانق فيها عائلات سورية أصيلة كالعبلي والحويلي والنجدي، مع العائلات الفلسطينية التي تعود جذورها إلى كفر مصر في بيسان بفلسطين مثل عائلتي الذياب والقطيش.

تتألف عين القاضي من ثلاث حارات، وتعتبر الحارة الجنوبية حارة فلسطينية يتواجد فيها قرابة 300 فلسطيني.

رحلة التعليم الشاقة:

الحديث عن التعليم في عين القاضي هو حديث عن معجزة حقيقية، حيث لا يوجد فيها إلا مدرسة ابتدائية تدعى عين القاضي، في حين يبلغ عدد الطلبة الفلسطينين بتقدير أحد المعلمين فيها قرابة 50 تلميذا أما الصفوف الإعدادية والثانوية فيكاد يكون الرقم أقل من ذلك بفعل التحديات التي يواجهها هؤلاء الطلبة، إذ يبدأ التحدي الحقيقي مع المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث يصبح الطلاب أمام امتحان العمر: قطع ما يزيد عن 10 كيلومترات يومياً، سيراً على الأقدام، في رحلة محفوفة بالمخاطر والتعب، للوصول إلى المعلقة أو صيدا.

هذه المعاناة تدفع الكثيرين إلى مفترق طرق صعب: إما الاستسلام وترك التعليم، أو خوض المعركة التي لا ينجح فيها إلا الأقوياء، وفي الغالب يفضل الكثيرون ترك تعليمهم

وقد ساهمت ظروف الحرب السورية في توقف الكثيرين عن الدراسة في ظل المخاطر المحدقة.

لذا فإن عدد الدارسين في المعاهد والجامعات يبدو عددا قليلا ومع ذلك فلا تكاد تعدم وجود فئة من المثقفين الذين شقوا طريقهم رغم الصعاب.

شمعة تضيء عتمة البطالة:

من بين هؤلاء الأقوياء، يبرز اسم المهندس سليمان خالد ذياب، ابن عائلة الذياب الفلسطينية، الذي حول المعاناة إلى إنجاز، ففي قاعة السيمنار بجامعة دمشق، ناقش برسالة ماجستير بعنوان "الكشف عن أعطال قصر جزئي بين لفات الجزء الثابت لمحرك تحريضي سداسي الطور" وحصل على تقدير امتياز.

لكن وراء هذا الإنجاز قصة مريرة، كما يرويها لنا بنفسه: "التحدي الحقيقي يبدأ بعد التخرج، أنا خريج ماجستير في هندسة الطاقة الكهربائية، وأعمل كمحاضر في الجامعة بنظام الساعات، لكن هذا لا يكفي للعيش بكرامة، لذا اضطررت للعمل في صالون حلاقة في قريتي لأستطيع تأمين قوت يومي."

ويضيف المهندس سليمان، بحسرة تختلط بالصمود: "كيف بحال من لا يملكون أي شهادة؟ واقعنا مزرٍ، والخريجون يعانون من البطالة المقنعة.

نحن نعيش في حارة الذياب التي يقطنها حوالي 300 فلسطيني، وقد عانينا كبقية السوريين من جرائم النظام، حيث فقدنا ستة من أبناء عمومتي في سجون النظام السوري."

تهميش ممنهج وإنسانية مجروحة:

المعاناة في عين القاضي لا تقتصر على التعليم والبطالة، بل تمتد إلى الخدمات الأساسية، فالقربة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة: لا صيدلية، ولا عيادة طبية، مجرد بضع دكاكين صغيرة.

لذا يضطر الفلسطينيون من أجل العلاج المضي إما إلى خان أرنبة التي تبعد47كم  أو التوجه إلى مدينة نوى في درعا التي تبعد 22 كم أو دمشق التي تبعد 98كم ، وقد شكلت القنيطرة إبان الثورة السورية ملاذا آمنا للنازحين من شتى المناطق في سوريا، كون المنطقة كانت من مناطق خفض التصعيد، مما ساهم في تفعيل دور المنظمات الدولية التي ساهمت في تقديم الرعاية الصحية الفارين من أتون الحرب، وللأسف فإن أقدام الأونروا لم تطأ ارض القنيطرة، وقد أكد كثيرون أن خدمات الاونروا كانت قبل الثورة السورية مقتصرة على سيارة متنقلة تأتي كل ثلاثاء لمدة ساعتين لتقديم الدعم الصحي.

كما أشار عديدون إلى أمر أكثر إيلاماً ألا وهو التهميش الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون في المنطقة، كما يوضح سليمان أحمد ذياب الذي يعمل راعياً للأغنام قائلا بحنق: "لم نستلم أي دعم مالي منذ قرابة السنة.

