map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

المعونة أداةُ حكم. اللاجئ الفلسطيني بين الولاء والعَوَز

تاريخ النشر : 20-11-2025
المعونة أداةُ حكم. اللاجئ الفلسطيني بين الولاء والعَوَز

 نضال الخليل ـ مجموعة العمل

ليس الخبر في ذاته ما يثير الريبة، بل ما يتوارى خلف لغته الإدارية الملساء:

 إعلان عن توزيع مساعدات مالية لعدد من العائلات الفلسطينية "الأكثر فقراً".

ما يبدو في الظاهر فعلاً إنسانياً تضامنياً، ينقلب في جوهره إلى مشهد رمزي مكثف لانحدار المشروع الوطني الفلسطيني إلى مجرد وظيفة اجتماعية تُدار بلغة المصطلحات الإغاثية، لا بلغة الحقوق.

فحين تُعلن دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية عن المساعدة دون رابط تسجيل ودون آلية واضحة للتقديم أو الاعتراض، فإننا لسنا أمام صدفة بيروقراطية، بل أمام استمرار في هندسة "الولاء عبر العَوَز".

المعونة هنا ليست بديلاً عن الدولة الغائبة، بل عن الفكرة الوطنية نفسها التي جُرّدت من معناها التحرري لتتحول إلى جهاز توزيع.

السؤال الذي يتفجر من ثنايا النص ليس:

 ـ لماذا لم يُعلن الرابط؟

 ـ مَن يملك الحق في تعريف الفقر؟

حين تصبح "الأكثر فقراً" معياراً غامضاً تُحدده دوائر حزبية متحالفة مع السفارة، فإن الفقر يُرفع من مستوى الظاهرة الاجتماعية إلى مستوى الأداة السياسية؛ يُعاد تعريفه وفق خريطة الولاءات والانتماءات، لا وفق معيار العدالة.

ـ الفقر هنا ليس حالة إنسانية، بل تصنيف أمني في قواميس النفوذ.

ما يغيب عن وعي المتلقي أن هذا النمط من الإعلانات يعيد إنتاج التناقض الجوهري الذي مزّق الحركة الوطنية: التناقض بين منظمة التحرير كفكرة تحررية، والمنظمة كجهاز إداري تابع. وبين هذين القطبين، يُسحق اللاجئ — الذي كان يوماً جوهر القضية — تحت ثقل الخطاب الخيري.

إن الفقر لا يُعالج بالمنحة بل بالمعنى. لكن حين يُسلب المعنى، تصبح المنحة بديلاً عن التاريخ، وعن الوطن، وعن العودة.

وهنا بالضبط تشتغل اللغة كأداة تضليل: "توزيع مساعدات مالية" — لا ذِكر لأي سياق سياسي، لا اعتراف بانهيار البنى المجتمعية داخل المخيمات، لا محاولة لتفكيك العلاقة بين السيطرة والاحتياج.

وكأن الفقر الفلسطيني حدث طبيعي، لا نتاج نصف قرن من الإقصاء والاستبداد والفساد.

إننا بإزاء نموذج مصغّر لـ"الوعي المستَبْطِن للاستغلال "الذي يعيد إنتاجه عبر لغة الفضيلة. فالمسؤول عن المعاناة يتنكر في هيئة المخلِّص، والمنظمة التي كان يُفترض بها أن تكون حاملة للهوية صارت تحاسب الناس على جوعهم وتَمُنُّ عليهم بفتات البنوك.

ليس السؤال إذَن عن المبلغ، بل عن المعنى السياسي للمساعدة.

حين يُختزل اللاجئ الفلسطيني إلى رقم حساب بنكي، تُختزل معه فلسطين إلى إدارة أزمة دائمة لا إلى مشروع تحرر، وعندما تُوزّع المساعدات باسم "المنظمة"، فذلك لا يعني الرعاية، بل تأميم الفقر تحت راية الشرعية الرمزية التي تآكلت منذ زمن.

بهذا المعنى، لا يمكن قراءة الإعلان إلا كوثيقة من وثائق الانحدار: انحدار الخطاب من لغة الثورة إلى لغة الصدقة.

إنّ هذا الإعلان بقدر ما يوزّع المال، يعيد توزيع الصمت؛ يشتري به شرعيةً رمزية متهالكة في عيون لاجئين باتوا يعرفون أن الجوع لا يُخفَّف، بل يُدار.

المنظمة في هذا المشهد لا توزّع المال، بل توزّع المعنى بطريقة انتقائية. كل من يتلقى المساعدة، يتلقى معها درساً جديداً في الطاعة.

