نضال الخليل – مجموعة العمل
ليس في الأمر خطأ مطبعي حين تقرأ أنَّ الفلسطيني المقيم في سوريا منذ نصف قرن وجد نفسه مُطالَبًا بمبالغ تُقارب ثلاثة ملايين وتسعِمئة ألف ليرة سورية، ليس لأنه ارتكب جُرمًا أو تهرب من القانون، بل لأنَّ آليات الإدارة تعطَّلت لفترة طويلة ثم استُؤنفت بشروط لم تأخذ بالحسبان مَن عُلِّقت معاملاتهم قسريًا.
هكذا قد يتحوَّل الإغلاق الإداري غير المقصود إلى عَقَبة، ويتحوَّل التعطيل المؤسسي إلى عِبء يُثقل كاهل المواطن.
لكن خلف هذه الأرقام حكاية أعمق:
حكاية الفلسطيني الذي عاش في سوريا منذ السبعينيات، وظنَّ أنَّ الإقامة ليست مجرد ورقة، بل نمط حياة. أبناء الجالية الفلسطينية المُقيمون منذ عام 1970 وحاملو جوازات السلطة الفلسطينية وجدوا أنفسهم فجأة أمام مأزق إداري لا ذنب لهم فيه.
شرعوا في تجديد إقاماتهم قبل أيام من مرحلة شهدت انهيارًا شلَّ مؤسسات الدولة، فتعطَّلت دوائر الهجرة والجوازات، وتوقفت دورة الحياة الرسمية لأسابيع وأشهر، وتركَت الملفات على الرفوف والأختام في الأدراج، بينما تاه الناس بين انتظارٍ وتأجيلٍ.
وعندما هدأت العاصفة وبدأت مؤشرات المرحلة الجديدة تتَّضح، فوجئ كثيرون بأنَّ وضعهم لم يَعُد كما كان؛ لم تعُد الأوراق ناقصة فقط، بل ظهرت متطلبات مالية تتجاوز طاقة العديد منهم.
أرقام تُخاطبنا عن فجوة تشريعية وإجرائية تُحوِّل مأساة شخصية إلى مشكلة بيروقراطية، وتجعل من المواطنة مسألة مُتشابكة بين وزارتين وإجراءات.
في بلد أنهكته الحرب، يعيش الفلسطيني السوري حالة وُسطى من المواطنة: ليس لاجئًا كامل اللجوء، ولا مواطنًا بكامل الحقوق.
كان إغلاق مراكز الهجرة والجوازات في ذروة الاضطراب نتيجة طبيعية لانهيار البنية الإدارية وتوقف عمل المؤسسات، لا قرارًا سياسيًا مُوجَّهًا بالضرورة. لكن إعادة الفتح لم تُراعِ حالة المعاملات المُعلَّقة، فعملت القوانين أحيانًا بعقلية تنظيمية جامدة لا تُفرِّق بين مَن أهمل ومَن مُنِع.
المسألة إذًا ليست فقط غرامة تُضاف إلى رقم، بل اعتراف بما جرى من ظرف قهري لا يتحمَّل الأفراد مسؤوليته وحدهم.
الإعفاء أو إعادة النظر في مثل هذه الغرامات ليس ترفًا ولا تنازُلًا، بل تصحيح لمسار تشريعي وإجرائي تسببت فيه ظروف استثنائية بعيدًا عن إرادة المُكلَّف.
الفلسطينيون المقيمون في سوريا منذ عام 1970 ليسوا طارئين على هذا البلد؛ لقد ساهموا في نسيجه الاجتماعي والاقتصادي، درَّسوا في مدارسها، عملوا في مؤسساتها، عاشوا تفاصيلها اليومية، بالمأكل واللغة والهمِّ.
إنَّ طلبهم لمعالجة قانونية ليس استثناءً، بل مُطالبة باعتراف بواقع إنساني مُتداخل مع واقع سوريا نفسها.
لذا، الحل لا يَكمُن في قرار إداري سريع فقط، بل في رؤية شاملة تُعيد ربط النص بالواقع وتمنح أجهزة التطبيق مرونة تُبيح التمييز بين مَن قصَّر ومَن مُنِع. حين يغيب البُعد الإنساني عن تطبيق القانون، يصبح تطبيقه هو ذاته نوعًا من الجفاء.
قد تبدو هذه القضية مثالًا واحدًا بين أمثلة كثيرة، لكنها تُلخِّص أزمة أعمق؛ أزمة اعترافٍ ومساءلة تقنية قبل أن تكون سياسية.
الاعتراف بوجودهم هنا وبمساهمتهم في نسيج البلد ليس مجرد عاطفة، بل أساس لحل عملي ومستدام.
الإنصاف اليوم يحتاج إلى شجاعة قانونية وإجرائية: مراجعة بنود الغرامات، وضع آليات لتعويض أو تسوية الحالات المتأثرة بفترات تعطُّل، ومَنح الأولوية لمَن يُثبت أنَّ مُعاملاته أُلغيت أو أُوقفت قسرًا. هذا نوع من تطبيق القانون يقوم على العقل والإنصاف، لا على الجمود الإجرائي.
في نهاية المطاف، المواجهة الحقيقية بين الدولة والناس لا تُقاس فقط بصرامة القوانين، بل بكيفية تطبيقها حين تلتقي مع ظروف استثنائية. والقانون الحقيقي هو ذلك الذي يمارَس بإنسانية حين تُواجه الدولة إنسانًا.