الصليب الأحمر يوزع كوبونات مالية بقيمة 150 دولار لكل عائلة سورية، متجاهلاً الفلسطينيين تماماً.

هناك سوء فهم بأن الأونروا توفر لنا كل شيء، بينما الواقع أن الأونروا تعاني من ضائقة مالية وتوقفت عن تقديم المساعدات."

موقف تاريخي سطره أهالي القرية:

في 16 تشرين الأول 2025، كتب أهالي عين القاضي أجمل فصل في تاريخهم النضالي. عندما توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قريتهم ووزعت مساعدات إنسانية، لم يتردد الأهالي لحظة في جمع كل تلك المساعدات وإحراقها.

يقول أحد الشباب من أبناء القرية: "نرفض أن يكون خبزنا من يد تحرق أراضينا وتمنعنا من الوصول إلى أرزاقنا. الكرامة أغلى من رغيف الخبز."

ويضيف المهندس سليمان: "هذا الموقف لم يكن مفاجئاً لأحد يعرف أهل عين القاضي.

نحن نعاني من الجوع والحاجة، لكننا لا نبيع كرامتنا بأي ثمن، وإسرائيل تحاول كسب ودنا في ظل الظروف الصعبة، بينما هي سبب معاناتنا الأساسي."

رسالة إلى العالم:

عين القاضي ليست مجرد قرية، بل هي رسالة، رسالة من شعب يعرف معنى الكرامة أكثر من معرفته للجوع.

رسالة من فلسطينيين رفضوا أن تكون لقمة العيش وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

هنا، حيث تلتقي حكاية الفلسطيني المهجر مع السوري الصامد، تثبت عين القاضي أن بعض القرى صغيرة في مساحتها، عظيمة في مواقفها، وأن بعض العيون، رغم دمعها، تظل قادرة على إصدار أحكامها بالحق والعدل.

فكما قال أحد مدرسي القرية: "نحن لا نحرق المساعدات لأننا لا نحتاجها، بل نحرقها لأننا نستحق الأفضل من يد تمنحنا إياها."

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22438

فايز أبو عيد – مجموعة العمل

في الجنوب السوري، حيث تُلامس سفوح الجولان عنان السماء، تقبع بلدة "عين القاضي" في محافظة القنيطرة، هي ليست مجرد نقطة على الخريطة تربط بين البلدات، بل هي قبلة تنبض بالكرامة، وتنزف جرحاً فلسطينياً لم يلتئم.

تبعد حوالي 45 كم عن مركز المحافظة، وترتفع 600 متر عن سطح البحر، لتشرف على الحياة بنبعَيْ ماء يرويان أرضاً هي جنة زراعية بامتياز، تزدان بأشجار الزيتون.

 يبلغ عدد سكانها قرابة 5000 نسمة، تتعانق فيها عائلات سورية أصيلة كالعبلي والحويلي والنجدي، مع العائلات الفلسطينية التي تعود جذورها إلى كفر مصر في بيسان بفلسطين مثل عائلتي الذياب والقطيش.

تتألف عين القاضي من ثلاث حارات، وتعتبر الحارة الجنوبية حارة فلسطينية يتواجد فيها قرابة 300 فلسطيني.

رحلة التعليم الشاقة:

الحديث عن التعليم في عين القاضي هو حديث عن معجزة حقيقية، حيث لا يوجد فيها إلا مدرسة ابتدائية تدعى عين القاضي، في حين يبلغ عدد الطلبة الفلسطينين بتقدير أحد المعلمين فيها قرابة 50 تلميذا أما الصفوف الإعدادية والثانوية فيكاد يكون الرقم أقل من ذلك بفعل التحديات التي يواجهها هؤلاء الطلبة، إذ يبدأ التحدي الحقيقي مع المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث يصبح الطلاب أمام امتحان العمر: قطع ما يزيد عن 10 كيلومترات يومياً، سيراً على الأقدام، في رحلة محفوفة بالمخاطر والتعب، للوصول إلى المعلقة أو صيدا.

هذه المعاناة تدفع الكثيرين إلى مفترق طرق صعب: إما الاستسلام وترك التعليم، أو خوض المعركة التي لا ينجح فيها إلا الأقوياء، وفي الغالب يفضل الكثيرون ترك تعليمهم

وقد ساهمت ظروف الحرب السورية في توقف الكثيرين عن الدراسة في ظل المخاطر المحدقة.

لذا فإن عدد الدارسين في المعاهد والجامعات يبدو عددا قليلا ومع ذلك فلا تكاد تعدم وجود فئة من المثقفين الذين شقوا طريقهم رغم الصعاب.