وفي النهاية، يبقى السؤال الذي لا تجرؤ اللغة الرسمية على نطقه:

 ـ هل اللاجئ ما زال مواطناً في الحلم أم أصبح رقماً في سجل الإغاثة؟

هنا بالضبط تنتهي السياسة لتبدأ الصدقة، وينتهي الوطن ليبدأ البنك.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22311

 نضال الخليل ـ مجموعة العمل

ليس الخبر في ذاته ما يثير الريبة، بل ما يتوارى خلف لغته الإدارية الملساء:

 إعلان عن توزيع مساعدات مالية لعدد من العائلات الفلسطينية "الأكثر فقراً".

ما يبدو في الظاهر فعلاً إنسانياً تضامنياً، ينقلب في جوهره إلى مشهد رمزي مكثف لانحدار المشروع الوطني الفلسطيني إلى مجرد وظيفة اجتماعية تُدار بلغة المصطلحات الإغاثية، لا بلغة الحقوق.

فحين تُعلن دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية عن المساعدة دون رابط تسجيل ودون آلية واضحة للتقديم أو الاعتراض، فإننا لسنا أمام صدفة بيروقراطية، بل أمام استمرار في هندسة "الولاء عبر العَوَز".

المعونة هنا ليست بديلاً عن الدولة الغائبة، بل عن الفكرة الوطنية نفسها التي جُرّدت من معناها التحرري لتتحول إلى جهاز توزيع.

السؤال الذي يتفجر من ثنايا النص ليس:

 ـ لماذا لم يُعلن الرابط؟

 ـ مَن يملك الحق في تعريف الفقر؟

حين تصبح "الأكثر فقراً" معياراً غامضاً تُحدده دوائر حزبية متحالفة مع السفارة، فإن الفقر يُرفع من مستوى الظاهرة الاجتماعية إلى مستوى الأداة السياسية؛ يُعاد تعريفه وفق خريطة الولاءات والانتماءات، لا وفق معيار العدالة.

ـ الفقر هنا ليس حالة إنسانية، بل تصنيف أمني في قواميس النفوذ.

ما يغيب عن وعي المتلقي أن هذا النمط من الإعلانات يعيد إنتاج التناقض الجوهري الذي مزّق الحركة الوطنية: التناقض بين منظمة التحرير كفكرة تحررية، والمنظمة كجهاز إداري تابع. وبين هذين القطبين، يُسحق اللاجئ — الذي كان يوماً جوهر القضية — تحت ثقل الخطاب الخيري.

إن الفقر لا يُعالج بالمنحة بل بالمعنى. لكن حين يُسلب المعنى، تصبح المنحة بديلاً عن التاريخ، وعن الوطن، وعن العودة.

وهنا بالضبط تشتغل اللغة كأداة تضليل: "توزيع مساعدات مالية" — لا ذِكر لأي سياق سياسي، لا اعتراف بانهيار البنى المجتمعية داخل المخيمات، لا محاولة لتفكيك العلاقة بين السيطرة والاحتياج.

وكأن الفقر الفلسطيني حدث طبيعي، لا نتاج نصف قرن من الإقصاء والاستبداد والفساد.

إننا بإزاء نموذج مصغّر لـ"الوعي المستَبْطِن للاستغلال "الذي يعيد إنتاجه عبر لغة الفضيلة. فالمسؤول عن المعاناة يتنكر في هيئة المخلِّص، والمنظمة التي كان يُفترض بها أن تكون حاملة للهوية صارت تحاسب الناس على جوعهم وتَمُنُّ عليهم بفتات البنوك.

ليس السؤال إذَن عن المبلغ، بل عن المعنى السياسي للمساعدة.

حين يُختزل اللاجئ الفلسطيني إلى رقم حساب بنكي، تُختزل معه فلسطين إلى إدارة أزمة دائمة لا إلى مشروع تحرر، وعندما تُوزّع المساعدات باسم "المنظمة"، فذلك لا يعني الرعاية، بل تأميم الفقر تحت راية الشرعية الرمزية التي تآكلت منذ زمن.

بهذا المعنى، لا يمكن قراءة الإعلان إلا كوثيقة من وثائق الانحدار: انحدار الخطاب من لغة الثورة إلى لغة الصدقة.

إنّ هذا الإعلان بقدر ما يوزّع المال، يعيد توزيع الصمت؛ يشتري به شرعيةً رمزية متهالكة في عيون لاجئين باتوا يعرفون أن الجوع لا يُخفَّف، بل يُدار.

المنظمة في هذا المشهد لا توزّع المال، بل توزّع المعنى بطريقة انتقائية. كل من يتلقى المساعدة، يتلقى معها درساً جديداً في الطاعة.

وفي النهاية، يبقى السؤال الذي لا تجرؤ اللغة الرسمية على نطقه:

 ـ هل اللاجئ ما زال مواطناً في الحلم أم أصبح رقماً في سجل الإغاثة؟

هنا بالضبط تنتهي السياسة لتبدأ الصدقة، وينتهي الوطن ليبدأ البنك.

الوسوم

رابط مختصر : http://www.actionpal.org.uk/ar/post/22311