نضال الخليل – مجموعة العمل
ليس في الأمر خطأ مطبعي حين تقرأ أنَّ الفلسطيني المقيم في سوريا منذ نصف قرن وجد نفسه مُطالَبًا بمبالغ تُقارب ثلاثة ملايين وتسعِمئة ألف ليرة سورية، ليس لأنه ارتكب جُرمًا أو تهرب من القانون، بل لأنَّ آليات الإدارة تعطَّلت لفترة طويلة ثم استُؤنفت بشروط لم تأخذ بالحسبان مَن عُلِّقت معاملاتهم قسريًا.
هكذا قد يتحوَّل الإغلاق الإداري غير المقصود إلى عَقَبة، ويتحوَّل التعطيل المؤسسي إلى عِبء يُثقل كاهل المواطن.
لكن خلف هذه الأرقام حكاية أعمق:
حكاية الفلسطيني الذي عاش في سوريا منذ السبعينيات، وظنَّ أنَّ الإقامة ليست مجرد ورقة، بل نمط حياة. أبناء الجالية الفلسطينية المُقيمون منذ عام 1970 وحاملو جوازات السلطة الفلسطينية وجدوا أنفسهم فجأة أمام مأزق إداري لا ذنب لهم فيه.
شرعوا في تجديد إقاماتهم قبل أيام من مرحلة شهدت انهيارًا شلَّ مؤسسات الدولة، فتعطَّلت دوائر الهجرة والجوازات، وتوقفت دورة الحياة الرسمية لأسابيع وأشهر، وتركَت الملفات على الرفوف والأختام في الأدراج، بينما تاه الناس بين انتظارٍ وتأجيلٍ.
وعندما هدأت العاصفة وبدأت مؤشرات المرحلة الجديدة تتَّضح، فوجئ كثيرون بأنَّ وضعهم لم يَعُد كما كان؛ لم تعُد الأوراق ناقصة فقط، بل ظهرت متطلبات مالية تتجاوز طاقة العديد منهم.
أرقام تُخاطبنا عن فجوة تشريعية وإجرائية تُحوِّل مأساة شخصية إلى مشكلة بيروقراطية، وتجعل من المواطنة مسألة مُتشابكة بين وزارتين وإجراءات.
في بلد أنهكته الحرب، يعيش الفلسطيني السوري حالة وُسطى من المواطنة: ليس لاجئًا كامل اللجوء، ولا مواطنًا بكامل الحقوق.
كان إغلاق مراكز الهجرة والجوازات في ذروة الاضطراب نتيجة طبيعية لانهيار البنية الإدارية وتوقف عمل المؤسسات، لا قرارًا سياسيًا مُوجَّهًا بالضرورة. لكن إعادة الفتح لم تُراعِ حالة المعاملات المُعلَّقة، فعملت القوانين أحيانًا بعقلية تنظيمية جامدة لا تُفرِّق بين مَن أهمل ومَن مُنِع.
المسألة إذًا ليست فقط غرامة تُضاف إلى رقم، بل اعتراف بما جرى من ظرف قهري لا يتحمَّل الأفراد مسؤوليته وحدهم.
الإعفاء أو إعادة النظر في مثل هذه الغرامات ليس ترفًا ولا تنازُلًا، بل تصحيح لمسار تشريعي وإجرائي تسببت فيه ظروف استثنائية بعيدًا عن إرادة المُكلَّف.
الفلسطينيون المقيمون في سوريا منذ عام 1970 ليسوا طارئين على هذا البلد؛ لقد ساهموا في نسيجه الاجتماعي والاقتصادي، درَّسوا في مدارسها، عملوا في مؤسساتها، عاشوا تفاصيلها اليومية، بالمأكل واللغة والهمِّ.
إنَّ طلبهم لمعالجة قانونية ليس استثناءً، بل مُطالبة باعتراف بواقع إنساني مُتداخل مع واقع سوريا نفسها.
لذا، الحل لا يَكمُن في قرار إداري سريع فقط، بل في رؤية شاملة تُعيد ربط النص بالواقع وتمنح أجهزة التطبيق مرونة تُبيح التمييز بين مَن قصَّر ومَن مُنِع. حين يغيب البُعد الإنساني عن تطبيق القانون، يصبح تطبيقه هو ذاته نوعًا من الجفاء.
قد تبدو هذه القضية مثالًا واحدًا بين أمثلة كثيرة، لكنها تُلخِّص أزمة أعمق؛ أزمة اعترافٍ ومساءلة تقنية قبل أن تكون سياسية.
الاعتراف بوجودهم هنا وبمساهمتهم في نسيج البلد ليس مجرد عاطفة، بل أساس لحل عملي ومستدام.
الإنصاف اليوم يحتاج إلى شجاعة قانونية وإجرائية: مراجعة بنود الغرامات، وضع آليات لتعويض أو تسوية الحالات المتأثرة بفترات تعطُّل، ومَنح الأولوية لمَن يُثبت أنَّ مُعاملاته أُلغيت أو أُوقفت قسرًا. هذا نوع من تطبيق القانون يقوم على العقل والإنصاف، لا على الجمود الإجرائي.
في نهاية المطاف، المواجهة الحقيقية بين الدولة والناس لا تُقاس فقط بصرامة القوانين، بل بكيفية تطبيقها حين تلتقي مع ظروف استثنائية. والقانون الحقيقي هو ذلك الذي يمارَس بإنسانية حين تُواجه الدولة إنسانًا.