شمعة تضيء عتمة البطالة:

من بين هؤلاء الأقوياء، يبرز اسم المهندس سليمان خالد ذياب، ابن عائلة الذياب الفلسطينية، الذي حول المعاناة إلى إنجاز، ففي قاعة السيمنار بجامعة دمشق، ناقش برسالة ماجستير بعنوان "الكشف عن أعطال قصر جزئي بين لفات الجزء الثابت لمحرك تحريضي سداسي الطور" وحصل على تقدير امتياز.

لكن وراء هذا الإنجاز قصة مريرة، كما يرويها لنا بنفسه: "التحدي الحقيقي يبدأ بعد التخرج، أنا خريج ماجستير في هندسة الطاقة الكهربائية، وأعمل كمحاضر في الجامعة بنظام الساعات، لكن هذا لا يكفي للعيش بكرامة، لذا اضطررت للعمل في صالون حلاقة في قريتي لأستطيع تأمين قوت يومي."

ويضيف المهندس سليمان، بحسرة تختلط بالصمود: "كيف بحال من لا يملكون أي شهادة؟ واقعنا مزرٍ، والخريجون يعانون من البطالة المقنعة.

نحن نعيش في حارة الذياب التي يقطنها حوالي 300 فلسطيني، وقد عانينا كبقية السوريين من جرائم النظام، حيث فقدنا ستة من أبناء عمومتي في سجون النظام السوري."

تهميش ممنهج وإنسانية مجروحة:

المعاناة في عين القاضي لا تقتصر على التعليم والبطالة، بل تمتد إلى الخدمات الأساسية، فالقربة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة: لا صيدلية، ولا عيادة طبية، مجرد بضع دكاكين صغيرة.

لذا يضطر الفلسطينيون من أجل العلاج المضي إما إلى خان أرنبة التي تبعد47كم  أو التوجه إلى مدينة نوى في درعا التي تبعد 22 كم أو دمشق التي تبعد 98كم ، وقد شكلت القنيطرة إبان الثورة السورية ملاذا آمنا للنازحين من شتى المناطق في سوريا، كون المنطقة كانت من مناطق خفض التصعيد، مما ساهم في تفعيل دور المنظمات الدولية التي ساهمت في تقديم الرعاية الصحية الفارين من أتون الحرب، وللأسف فإن أقدام الأونروا لم تطأ ارض القنيطرة، وقد أكد كثيرون أن خدمات الاونروا كانت قبل الثورة السورية مقتصرة على سيارة متنقلة تأتي كل ثلاثاء لمدة ساعتين لتقديم الدعم الصحي.

كما أشار عديدون إلى أمر أكثر إيلاماً ألا وهو التهميش الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون في المنطقة، كما يوضح سليمان أحمد ذياب الذي يعمل راعياً للأغنام قائلا بحنق: "لم نستلم أي دعم مالي منذ قرابة السنة.

الصليب الأحمر يوزع كوبونات مالية بقيمة 150 دولار لكل عائلة سورية، متجاهلاً الفلسطينيين تماماً.

هناك سوء فهم بأن الأونروا توفر لنا كل شيء، بينما الواقع أن الأونروا تعاني من ضائقة مالية وتوقفت عن تقديم المساعدات."

موقف تاريخي سطره أهالي القرية:

في 16 تشرين الأول 2025، كتب أهالي عين القاضي أجمل فصل في تاريخهم النضالي. عندما توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قريتهم ووزعت مساعدات إنسانية، لم يتردد الأهالي لحظة في جمع كل تلك المساعدات وإحراقها.

يقول أحد الشباب من أبناء القرية: "نرفض أن يكون خبزنا من يد تحرق أراضينا وتمنعنا من الوصول إلى أرزاقنا. الكرامة أغلى من رغيف الخبز."

ويضيف المهندس سليمان: "هذا الموقف لم يكن مفاجئاً لأحد يعرف أهل عين القاضي.

نحن نعاني من الجوع والحاجة، لكننا لا نبيع كرامتنا بأي ثمن، وإسرائيل تحاول كسب ودنا في ظل الظروف الصعبة، بينما هي سبب معاناتنا الأساسي."

رسالة إلى العالم:

عين القاضي ليست مجرد قرية، بل هي رسالة، رسالة من شعب يعرف معنى الكرامة أكثر من معرفته للجوع.

رسالة من فلسطينيين رفضوا أن تكون لقمة العيش وسيلة لتحقيق أهداف سياسية.

هنا، حيث تلتقي حكاية الفلسطيني المهجر مع السوري الصامد، تثبت عين القاضي أن بعض القرى صغيرة في مساحتها، عظيمة في مواقفها، وأن بعض العيون، رغم دمعها، تظل قادرة على إصدار أحكامها بالحق والعدل.

فكما قال أحد مدرسي القرية: "نحن لا نحرق المساعدات لأننا لا نحتاجها، بل نحرقها لأننا نستحق الأفضل من يد تمنحنا إياها."

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22438